كيف احتفل الناس برمضان في القرن الماضي؟

” رمضان صُح كان زمان” بهذه الكلمات يبدأ العم صلاح حافظ، الرجل الثمانيني حكاياته وذكرياته عن رمضان، عندما كانت القرية كلها تعيش في كرنفال شعبي لمدة 30 يومًا، يتوج في آخر الشهر بعيد الفطر.
يعود حافظ بذاكرته إلي الستينيات، ويتذكر اليومين السابقين لبدء شهر رمضان، يقول: كنا نسمي اليومين قبل رمضان “الشَكَك”، وتعني التشكك في بدء الشهر يمكن أن تكون بالغد أو بعد الغد، وكان من عادة الأهالي الاستعداد وشراء لوازمهم من لحوم ودواجن وبلح، وكان الصغار يستعدون بالفوانيس، التي كانت إما من الجريد أو من الصاج والزجاج الملون وتضاء بشمعة، وكانوا يطوفون شوارع البلدة حاملين الفوانيس مرددين “بكرة صيام يا رمضان”.
ويتابع: عندما تثبت رؤية الهلال كان عمدة البلد ورجال الشرطة يعلنون عن ذلك بإطلاق الأعيرة النارية لتعريف الناس بأن غدًا أول أيام الصيام وكان النساء تزغردن في المنازل .
مسحراتي زمان
عيد أحمد، مزارع- من مواليد 1937، يقول إن أهالي دشنا لم يعرفوا السهرات الرمضانية بـ”المنادر” إلا في فترة السبعينيات، وفي فترتي الخمسينيات والستينيات اعتاد الأهالي تنظيم حفلات السمر أمام منازلهم، حيث يجلس الرجال والنساء في مجموعات منفصلة وينشدون مدائح في حب الرسول، مثل البردة وطلع البدر علينا، وأحيانا مقطوعات من فن الواو أو المربعات المغلقة.
ويتابع أن الحياة كانت بسيطة، ليس بها تعقيدات ورفاهية الوقت الحالي، كما أن الأهالي اعتادوا أن يفطروا على  استطلاع غروب الشمس، لعدم توفر ميكرفونات بالمساجد آنذاك.
أما في السحور فكان المسحراتي يقوم بذلك من خلال القرع على علبة صفيح، والتي تطورت فيما بعد وأصبحت طبلة، وكان ينادي علينا بالاسم، “اصحي يا عيد، اصحى رمضان كريم”، لافتا إلى أن الأهالي كانوا يجودون على المسحراتي بما لديهم من أطعمة أو تمر، وفي أحيان قليلة بضع مليمات .
يا فطّورة
يضحك محمد عبد الدايم، من مواليد 1945، حين يتذكر الألعاب الرمضانية التي اعتاد ممارستها مع أقرانه في شهر رمضان، وكان أبرزها لعبة الحية، وهي تشبه لعبة الاستغماية، وكنا نقول “الحية شرقت.. الحية غربت.. امسك يا واد الحية”، وأيضا لعبة  “وّقف” وتعتمد على أن يقوم احد الأطفال بمطاردة أقرانه، وبمجرد أن يقول له وقف يأخذ مكانه في المطاردة.
يتابع أن العاب الماضي كانت العاب مسلية، ولا تسبب إزعاجًا لأحد بعكس الآن، حيث يلعب الأطفال بالصواريخ والمدافع التي تزعج الآخرين وتسبب مشكلات، ملمحا أن حالة الترابط بين الأهالي كانت تتمثل أنه في وقت الإفطار كانت كل عائلة تخرج الطبلية خارج المنزل.
كان الناس يدعون بعضهم بعضًا، لتناول الطعام، ملمحًا إلى أن الطعام كان بسيطا وكان الأهالي لا يشترون اللحم إلا مرة واحدة في الأسبوع، هو “يوم السوق”، وكان اللحم يباع بالرطل وهو أقل من نصف الكيلوجرام، ولم يزد سعره عن 12 قرشا.
ويلمح عبد الدايم إلى أن المساجد في ذلك الوقت كانت تظل مفتوحة إلى صلاة الفجر، وكانت تلاوة القران لا تنقطع خلال الشهر، إما في المساجد أو في بعض المنادر الكبرى في السهرات.
قديما كان من الصعب أن تجد شخصا يجاهر بإفطاره، احتراما لقدسية الشهر ومراعاة لمشاعر الصائمين، ويتذكر عبدالدايم أنه عندما كان الأطفال يكتشفون شخصا مفطرا في رمضان كانوا يزفونه متهكمين عليه بهذه الجملة “يا فاطر رمضان يا خاسر دينك” أو ينعتوه بـ”فطّورة”.
التفاح سمن وساح
محمود محمد، جزار- من مواليد ،1954 يروي كيف كان أبناء مهنته يحتفلون بقدوم شهر رمضان قائلا: في  اليومين السابقين لقدوم رمضان كنا نحضر العجل أو الجاموسة المراد ذبحها في أول الشهر، وتزين بقطع ملونة من القماش، ونطوف وخلفنا الأطفال بالدفوف والطبول هاتفين “بكرة صيام يا رمضان.. التفاح سمن وساح.. نزل البحر.. خطفه التمساح.. تستوهل”.
يتابع أن هذا الطقس كان نوعا من الاحتفال بقدوم شهر رمضان، وكان يسهم في ترويج بضاعة اللحوم، التي لم تكن رائجة بشكل كبير في ذلك الوقت بسبب حالة الفقر لأغلبية الأهالي.
وعن أنواع الحلويات يقول محمد لم نعرف إلا الزلابية والكنافة البلدي، التي كانت تعد باللبن والسكر والسمن، وفي بعض الأحيان المبواخية، ومع دخول فترتي السبعينيات والثمانينيات بدأ الأهالي يعرفون أنواع الحلويات الأخرى مثل الجلاش والكنافة الآلي والقطايف.
يشير محمد إلى أن مشروبات رمضان كانت تنحصر في الخشاف وهو ماء منقوع البلح بالسكر أو عصير الليمون أو البوظة البلدي المصنوعة من العجين المخمر بإضافة السكر والماء، ويضحك كثيرا حين يتذكر أن الأهالي بدشنا عندما عرفوا قمر الدين لأول مرة كانوا يأكلونه بالخبز ولم يعرفوا أنه مشروب إلا بعدها بفترة .
الزينة بالعجين
يقول محمد السنوسي، عامل- من مواليد 1958، إن زينة رمضان في الماضي كانت بسيطة وغير مكلفة، لافتا إلى أنه اعتاد في صباه أن يعد زينة رمضان باستخدام أوراق الجرائد أو أوراق  كراسات المدرسة القديمة، حيث كان يقصها في شكل مثلثات متعرجة، وبها فتحات في المنتصف ويثبتها على حبل ويلصقها باستخدام العجين.
يشير إلى أن الصمغ والمواد اللاصقة لم تكن معروفة في ذلك الوقت، وكانت تعلق أمام المنازل، وأن الأطفال اعتادوا أن يعايروا الطفل الذي لم يقم بوضع الزينة أمام منزله.
وعن الفانوس يقول سنوسي: في البداية كان عبارة عن البكارة الجريد، وفي المنتصف قشر البرتقال والشمع ثم تطور إلى الفانوس الصاج، وذي الزجاج الملون بالشمع، وبدءا من فترة الثمانينيات بدأ بعض الأطفال في تصميم فوانيس على شكل مساجد باستخدام الكراتين والورق الملون، والتي تطورت فيما بعد وأصبحت من الخشب والمعدن.

مشاركة
المقالات والآراء المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة، بل تعبر عن رأي أصحابها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر