قصيدة| صلاة نيرون.. عبده البرماوي

لعيون التائهين ملاذ فيك،

وأنت التيه!

يهتفون حيرةً: أي أخرق أنت؟

تلوح بكفك المخضبة بحبر الكتابة، وتهمس فيهم:

أنا يا رفاق الزنازن هذي الحروف المهدرة؛

أنا التجربة؛

أنا ظلي؛

والموت الرفيق.

(2)

عبارات السجان كلها، ووقعها الرتيب، أنا؛

وأنا حزنكم الثاوي عند المنتهى؛

أنا صمت الطفل وصخبه؛

أنا الحظ ولعبه؛

أنا الحزن .. وصحبه؛

أنا قدره؛

أنا أنتم حين تباركنا غيامات الرحيل..

أنا النار حين يصير كل شيء فينا مستحيل؛

المرآة التي تعكس وهجها

وعود الكبريت المنتظر

وخوف اللهب أن يشتعل

والصرخة

وألمها

والبريق

(3)

يهمسون: حشدنا مجتمع بانتظار المعجزة

عسى أن يعود زغب السحاب لينقش هذي الحروف، أسودَ.

أضحك؛ فكل صوت بات صمما

وعبث لا يكل من همس السؤال:

متى ستشعل فتيل النهاية؟

أيان الحريق؟

(4)

العيون التي قالت لهم سلاما، ومضت

ها هي معلقة على مشانق الضمير

والريح إذ تهزها.. تنشد:

أما من مرافئ يتئد عندها السؤال

لمّ اقتنصته الأقدار

لم يحدث أبدا، يقول:

لا الآن ولا غدا

وعنوان النهاية: صفير

آتخذتم من غيبت جبه ملاذا؟

اصحوا من الغفلة.. هلموا..

يصرخ صمته

ولا أحد يفيق

(5)

الدهشة تلونها ارتعاشات الصدى،

والريح تأمر العابرين بالسجود

همسي أنامل طفل ترسم وجها

يطل باسما أسفل المشانق

ويرسم علامة المنتصر

ويهمس: أنت

وغيرك لا أحد،

أنت مقاصل الجيوتين

وحدها الرقيق

(6)

المهزومون على جانبي الصراط يصطفون

وأم تنادي فرحة:

ها هي روما المحترقة .. ياللروعة!

قد خرجت عن بكرة أبيها ملتاعة

لترمي أسفل قدمي العجل النحاسي أكاليل الخلود،

والضمائر تنشد سعدة إجلالا للهزيمة

والكهنة يصرخ هاتفهم:

نحن سنحيا بالمعجزة

والانكسار الطليق

(7)

الوقوف دفوف

تقرع النداء بالنداء

والدموع في المآقي تصلبت

والسماء منذ ابتدعت الحروف

صماء

ننثرها كماء الورد فوق الركود

ويرد الصدى من كهف سحيق

(8)

لا عليك.. امض

وسنبقى ههنا في مدننا القذرة

نؤمُ صلوات الرحمة

نستمطر قطر الإرجاء

ليوم أضحيته الرجاء

وهم فينا يسألون!

أهمس:

سنمضي يا رفاق فنحوا الرجفة

فيصدي صوتي:

نمضي في التيه لا نفيق

(9)

يجرفنا وحل

ينهب الموج وسراب الأمل

واليأس يأكل أقدامنا

لا تلتفت لافتاته لنا

يهمس الصوت الطفل ثانيةً:

كلنا في هذي اللجة أبناء عار،

فلا تمدوا يدا لغريق

(10)

إن دم المقتول منا وفينا،

واليأس – كما تعلم- دأب قديم ألفناه،

ذبحنا يوم أن ذبحناه،

والقلب

ذلك المنزوع من بين أضلاعنا

كان يهرف بالنشيد:

الأمس غد، والقديم جديد

أي بشرى تحملها يا مليكنا؟

وأي اسم كان قبل المُلك اسمك؟

السأم بيننا مشرع كوجه الشمس

تسكب فينا غواريب الحمى

وتريق

(11)

سواد وجهي كبياض وجهك،

كلانا سحقته النبوءة وآوى للرماد

كانت دموعنا تبزغ والعناد،

والحلم ينسكب في شوارعنا الثائرة

وميادين تشقق أديمها العجوز في انتظاركم تسأل:

أين صرنا،

وغربان عينه تصدح بالنعيق

(12)

ينشدونك أيا قيصر: اقتلنا مرتين!

يناشدونك: كلنا يا رب الضواري

وانهش لحوم صغارنا

وهم يهدرون بالفزع

كنهرك الفاجر

لكن لا تقل: الشتات قدر.. لا تقلها

ولا تقطع الطريق على قوافل تحمل شبقنا

نراها تلوح من بعيد

تزأر

فينحني منا النحيب

وينحر ظله الشقيق

(13)

تنتصب هامتك

فتنكسر هام الشيوخ

تجود، وأسنة الموت بأمرك تسود

ونصل القتل يتنفس صبح الجنون

نفزع، والجبن نطفة

أودعتها التجربة في بطن عقيم

وأحلامنا الصرعى عادت للمهاد

والسجن – سجنك- سجننا

كما هو

عشق السجان.. كره الصديق

اختتام

الضباع تسأل قبل الانقضاض:

أي قتيل أنت على قارعة الطريق؟

اقرأ أيضا

محمد صلاح.. في محبة «الكرة الشراب»

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر