«متحف قناة السويس».. تاريخ من سخرة الحفر إلى إرادة التأميم والتطوير

في قاعتين متتاليتين بمتحف قناة السويس، ينتصب تمثالان متقابلان أحدهما للدبلوماسي الفرنسي فرديناند ديليسبس، والآخر للرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وهو يرفع يده بورقة تحمل نص خطابه الذي أعلن فيه تأميم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية شركة مساهمة مصرية. والمفارقة أن كلمة سر عملية التأميم كانت “ديليسبس”، لتبدأ مرحلة الإدارة المصرية للقناة من نفس المبني الذي أصبح اليوم متحف يعرض تاريخها منذ عهد المصريين القدماء.
ويتاح المتحف حاليا للزيارة ضمن التشغيل التجريبي قبل الافتتاح الرسمي، وقد زاره بالفعل أكثر من 45 ألف زائر حتى كتابة هذه السطور، وفقا للموقع الرسمي للمتحف، من بينهم الملك السابق أحمد فؤاد الثاني، خلال زيارته السنوية لمصر، بحسب الصفحة الرسمية للمتحف على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك.
مقتنيات متحف قناة السويس
يتيح الموقع الرسمي لمتحف قناة السويس عرضا تقديميا من خلال كتيب يلخص مقتنيات قاعات العرض.
وبجانب الأهمية التاريخية للمقتنيات، يتمتع المبنى نفسه بأهمية خاصة. إذ يرجع تاريخ إنشائه إلى عام 1862، كمقر إداري للشركة العالمية لقناة السويس البحرية، ومسكن لوكيل الشركة الأعلى في مصر، رئيس الأشغال فرانسوا فيليب فوازان بك. وبجوار المبنى تقع فيلا سكن فرديناند ديلسبس.
وتطور المبنى عبر توسعات أعوام 1906 و1911 و1920 و1924 و1946، وظل مقرا لإدارة قناة السويس بعد التأميم عام 1956. حتى انتقلت الإدارة إلى مبنى الإرشاد بمدينة الإسماعيلية منتصف الستينات. ثم تحول المبنى في عام 1978 إلى مقر للحزب الوطني الديمقراطي، قبل أن تعود ملكيته إلى هيئة قناة السويس عقب ثورة يناير 2011. وقد صدر قرار مشترك بين وزارة الثقافة وهيئة القناة بتحويل المبنى إلى متحف لتاريخ قناة السويس.
متحف قناة السويس.. طراز معماري مميز
أُدرج المبني ضمن سجلات المباني ذات الطراز المعماري المميز، وسجل ضمن الآثار الإسلامية والقبطية بقرار عام 2004، ويجمع تصميمه بين الطابع العربي والإسلامي والأوروبي، بطراز بناء المستعمرات الأوروبية في إفريقيا وآسيا، بشرفاته ونوافذه الكبيرة. ويتكون، بحسب وصف الموقع الرسمي للمتحف، من بدورم، ودور أرضي، وطابق أول علوي مغطى بمظلات خشبية تحيط بالمبنى، محمولة على أعمدة خشبية، ويغطيها أسقف خشبية مائلة مغطاة بالقرميد.
العرض المتحفي
بحسب بيان تعريفي لهيئة قناة السويس، توثق المقتنيات فترات زمنية مختلفة، بدءا فكرة حفر القناة الأولى في عهد “سيزوستريس”، وحتى حفل الافتتاح الأسطوري في 1869، وتأميم القناة، وعمليات التطوير وتوسعة المجري الملاحي، وصولا إلى مشروع قناة السويس الجديدة وافتتاحها عام 2015، والمشروعات المرتبطة بها.
وتعرض قاعات المتحف مقتنيات أصلية لرؤساء قناة السويس السابقين، ووثائق الحفر، ومخاطبات رسمية، وإهداءات من مؤسسات دولية مثل” جمعية أصدقاء ديليسبس” الفرنسية، بالإضافة إلى نموذج السفينة الملكية التي استقبلتها الإمبراطورة “أوجيني” والخديوي إسماعيل وفرديناند ديليسبس في افتتاح القناة.
ويتبع المتحف “استراحة ديليسبس” التي تضم غرفة نومه الأصلية، وما زالت تحتفظ بوضعها الأصلي ممن ورق الحائط والستائر الأصلية بعد ترميمها.
ترميم متحف قناة السويس
كون المبنى مسجلا كأثر تاريخي، خضع لعملية ترميم دقيقة. حيث تعاملت لجنة الترميم بوزارة الآثار مع كل عنصر داخلي باعتباره قطعة أثرية. شملت الأعمال ترميم واستبدال 274 عمودًا خشبيا بنفس الشكل والمقاسات الأصلية. والحفاظ على الزخارف والحليات والألوان، وترميم 114 بابا، و175 شباكا، وحليات وعقود خشبية.
كما شمل العمل استبدال وترميم التالف من القرميد الذي يغطي الأسطح بمساحة 6 ألاف متر مربع. وتخفيض عدد القاعات من 145 غرفة إلى 85 قاعة عرض.
وشملت عملية الترميم أيضا عزل الأنفاق الأرضية أسفل المتحف، والحفاظ على الحوائط والأسقف. وتدعيم العناصر الإنشائية، وأعمال الشبكات الأرضية، والري والصرف الصحي، مع إزالة المباني المستحدثة والإنشاءات الجديدة.
اقرأ أيضا:
«متحف السويس القومي».. كنوز تُجسد عبقرية المصري القديم
من أعماق البحر إلى صفحات العلم.. قصة معهد علوم البحار ومتحفه العريق بالسويس