«محمود حميدة» في ندوة أرشفة التراث: التراث ليس للفخر فقط بل للتأمل

أقيمت ندوة بعنوان «رقمنة التراث الفني وأرشفة التاريخ السينمائي»، ضمن فعاليات الدورة الحادية عشرة من مهرجان «الإسكندرية للفيلم القصير»، وذلك بالمتحف اليوناني الروماني. تناولت الندوة عدة محاور حول أهمية حفظ التراث الفني وتوثيقه باستخدام التكنولوجيا الحديثة، في ظل التحديات التي تهدد ذاكرة السينما المصرية.
مناقشة التراث
أدارت الجلسة الفنانة «بشرى»، التي بدأت حديثها قائلة: “إننا في المكان المناسب لمناقشة التراث، ونحن في عبق التاريخ نتحدث عن رقمنة التراث وأرشفة التاريخ. وأرى أننا متأخرون في هذه الخطوة”. وأضافت أن وجود النجم «محمود حميدة» ليس بصفته فنانا فقط، بل لمساهمته أيضا في الصناعة. كما أشادت بمشاركة المخرج السكندري الشاب صاحب مبادرة «تراثنا وأجيالنا»، و«خالد حميدة» رئيس شركة «ديچاتيزيد» المعنية بجمع التراث الفني. بالتعاون مع عدد كبير من المثقفين والمبدعين المؤمنين بالفكرة.
بدأ المخرج حازم العطار حديثه موضحا أن مبادرة “تراثنا وأجيالنا” تستهدف الأطفال حتى سن 18 عاما، قائلا: “بدأنا منذ عامين نعرف الأطفال بالتاريخ والتراث المصري من خلال صناعة الأفلام. فقد صنعنا فيلما من بطولة مجموعة من الأطفال في متحف الإسكندرية القومي، وبالتعاون مع وزارة السياحة والآثار قدمنا معلومات عن تاريخ المتحف نفسه. ثم تعاونا مع المتحف القومي للحضارة ووزارة الثقافة، وخلال الفترة المقبلة سيكون هناك تعاون مع جهات أخرى”.
ضياع التراث
وعن تخوفه من ضياع التراث، استرجع «العطار» بعض المواقف من ذاكرته، فقال إنه في عام 2018، وبجوار سينما رمسيس ـ التي تحولت حالياً إلى قاعات أفراح ـ وجد بائع أنتيكات لديه نيجاتف لأول فيلم عُرض في الإسكندرية. ولديه كنزا سينمائيا حاول التفاوض معه لشرائه، لكنه رفض. وأكد أن التوثيق في حد ذاته هدف رئيسي للمبادرة. كما ذكر أن شخصا أهداه كتابا يحتوي على أول نسخة من القانون المدني، كتبه أحمد أفندي زغلول – شقيق سعد زغلول- وقال له إنه وجده في القمامة أثناء تنفيذ مشروع المحمودية.
وأضاف أنه وجد لوحة سانت كاترين التاريخية تباع في سوق الجمعة بمبلغ 500 جنيه فقط، لذلك فكر جديًا في مبادرة لحفظ التراث من الضياع. وأقر باستخدام البرامج والتقنيات الحديثة، لكنه أوضح أنه لا يعتمد على معلومات وبيانات برامج الذكاء الاصطناعي بشكل كامل.

الوعي بأهمية التراث
أكد الفنان محمود حميدة أن المشكلة الأساسية في حفظ التراث وأرشفته تكمن في الوعي. وأشار إلى أنه في بداية عمله بالسينما، لاحظ أن النيجاتيف السينمائي يباع لأشخاص. وأن الناقد سامي السلاموني أثار هذه القضية قائلا إن هذه المواد تعد من الآثار، ولا يجوز بيعها، لكن البعض سخر منه حينها، ما يظهر غياب الوعي.
وأضاف: “لدينا أفلام كثيرة أحرقت لاستخراج الفضة، وأعتبر كاميرا السينما وعاءً لتاريخ الزمني والجغرافي. لذلك، من الضروري الوعي بأهمية حفظ وأرشفة التراث”. وشرح «حميدة» مصطلح “مذبحة الأفلام”، موضحا أن السينما بدأت صامتة. ثم أضيف إليها شريط الصوت، ثم تطورت أدوات العرض، وتأخر السرد القصصي الذي يعد جوهر السينما. ثم دخل عليها اللون بعد الأبيض والأسود- الذي كان يسمى “ظل ونور”- وسمي دخول الألوان بـ”مذبحة الأفلام” لفقدان أصل الرسم بالنور.
وأكد أنه شاهد بعض الأفلام قبل وبعد تلوينها، ووجد فرقا كبيرا بين النسختين، مضيفا: “مجرد استخدام تكنولوجيا جديدة، يعني أنك تفسد الأصل وتذبحه”. وأشار إلى أن دخول تقنيات جديدة في عالم السينما يقابل غالبا بالاستغراب. خاصة من كبار المهنة، مثل برامج المونتاج الحديثة، لأنهم اعتادوا العمل اليدوي. وهذا ليس في مصر فقط، بل في العالم كله. وقال: “نضطر أحيانا لإحضار شخص يشغل هذه الأجهزة على مضض”.
الخوف من الذكاء الاصطناعي
ويرى «حميدة» أن أي أداة جديدة يجب النظر إليها كوسيلة معرفية، مؤكدا أنه يتعامل مع الذكاء الاصطناعي كأداة جديدة لا تستوجب الذعر. وأبدى تعجبه من خروج مظاهرات في أنحاء العالم ضد استخدام الذكاء الاصطناعي، متسائلا: “كيف ننظر إلى التطور؟”. وأوضح أن الناس يتعاملون مع التطور بأحد وجهين: إما الرفض- ومصير هذا الانقراض- أو القبول، وهو ما يؤدي إلى الاستمرار، وأعتبر أن الذعر من الذكاء الاصطناعي مبالغ فيه.
وقال: “رشيدة عبد السلام، مثلا، لا تتقبل التطور الحالي، وكثير من كبار المخرجين في العالم يرفضونه. لكن، لكي نتعامل مع التطور، يجب أن نقبله ونتعلمه، وإلا سنندثر”. وتوقع أن تظهر أدوات جديدة قد تلغي وظيفة الممثل، لكن الدكتور «محمد العدل» عارضه، معتبر ذلك مستحيلا. ورد عليه «حميدة» قائلا: “سافرنا بالحمار، والآن نسافر بالطائرة، ولم نكن نتخيل ذلك يوما”.
وفي السياق نفسه، أكد «حميدة» أن العالم الجديد قائم على التعاون والتكامل بين المؤسسات والمنظمات، وليس هناك ملكية فكرية مطلقة، قائلاً: “أؤكد دائماً أن التراث لا يجب أن يكون مدعاة للفخر أو اليأس فقط، بل هو موضع تأمل للاستفادة من الماضي. يجب أن نسأل: كيف ولماذا حدث هذا في ذلك الوقت؟ فالمعرفة قوة دافعة ومحركة”.

مشروع أرشفة التراث
أرجع «خالد حميدة»، رئيس شركة «ديچاتيزيد»، فكرة مشروع الأرشفة إلى الفنان محمود حميدة واصفا إياه بالملهم الأكبر لها، وأوضح أن الشركة بدأت العمل فعليا منذ عام لجمع البيانات. وكانت البداية من زياراته للمناطق الأثرية والصحاري. وأشار إلى أنه نشأ في بيت فني. وأن عمله في المجال التكنولوجي حفزه لوضع هدف يتمثل في عدم ضياع الإرث الفني.
وأضاف أن صناعة السينما تمثل جزءا من المشروع، الذي بدأ كفكرة حضارية تهتم بأرشفة الطعام المصري، رغم سخرية البعض. معتبرا أن ذلك يمثل جزءا من ثقافة البلد، إلى جانب الملابس وأصولها، والتراث الذي يختفي تدريجيا. وأكد أن المبادرة ليست مادية في المقام الأول. بل تعتمد على رفع الوعي بأهمية المشروع، حتى يقبل الناس على دعمه ومساهمته. وأشار إلى أن الهدف هو أن يكون المشروع متاحا للجمهور.
واختتم حديثه، بأن مكرم سلامة شرح لهم في بداية المشروع. وبعد مشاهدة آلاف النيجاتيفات، كيف كان يتم حرقها لاستخراج معدن الفضة، وأن بعضها قد سرق، وبيع جزء منها في الخارج. وأن ما نملكه من إرثنا الفني من أصل 208 أفلام روائية لا يمثل سوى نسبة بسيطة، فضلا عن الأنواع الأخرى. لذا نحاول أن ننقذ ما يمكن إنقاذه.
اقرأ أيضا:
«الإسكندرية للفيلم القصير» يختار 11 فيلما في مسابقة أفلام الذكاء الاصطناعي