«كل حاجة حلوة».. عندما يصبح الجمهور جزءا من العرض المسرحي

اختتمت مسرحية «كل حاجة حلوة» جولتها في المحافظات بعرض على المسرح الروماني بمكتبة مصر العامة في المنصورة، بالتعاون مع مبادرة «فيو منصورة». وجاء العرض من بطولة الممثلة السورية ناندا محمد، وإعداد وإخراج أحمد العطار، على مدار يومين من الأسبوع الماضي، وسط حضور وتفاعل كبير من الشباب، إلى جانب عدد من الأطفال وكبار السن.

ويأتي هذا العرض بعد سلسلة من العروض التي تم تقديمها في 5 محافظات بين الدلتا والصعيد، هي: دمياط، بورسعيد، الإسكندرية، المنيا، وأسيوط، بدعم من المركز الثقافي البريطاني.

تعريب المسرح الأوروبي المعاصر

مسرحية “كل حاجة حلوة” مأخوذة عن نص من تأليف الكاتب الإنجليزي دنكان ماكيملان، بالاشتراك مع جوني دوناهو، والمبني على قصتهما القصيرة “ملاحظات على أغلفة الأسطوانات”. وهي مسرحية كوميدية تفاعلية، تمت ترجمتها إلى العربية ضمن مشروع “المسرح المترجم: تقديم المسرح الأوروبي المعاصر بالعربية”، الذي يهدف إلى ترجمة 24 نصا مسرحيا لكتاب أوروبيين إلى اللغة العربية.

وقد اختار د.محمود اللوزي، الممثل والمخرج المسرحي، هذا النص من بين 10 نصوص إنجليزية ليكون ضمن المشروع. العرض من إنتاج شركة المشرق للإنتاج، وبدعم من المجمع الثقافي في أبو ظبي، والملتقى الدولي للفنون العربية المعاصرة، وصندوق دعم الفنون العربية بباريس.

 

قصة أوروبية بروح مصرية

بدأ العرض بتوزيع الممثلة ناندا محمد بطاقات ورقية تحمل أرقاما وعبارات مختلفة على الحضور. خلال العرض، وطلبت من الجمهور قراءة الجمل المكتوبة على البطاقات عندما تنادي على الرقم المقابل لها، في إشارة واضحة إلى تفاعلية العرض ومشاركة الجمهور في الأحداث.

وبعدها بدأت ناندا بالنداء على الأرقام، ليتفاعل الحضور مع قائمة طويلة من الأشياء التي تسعد فتاة تبلغ من العمر 7 سنوات. تعيش مع أم تعاني من الاكتئاب، تصل حالتها إلى محاولة انتحار. يرافقها والدها في رحلة بالسيارة لزيارة الأم، حيث يسود الصمت بينهما، تعبيرا عن صعوبة التواصل، خاصة من طرف الأب قليل الكلام.

تستعرض ناندا حوارا كانت الطفلة تتمنى حدوثه مع والدها، بديلا عن الصمت المتبادل. وهو أحد أكثر المشاهد تعبيرا عن الفجوة العاطفية داخل العائلة. وفي مشهد مؤثر، دعت ناندا أحد الحضور لأداء دور الأب، لتوضح كيف يعبر الأطفال عن فضولهم وشغفهم بفهم الأمور من خلال سؤال بسيط:”ليه؟”. ثم بدلت الأدوار، وتجسدت دور الأب الذي يعجز عن التعبير عن مشاعره، في مقابل طفلة تجيد الإفصاح لكن يخونها الخوف والخذلان.  كان هذا المشهد من أبرز لحظات العرض وأكثرها تأثيرا.

جمهور الأقاليم: بين الخجل والانفتاح على المسرح

يحكي عمر الخلاوي، 26 عاما، موسيقي، عن مشاركته في أحد الأدوار قائلا: “كنت محرجا في البداية، لكني كنت سعيدا بالتجربة. ناندا مشجعة جدا على التفاعل، وأعتقد أن لدينا جميعا قدرة على التعبير الفني عندما نجد المساحة المناسبة. القصة كانت واقعية وقريبة منا. والممثلة كانت مبهرة في التفاعل بين المشاعر بانسيابية”.

أما أميرة الغرباوي، 29 عاما، فعبرت عن سعادتها بعد أول تجربة لها في المسرح قائلة: “العرض جميل وتعايشت مع المشاعر تماما. مكنتش أعرف إن في عروض زى دي في المنصورة. العرض لمسني لأني مريت بفترة اكتئاب. وحسيت إنها بتتكلم عني. ساعدني التفاعل مع ناندا على عدم الغرق في المشاعر السلبية. بالعكس حسيت بإيجابية أكثر”.

اختلاف الخبرة المسرحية للجماهير بين المحافظات

أوضح المخرج أحمد العطار، أن اختلاف استجابة الجمهور يعود إلى مدى خبرته المسرحية، قائلا: “الجمهور المعتاد على حضور العروض. مثل جمهور جيزويت الإسكندرية، لدية خبرة في التفاعل. على عكس جمهور المدن الأقل تعرضا للمسرح. لكنهم يظهرون حماسا وفهما كبيرين”.

وأضاف: “العمل يتطلب مسرحا مغلقا، لارتباطه بالتفاعل المباشر. وفي عروض دمياط والمنصورة، واجهنا تحديات مع المسرح المفتوح، واستخدمنا ميكروفونات لضمان تواصل فعال بين الجمهور والممثلة. وهو أمر مهم في عرض يعتمد على التفاعل والانفعالات”.

وتابع العطار: “رغم مهارات ناندا المميزة في التكيف والتفاعل، فإن احترام عقلية الجمهور وتقديم موضوعات قريبة من بيئتهم هو ما يصنع التأثير الحقيقي”. وأوضح أن النص المكتوب يلعب دورا كبيرا في تحريك مشاعر الجمهور وإبقائهم في حالة ترقب. كما حدث في أحد المشاهد عندما اختار الجمهور نهاية غير متوقعة لأحد الشخصيات.

“كل حاجة حلوة”.. تأليف وتمثيل وإخراج الجمهور للعرض 

فيما عبرت ناندا محمد عن اختلاف العروض بين المحافظات. مشيرة إلى الجانب الإيجابي في تقديم العرض في مسرح مكشوف، قائلة: “رغم صعوبة التواصل باستخدام الميكروفونات والسيطرة على الجمهور، فإن اختلاف تجربة العرض بجوار مشهد النيل، مع الأشجار ونسيم هواء الربيع، أثر بالتأكيد في تلقي الجمهور للعرض. في كل عرض أكتشف شيئا مختلفا مع الجمهور. أجد منهم من يبذل جهدا للتركيز والبقاء معي في اللحظة المسرحية، ويتجنب سلبيات المسرح المفتوح، وهذا في حد ذاته عنصر أساسي في التواصل المسرحي”.

وتضيف: “العرض مزيج من المشاعر المختلفة، يتحرك صعودا وهبوطا مثل الرولر كوستر. ورغم حساسية موضوع العرض، فإن طبيعة التفاعلية تمنحه بهجة خاصة بسبب حماس الجمهور. وترقبهم لفرصة المشاركة في التمثيل”. واختتمت حديثها: “بالتأكيد أود مشاركة الجميع، لكن لكل شخص حريته. التفاعل في هذا العرض ليس قائما على الإجبار، بل على الاختيار”.

عندما تتحول بطاقة ورقية إلى باب الكتابة

انتهى العرض بعد ساعة واحدة، منذ توزيع البطاقات على الجمهور. احتفظت ببطاقتين: الأولى: رقم 2، وتحمل العبارة: “إنك تتخانق مع صحابك ببلاين المية”. والبطاقة الثانية: رقم 5، وتحمل عبارة: “الحاجات المخططة”.

هذه القائمة التي تكتبها البطلة خلال العرض، ساعدتها على الامتنان للأشياء الصغيرة التي تحبها. وكانت وسيلتها لتجاوز نوبات الاكتئاب، والتعامل مع أثر تجربة والدتها عليها.

اقرأ أيضا:

بدء أعمال ترميم مرسى “الوالدة باشا” بالمنصورة بعد سنوات انتظار

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر
إغلاق

Please disable Ad blocker temporarily

Please disable Ad blocker temporarily. من فضلك اوقف مانع الاعلانات مؤقتا.