دليل الفعاليات الثقافية فى مصر

الدليل - تعالى نخرج

«مثل ظل الماء».. العلامة الأخيرة في مسيرة خالد فاروق

تقرير: نور الجندي

قبل رحيله بعدة أشهر، أقام الفنان خالد فاروق معرضه الأخير، تاركا بصمة مميزة وعلامة نهائية ستظل حاضرة في الذاكرة. جاء المعرض بعنوان «مثل ظل الماء»، عقب مسيرة فنية طويلة بدأت في منتصف الثمانينيات بمشاركاته في صالونات ومعارض عديدة داخل مصر وخارجها.

قدم خلال رحلته عددا من المعارض الفردية المميزة، مثل معرضه في قاعة إخناتون بمجمع الفنون عام 1999، كما نال عدة جوائز محلية وعالمية، من أبرزها الجائزة الكبرى للرابطة الدولية لنقاد الفن التشكيلي (AICA) عام 1995. وجاء هذا المعرض الأخير في القاهرة في إبريل 2024 ليكون خاتمة لمسيرته، قبل رحيله عن عالمنا في 31 ديسمبر من العام نفسه.

رسالة أخيرة مكتوبة بالخيال

كان المعرض بمثابة رسالة أخيرة مليئة بالقصص يلخص فيها الفنان تجربته الفنية والإنسانية، من خلال لوحات تحكي عن رؤى ومشاهد خيالية تشبه الأحلام، إذا ما حاولنا تصنيفها وفق المدارس الفنية لوجدناها قريبة للسريالية، لكنها أوضح وأقرب للتأويل.

هذه الرؤى أو الأحلام يمكن أن نعتبرها انعكاسًا للواقع أو نبوءات مستقبلية، رسمها الفنان دون الدخول في متاهات مدارس الفن الحديث أو المعاصر، ودون أن يسعى إلى أسلوب مغترب أو منعزل في مخاطبة الذات، بل جاءت عناصر أعماله واضحة وقريبة إلى الكلاسيكية، وأسلوب سلس في طرح الخيال والرموز والأفكار حتى وإن اتسمت أحيانًا بغموض المعنى. وهذه السلاسة في التعبير انعكست بدورها على استقبال المتلقي للحالة والمشاعر الكامنة وراء كل لوحة. ورغم أن الفنان كان يعبر عن نفسه بشكل ذاتي، لكن هذه الذاتية جسدت حالة عامة وأوسع يشترك فيها الكثيرون، وترجمت هموم إنسان معاصر ملتبس الهوية والانتماء، ومدينة متقلبة الحال مثل الإسكندرية.

من لوحات معرض مثل ظل الماء.. الصورة من صفحة قطاع الفنون التشكيلية
من لوحات معرض مثل ظل الماء.. الصورة من صفحة قطاع الفنون التشكيلية
عوالم متحركة بين الواقع والحلم

لا تخلو معظم اللوحات من الحركة. حيث تتحرك في إحدى اللوحات مجموعة من المباني الضخمة بواسطة أقدام طويلة بسراويل مرقعة تمشي على سطح الماء، وليس من الواضح هل تغادر مكانها أم تعود إليه.

وفي مجموعة أخرى نرى أشخاصًا لديهم أجنحة وبينهم وبين الأرض مسافة قليلة، ووجوههم مغطاة بأقمشة لا فتحة فيها للرؤية. هل هم في بدايات تحليقهم؟ أم هابطون بعد رحلة طيران؟ أم هي مجرد محاولة لم تسفر إلا عن هذا القدر المنخفض من الارتفاع؟

وتظهر في لوحات أخرى لأشخاص بأقدام طويلة، كل لوحة فيها شخص يعزف على آلة موسيقية في زوايا محاطة بالظلال. هل هم وحدهم؟ هل يعزفون بعد رحيل الآخرين؟ أم حولهم أشخاص غير ظاهرين لنا؟

مساحة للتأويل والتفاعل

كل هذه الأسئلة بالإضافة إلى ما في اللوحات من رموز ودلالات وحركة للعناصر، خلقت بعدًا تفاعليًا بينها وبين المتلقي، حيث يمكن أن يفسرها ويشعر بها كل شخص بطريقته الخاصة، وذلك وفقًا لرؤيته وخياله وإحساسه.

رسالة في زجاجة.. وإرث بصري باق

لم يكن معرض خالد فاروق خطوة عادية ضمن مسيرته الفنية، بل كان رسالة لشخص ترك نفسه للحلم واتّبع خياله وصوّره بصدق، كمن يكتب رسالة في زجاجة لمن سيأتي بعده. رسالة أشبه بقصيدة شعر صامتة تحمل نبوءة الشاعر الذي أمسك بخيط الوحي:

هل هذا عالم مستقبلي سوداوي؟ أم صورة من صور الواقع؟ وهل مَن في اللوحة انعكاس لي؟ أم انعكاس له؟ أم صورة لإنسان العصر الذي يبحث لنفسه عن مكان؟

رحل الفنان خالد فاروق، لكنه ترك إرثًا بصريًا يفتح أبواب التأمل والخيال، وستظل أعماله حاضرة في ذاكرة ووجدان من شاهدوها وتفاعلوا معها واستطاعت أن تترك فيهم أثرًا. كما ستظل هذه الأعمال أيضًا جزءًا من ذاكرة الفن المصري الحديث، بكل ما فيه من تاريخ وإرث.

اقرأ أيضا:

«حلوى الذاكرة»: استعادة ملامح الفنان خالد فاروق في ذكراه

بين عبثية كافكا وواقع المسرح المستقل: كواليس عرض «بيتر الأحمر»

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر
إغلاق

Please disable Ad blocker temporarily

Please disable Ad blocker temporarily. من فضلك اوقف مانع الاعلانات مؤقتا.