قصر ثقافة سفاجا يواجه خطر الإغلاق.. هل تتدخل «الثقافة» لإنقاذه؟

رغم مكانته كأحد أقدم منارات الوعي والثقافة في مدينة سفاجا، يقف قصر الثقافة اليوم شاهدًا على ما وصل إليه من إهمال، بعد أن كان يومًا ملتقى للمبدعين ومصدر إشعاع فكري لأبناء المدينة. فعلى مدى سنوات طويلة، ظل القصر ينتظر الترميم دون استجابة حقيقية، حتى بات المبنى مهددًا بالإغلاق، وتحول إلى رمز صامت لمعاناة الثقافة في المدن البعيدة عن المركز.
يعد قصر ثقافة سفاجا أحد أقدم الصروح الثقافية على ساحل البحر الأحمر. إذ تم افتتاحه منذ أكثر من ثلاثة عقود، في عام 1988، ولا يزال في حالة من الجمود. ينتظر مشروع إعادة التأهيل الذي تأجل مرارًا، بينما تتآكل تفاصيله بفعل الزمن والإهمال.
خارج الخدمة
يوضح محمد سعيد، شاعر من أبناء مدينة سفاجا، أن قصر الثقافة يقع على مساحة تبلغ نحو 1800 متر مربع، في موقع مميز يتقاطع مع أربعة شوارع رئيسية في قلب المدينة. وقد شُيّد المبنى على طابق واحد يضم مسرحًا، قاعة اجتماعات، قاعة ندوات، مكتبة عامة، مكتبة للطفل، مكاتب إدارية، وصالتين كبيرتين. إلى جانب حديقة خارجية تُعد متنفسًا لرواده.
ويضيف أن معظم هذه المكونات باتت اليوم خارج الخدمة. فالمسرح مغلق منذ سنوات بعد أن تهالك خشبه، ولا توجد كراسٍ أو تجهيزات كافية لاستقبال أي فعاليات. بل إن القصر يفتقر حتى إلى الأثاث اللازم لاستقبال الضيوف أو إقامة الأنشطة الثقافية.
يحتاج إلى إعادة تأهيل
يقول شاذلي علام، مسؤول النشاط الثقافي بقصر ثقافة سفاجا: “القصر يحتاج إلى إعادة تأهيل شاملة للمبنى والمسرح والمرافق الداخلية”. مشيرًا إلى أنه تم التنسيق أكثر من مرة مع الإدارة الهندسية بوزارة الثقافة لرفع المقاسات وإعداد المقايسات اللازمة للترميم. “لكن التنفيذ يتأجل في كل مرة بحجة ترشيد الإنفاق الحكومي”، على حد قوله.
وأضاف علام أنه تم التواصل مع عدد من النواب في البرلمان لبحث دعم المشروع، إلا أن الجهود لم تسفر حتى الآن عن نتائج ملموسة. مؤكدًا أن القصر يعد من المنشآت الثقافية المهمة التي تفتقر إليها مدن الجنوب. وأن استمرار إغلاقه يحرم أبناء سفاجا من منبر ثقافي له تاريخ طويل في دعم الحركة الثقافية والفنية بالمدينة.
خطة تطوير مؤجلة
في تصريحات سابقة، أوضح المهندس محمد ياسر، المسؤول عن مشروع الإحلال وتجديد قصور الثقافة بالبحر الأحمر، أن خطة التطوير التي طُرحت عام 2022 تتضمن إعادة بناء المسرح، وإنشاء منفذ لبيع الكتب، وقاعات تدريب ومراسم وغرف استراحة وإدارة. إضافة إلى مكتبات للأطفال والكبار، ومركز معلومات ومنطقة خدمات.
وأشار ياسر إلى أن الهدف من المشروع هو إعادة إحياء الدور الثقافي والاجتماعي للقصر. بما يتماشى مع رؤية الدولة في دعم الوعي ونشر الثقافة في محافظات الصعيد وساحل البحر الأحمر.
ورغم وضوح الرؤية الهندسية للمشروع، ما زال قصر ثقافة سفاجا ينتظر لحظة التنفيذ التي تعيد إليه نبضه الأول. ليعود منارة للإبداع ومركزًا لتلاقي الفكر والفن على أرض الجنوب. ففي كل جدار من جدرانه حكاية، وفي كل قاعة ذكرى لأمسيات ثقافية وانطلاق مواهب شابة كانت هنا.
لم يعد صالحًا للاستخدام
يقول عبيد طربوش، شاعر وعضو نادي الأدب وعضو الأمانة العامة لأدباء مصر: “المبنى لم يعد صالحًا للاستخدام، ويحتاج إلى هدم وبناء من جديد”، موضحًا أن القاعات والمسرح فقدت ملامحها. وأن الموظفين – الذين لا يتجاوز عددهم عشرة أفراد – يضطرون إلى استئجار فراشة خارجية كلما أرادوا تنظيم فعالية بسيطة. في ظل غياب أي تجهيزات أساسية.
ويضيف أن الكراسي البلاستيكية التي تستخدم في الأنشطة الحالية “تجاوز عمرها العشرين عامًا”. مشيرًا إلى أن المبنى أُنشئ في الأساس عن طريق مجلس مدينة سفاجا. ولا يزال تحت إدارة محلية محدودة الموارد، رغم الزيارات المتكررة من رؤساء هيئة قصور الثقافة الذين يكتفون بالوعود دون تنفيذ فعلي.
القصر أصبح ركامًا
يؤكد طربوش أن القصر أصبح ركامًا فعليًا، والمسرح مغلق منذ سنوات طويلة، والأثاث لا يصلح لاستقبال أي ضيف. مطالبًا بسرعة التدخل قبل أن ينهار المبنى الذي يمثل الوجه الثقافي الوحيد للمدينة.
ويتابع بمرارة: “حتى الجدران تشققت، والسقف آيل للسقوط، والحديقة الخارجية مهملة تمامًا. أما سلالم المدخل فقد امتلأت بالشقوق والفتحات، ولم تعد آمنة على الأطفال. ولهذا لا نستقبل الأطفال الصغار داخل القصر. وعندما نضطر إلى تدريبهم على عرضٍ مسرحي، نخرج بهم إلى خارج المبنى خوفًا على سلامتهم”.
ويؤكدا أن طريق الدعم المالي أو التبرعات المباشرة ممنوع تماما إلا عبر وزارة الثقافة. وهو ما يعقّد فرص ترميم المبنى أو إعادة تجهيزه. خاصة في ظل القيود المفروضة على التمويل المحلي منذ عهد فاروق حسني عندما كان وزيرًا للثقافة.
أطفال سفاجا لا يعرفون شيئًا عن القصر
يحكي العاملون أن أطفال سفاجا لا يعرفون شيئًا عن قصر الثقافة الذي يحمل اسم مدينتهم، فالأمسيات الشعرية تقام على مسرح مركز الشباب، والندوات تعقد داخل نقابة المعلمين. بينما يظل القصر مغلق الأبواب، إلا من اجتهادات فردية تحاول إبقاء الذاكرة حيّة.
وتتوالى الشهادات التي تصف المشهد الثقافي في سفاجا بأنه “محزن”. إذ تغيب الأنشطة المنتظمة والدورات التدريبية والعروض المسرحية التي كانت تملأ المكان في الماضي. تحولت القاعات إلى صمت مطبق، والمقاعد شاهدة على زمن كانت فيه الثقافة تصدح بين جدران القصر. قبل أن يخفت صوتها شيئًا فشيئًا.
شباب سفاجا: قصر الثقافة بالنسبة لنا مجرد مبنى مهجور
يقول محسن مصطفى، 21 عامًا، إنه لم يزر قصر ثقافة سفاجا سوى مرة واحدة فقط عندما كان في الرابعة من عمره. ومنذ ذلك الحين لم تطأ قدماه المكان مرة أخرى.
ويضيف: “لا أعرف شيئًا عن القصر، حتى الأطفال في عائلتي لم يسمعوا عنه من قبل. ولا نرى له أي نشاط أو فعالية تلفت الانتباه”. وأشار إلى أن السبب في عزوف الشباب عن القصر يعود إلى غياب الفعاليات الكبرى أو المنتظمة بداخله. إذ تقام بعض الأمسيات الشعرية أو الندوات على استحياء. نتيجة تهالك المبنى وافتقاده لعوامل الجذب.
هل يلقى قصر سفاجا مصير قصر ثقافة القصير؟
سود القلق بين العاملين في قصر ثقافة سفاجا خشية أن يلقى المبنى مصير قصر ثقافة القصير، الذي أغلق سابقًا بسبب تهالكه. ويخشى الموظفون من صدور قرار مماثل بإغلاق قصر سفاجا، رغم أن موقعه يعد الأنسب لأبناء المدينة. إذ يقع في قلبها. ويتميز بمساحته الواسعة واحتوائه على مسرح مجهز وغرف مخصصة للممثلين والأنشطة الفنية.
ويرى العاملون أن أي بديل مؤقت لن يكون ملائمًا من حيث الكثافة السكانية أو سهولة الوصول. مؤكدين أن القصر الحالي – رغم ما يعانيه من تشققات وإهمال – يظل المكان الطبيعي لاحتضان الحركة الثقافية والفنية في سفاجا.
اقرأ أيضا:
المستشفى الإيطالي بالقصير.. من صرح علاجي إلى منارة للتعليم والتراث
«قصر الحكومة العثماني» بالقصير.. من مركز للسلطة إلى أطلال منسية