كيف أصبحت الإسكندرية حلما؟ الروائي «إبراهيم عبدالمجيد» يُفسر

«كيف كانت الإسكندرية وكيف أصبحت حلما؟» كان هذا العنوان الرئيسي لجلسة الكاتب والروائي الكبير «إبراهيم عبدالمجيد»، ضمن فعاليات المؤتمر العشرين للمنظمة الدولية للبيئات التقليدية، المقام في مكتبة الإسكندرية. وقد تحدث فيها عن ذكرياته في الإسكندرية، ورواياته التي تناولت حقبا تاريخية مختلفة للمدينة.

كيف أصبحت الإسكندرية حلما؟

قال الروائي والكاتب إبراهيم عبدالمجيد: “موضوع جلسة اليوم (كيف أصبحت الإسكندرية حلمًا؟) مبهج ومؤلم بالنسبة لي. فأنا من مواليد منطقة كرموز (راقودة)، وهي من أقدم مناطق الإسكندرية؛ تضم منطقة كوم الشقافة وعمود السواري والكثير من الآثار القديمة، وتحتها الخنادق القديمة. وكانت الإسكندرية تُذكر قديما بـ(المدينة القريبة من مصر)، وكأنها دولة مستقلة”.

وأضاف: “من خلال قراءاتي علمت أن الإسكندر الأكبر، عندما قرر بناء المدينة، طلب من المهندس أن يرسم له حدود المدينة. فرسمها بالقمح لأنه لم يجد الجير الأبيض. لكن الطيور أكلت الحبوب، فقال له المهندس آنذاك: لا تحزن، فهذه المدينة ستكون مركزا للعالم كله”.

واستعرض تاريخ المدينة قائلا إن العرب، عندما دخلوا مصر في القرن الثامن الميلادي. لم يكن لهم ارتباط بالموانئ، فحياتهم كانت في الصحراء. مما أدى إلى إهمال مدينة الإسكندرية. حتى جاء نابليون بونابرت إلى مصر، وكانت الإسكندرية لا يتجاوز عدد سكانها 6 آلاف نسمة، فقراء، رغم مقاومتهم القوية له آنذاك.

وتابع: ثم جاء محمد علي، وكانت تلك نقطة التحول للمدينة. إذ أعاد بناء الإسكندرية بحفر ترعة المحمودية، فازدهرت التجارة والصناعة والترسانات البحرية. وبدأ اليونانيون والشوام والإيطاليون في العودة إلى المدينة مرة أخرى. وفي عام 1840 تقريبا، وصل تعداد المدينة لـ40 ألف نسمة. ثم ظهرت الثقافة والفنون، مثل الفن التشكيلي، الذي يعود إلى أيام الفراعنة. ولكن تم إهماله لاحقا، وظهر الفنانون يرسمون على ضفاف ترعة المحمودية، واستعادت المدينة روحها الكوزموبوليتانية العالمية. وظهرت حركات التجديد في الأدب والشعر مثل حركة أبوللو، وكانت اجتماعاتهم تعقد في مطعم “تريانون” بمنطقة محطة الرمل.

الإسكندرية مدينة عالمية

أشار عبدالمجيد إلى أنه في عهد الخديوي توفيق، وتحديدا عام 1895، أصبحت الإسكندرية مدينة عالمية في السينما والفن، فظهر أول استوديو في مصر بها، وكذلك أول مجلة، ولكن باللغة الفرنسية. وكان الناس في المقاهي يقرؤون الصحف بلغات متعددة. وفي عام 1915، كان هناك 35 مجلة للمرأة، بينما اليوم لدينا اثنتين، وربما لا تصدران أصلا. وعاش الناس من مختلف الديانات والجنسيات في المدينة بسلام، خاصة في الإسكندرية. وكان تمثال سعد زغلول، بنظرته نحو البحر الأبيض المتوسط، يرمز إلى التنوع والاختلاف في المدينة.

واستعاد الروائي إبراهيم عبدالمجيد ذكريات شبابه قائلاً: “كان الجنوب؛ العصافرة والمندرة والمعمورة، عبارة عن حقول زراعية لكل الفواكه، وفيها فقط بيوت الفلاحين. وقد عٌرض علي عمل في منطقة باكوس، ولم يكن فيها إلا مبنى الشركة، وبقية المساحة عبارة عن مزارع. أما اليوم، فلا يمكن السير فيها بسبب الزحام. وفي منطقة غيط العنب، كانوا يصنعون الجبن والألبان”.

وأكد: في السبعينات، وهي مرحلة شبابي، رأيتُ كيف تغيرت الإسكندرية، وكيف فتح الرئيس الراحل السادات الباب للإخوان والسلفيين، ما أدى إلى تدمير معظم دور السينما وإغلاق الملاهي الليلية، كما تغيرت الشواطئ، وانتهت مسابقات ملكات الجمال.

ولم يكن هناك تحرش أبدا بالرغم من حرية ارتداء ملابس البحر، لكن اليوم أصبح التحرش ظاهرة، رغم اختلاف ملابس الشاطئ. كما انتهى الاهتمام بالموسيقى والشعر في الجامعات والمدارس. آنذاك أطلقتُ تعبير “الإسكندرية في غيمة” وتمنيت أن تنقشع، فقد ازدهرت ثقافة تحقير المرأة في مصر كلها.

افتتاح المؤتمر العشرين IASTE 2025

شهدت مكتبة الإسكندرية افتتاح المؤتمر العشرين للمنظمة الدولية للبيئات التقليدية. بحضور الدكتور عبد العزيز قنصوة، رئيس جامعة الإسكندرية، والدكتور أحمد زايد، مدير مكتبة الإسكندرية، والدكتور مارك جيلام، رئيس منظمة IASTE، والدكتور وليد عبد العظيم، عميد كلية الهندسة. وممثلي وزارات البيئة والإسكان والسياحة والآثار والثقافة، والباحثين من مختلف دول العالم. ويعقد المؤتمر بالتعاون بين جامعة الإسكندرية والمنظمة الدولية للبيئات التقليدية ومكتبة الإسكندرية.

ورحب الدكتور عبد العزيز قنصوة، رئيس جامعة الإسكندرية، بضيوف المؤتمر. مؤكدا أن الإسكندرية تعد المدينة المثالية لإقامة فعاليات المؤتمر العشرين للمنظمة، التي تناقش البيئات التقليدية والعلاقة المتبادلة بين المجتمع والعمران. وهو ما تتمتع به المدينة من مبان تراثية وتاريخية، التي تحكى قصصا عن عظمة وعراقة هذه المدينة الممتد عبر التاريخ. وأشار إلى أن المؤتمر انطلق منذ عام 1989 ويناقش عددا من القضايا المختلفة عن العلاقة بين المجتمع والعمران.

ومن جانبه، صرح الدكتور أحمد زايد، مدير مكتبة الإسكندرية، بأن المؤتمر يُعد منصة أكاديمية وثقافية رفيعة. تجمع باحثين وممارسين من مختلف أنحاء العالم. لمناقشة التفاعل بين التقاليد المحلية والهويات العالمية في السياقات المعمارية والعمرانية والاجتماعية.

فيما عبر الدكتور مارك جيلام، رئيس منظمة IASTE، عن سعادته بتواجده في رحاب مدينة الإسكندرية التراثية العريقة، مشيدا بحجم المشروعات الناجحة في المدينة.

اقرأ أيضا:

«حلوى الذاكرة»: استعادة ملامح الفنان خالد فاروق في ذكراه

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر
إغلاق

Please disable Ad blocker temporarily

Please disable Ad blocker temporarily. من فضلك اوقف مانع الاعلانات مؤقتا.