“قفط” المدينة النصف عربية.. هنا بدأ أول طريق بري في التاريخ

تقع مدينة قفط في نهاية ثنية قنا من ناحية الجنوب في أقرب نقطة مع ساحل البحر الأحمر عند ميناء القصير، حسب ما أكده الدكتور إبراهيم دسوقي، أستاذ الجغرافيا وعميد آداب قنا السابق.

ويوضح دسوقي، أن موقع مدينة قفط المتميز جغرافيا فرض عليها طبيعة خاصة جدا بين معظم المحلات العمرانية في مصر عموما، لافتا إلى وقوع قفط في ثنية قنا وقربها من البحر الأحمر ومنطقة وادي الحمامات، جعلها منذ عصور ما قبل التاريخ (قبل 3100 ق.م) نقطة تحرك أول طريق بري في العالم وهو المعروف بطريق الحمامات وهو أحد الطرق البرية في العصور القديمة لتعبر منه القوافل إلى قارات إفريقيا وآسيا.

 قفط

يشير أستاذ الجغرافيا، إلى أن أول اسم حصلت عليه قفط كان (جيبتو) والتي تعني طريق القوافل، ملمحا إلى إحدى النظريات التي ترجح أن أصل اسم (ايجيبت) جاء من اسم جيبتو بسبب الشهرة الواسعة التي حققتها (قفط) في العصور القديمة كمركز تجاري ضخم تلتقي فيه ثقافات متنوعة.

عاصمة الإقليم

بحسب ما أورد الدكتور سليم حسن في كتابه ( أقاليم مصرالجغرافية )، أنه في عصر ما قبل التاريخ كانت جيبتو عاصمة الإقليم الخامس في مصر العليا، والذي كان يعرف بمقاطعة الإلهين (نيتروي) نسبة إلى أنه كان يعبد فيه كل من حورس وست، لافتا إلى أن العاصمة تدهورت لفترة بسبب تراجع عبادة الإله ست باعتباره إلها للشر، ولكنها ما لبثت أن استعادت مكانتها التاريخية في عصور الأسرات (3100-2686 ق.م) كعاصمة للإقليم ومركز تجاري هام، ويصبح الإله الأهم فيها هو الإله “مين” إله الخصوبة، ويورد حسن أن قفط عرفت في ذلك الوقت بمدينة الذهب، وذلك لقربها لمناجم الذهب بمنطقة الفواخير.

كوبتوس

يعاود أستاذ الجغرافيا الحديث، قائلا إنه في العصر الإغريقي الروماني (332ق.م- 641 ميلادي) تحول الاسم إلى (كوبتوس) أو (كوفتوس)، وذلك نسبة إلى اشتهار المدينة في ذلك الوقت بصناعة (الكافاتيس) أو القفطان (بضم القاف) – وهو رداء شهير ومعروف لدى غالبية أهالي الصعيد -، موضحا أن القفطان كان شائعا في العصر الإغريقي الروماني وكانت قفط في ذلك الوقت تمثل بلد المنشأ الوحيد لتلك الصناعة.

مدينة نصف عربية

يذكر دسوقي ما أشار به الجغرافي الشهير سترابو (63 ق.م – 20 ميلادي)، وهو أحد أشهر جغرافيي ذلك العصر، حين تحدث عن قفط ليصفها بالمدينة النصف عربية، ويوضح أن قفط في تلك الفترة كانت مركزا تجاريا عالميا يتقابل فيه ممثلي الجاليات والبعثات التجارية القادمة من عبر دروب القوافل البرية والبحرية.

وفي العصور القبطية تحول الاسم إلى (جبت) بكسر الجيم بحسب شاذلي دنقل كبير مفتشي آثار قفط، لافتا إلى أن الاسم أصبح في العصور العربية قفط بكسر القاف، مشيرًا إلى أن قفط احتفظت بمكانتها التاريخية كطريق تجاري بري لقوافل التجارة والذي تطور في العصور الإسلامية ليرتبط بأهم رحلة وهى رحلة الحج لتكون قفط نقطة مرور حجاج شمال إفريقيا وجنوبها عبر ميناء القصير ومنها إلى مكة أو المدينة.

ويلفت دنقل إلى أن من أهم الآثار القديمة بمدينة قفط معبد الإله “مين” والمعروف باسم (معبد قفط) ويرجع تاريخ بنائه إلى عصر الأسرة الرابعة ( 2575-2465ق.م)، وأعاد ترميمه الملك بيبي في الأسرة السادسة (2323-2150ق.م)، لافتا إلى أن الحفريات التي قام بتري بجمعها في عام 1849 وجدت تماثيل للإله “مين” ولوحات حجرية محفور عليها صور لحيوانات الصحراء ومواقع البحر الأحمر، كما وجدت التمثال الثلاثي الضخم من الجرانيت الأسود يمثل رمسيس الثاني جالسا بين حاتحور وإيزيس، وهو حاليا معروض بالمتحف المصري.

ويتابع دنقل: في عام 1910 أجريت حفائر جديدة بالمعبد كشفت عن لوحة تعود لعصر رمسيس الثاني (1290-1224ق.م) وتوثق للقائه أمراء الحيثيين في قفط، كما عثر على لوحة أخرى عليها منظر للملك تحتمس الثالث (1479-1425ق.م) وهو يتسلم الذهب من رئيس شرطة قفط في وجود حاكم المقاطعة.

معبد القلعة

يلفت كبير مفتشي آثار قفط، إلى أن أحد أهم القرى بمدينة قفط قرية القلعة والتي تحتضن خرائب معبد كلاديوس من العصر الروماني ( 30 ق.م – 641 ميلادي) والمعروف بمعبد القلعة، مشيرًا إلى أن المناظر في المعبد تمثل الأباطرة الرومان تابيروس وكلاوديوس وقد كرس هذا المعبد لعبادة الإلهين حورس وإيزيس، ومعبد القلعة يحتوى على سراديب وربما مخازن وهو ما توضحه أغلب مناظر التقديمات المختلفة للملوك والأباطرة الذين شيدوا المعبد.

ويوضح أن الطريق التجاري القديم والذي يربط قفط بالقصير ووادي الحمامات جرى تدعيمه في العصر الروماني بمجموعة من الآبار والاستراحات، ملمحا إلى أن ذلك كان أحد أسباب شهرة الطريق في العصور الإسلامية والحديثة كأحد أهم طرق الحج والذي يسميه أهالي قفط (الطريق الحجازية).

اللقيطة

يذكر كبير مفتشي الآثار، أن اللقيطة هي إحدي الآبار الرومانية المنتشرة بطول الطريق المستخدم لمرور القوافل التجارية القادمة من البحر الأحمر إلي وادي النيل عند قفط ومنها عبر النيل ثم السير عبر دروب الصحراء، وهي تقع علي يمين الطريق وهي قريبة من الإسفلت وتعتبر نفطة الوصل بين برانيس وقفط وكذلك طريق قفط القصير القديم، وعرفت المنطقة بكثرة آبارها وقرب مياهها من السطح.

فيما تقع بئر المتولا على يمين طريق قفط القصير عند الكيلو 19، وهي بوادي يسمي المتولا وهي صغيرة الحجم نسبيا ولا تحتوي علي تفاصيل كثيرة وبها شواهد أثرية، وتعتبر أول المحطات الرومانية قبل مدينة قفط القديمة (كوبتوس)، وقد كانت مستغلة كاستراحة للوافدين التجاريين القادمين من موانئ البحر الأحمر متجهين إلي وادي النيل والعكس؛ وتقع هذه المحطة إلي داخل الوادي بحوالي 5 كيلو مترات وتسمي كذلك وكالة المفارق وهي على الحافة الشمالية لوادي المتولا ووادي القرن، والمباني الخاصة بها من كسرات البازلت والطوب اللبن، ولوقوع المحطة بالوادي غطتها الرمال والأتربة بفعل الرياح وكذلك الأمطار ولا توجد حاليا آبار مياه بالمحطة داخلها أو خارجها.

المويلح

يضيف دنقل أن محطة المويلح، وتقع علي يسار الطريق بين قفط والقصير عند الكيلو 65 بالقرب من وادي أبو كويع، وتحتوي على كتابات قديمة وصور حيوانات ومراكب وخلاف ذلك؛ وكانت تستغل تلك المحطة كاستراحة للقوافل التجارية القادمة من البحر الأحمر وموانيه في اتجاه وادي النيل، ومن وادي النيل إلي البحر الأحمر، حيث كانت هذة القوافل تحتاج أثناء سيرها إلى التزود بالمياه والزاد اللازم لمواصلة السير عبر دروب الصحراء ويوجد بالموقع بئر مياه مردوم حاليا.

قصور البنات

أما عن موقع قصور البنات، فيقع عند الكيلو 50 من طريق قفط القصير وعلي يمين القادم من قفط، وهي عبارة عن بعض المساكن والحجرات، وعلى يسار الطريق توجد هضبة من الحجر الرملي عليها كتابات ثمودية وسبأية كالتي توجد في اليمين وكذلك كتابات لاتينية ويونانية؛ وبداخل تلك المحطة تظهر العديد من الحجرات وهي مبنية من كسرات الأحجار الرملية وهناك استعمال لحجر البازلت ولا توجد آبار محفورة بداخل المحطة؛ وإلي جانب الشمال من المحطة كتلة حجرية طبيعية تقف بجانب الطريق وعليها خطوط وكتابات لعصور مختلفة.

الهوامش

  • كتاب أقاليم مصر الجغرافية (ب يدي اف) – سليم حسن – ص 42 الى 44 – مطبعة لجنة التاليف والطباعة والنشر 1944.

اقرأ أيضا

 

 

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر