قبل هدم المنزل|«الوداع الأخير»: عرض مقتنيات عائلة «الصوفي زاده» بالإمام الشافعي

مؤخرًا أقام الخطاط محمد الشافعي معرضًا بعنوان «الوداع الأخير» والذي ضم مجموعة كبيرة من المقتنيات التاريخية التي تعود لعائلته. أقيم المعرض داخل بيت عائلة الصوفي زاده بمنطقة الإمام الشافعي وذلك قبل أيام قليلة من هدم المنزل الذي يعود تاريخ إنشائه للقرن الـ19. ليكون المعرض بذلك هو نظرة الوداع الأخيرة على المنزل الذي صدر لهُ مؤخرًا قرار إزالة ليلحق بجبانات منطقة الإمام التي هدمت معظمها خلال الفترة الأخيرة.
ينتمي محمد الشافعي لعائلة الصوفي زاده وهي عائلة تنحدر لجذور عثمانية حيث عاشت في مصر إبان فترة حكم العثمانيين، وعرف عنها اهتمامها بالفنون الإسلامية وبخاصة فنون الخط العربي. ارتحل جده الشيخ خالد الصوفي زاده إلى مصر في أواخر القرن الـ 19 وتزوج سيدة مصرية تنتمي لمنطقة الإمام الشافعي وتدعى نفيسة بنت الشيخ عبد العزيز سليم. وقد اشتركت العائلتان في حبهما للفنون الإسلامية. في بداية الأمر سكن الشيخ خالد الصوفي زاده منطقة درب اللبانة لظروف عمله كإمام وخطيب جامع محمد عليّ باشا بالقلعة. لكن عندما تزوج سنة 1895 قرر الاستقرار والعيش داخل منطقة الإمام الشافعي. وهناك أنجب ابنه الوحيد أحمد بن خالد. (يقع المنزل بجوار الإمام الشافعي مباشرة)
مقاومة التغيرات
ينتمي محمد الشافعي للجيل الخامس من العائلة. وهو الجيل الذي نشأ خارج المنزل التاريخي. لكنهم حرصوا بشكل دوري على التردد على المنزل بشكل أسبوعي احتفاءً بذكرى العائلة. ارتباط العائلة بمنطقة الإمام والتعلق بها كان دائمًا ارتباطًا عضويًا حيث أطلق جده على ابنه اسم «الشافعي» تيمنًا وحبًا للإمام.
استطاعت عائلة الصوفي زادة طوال قرنين من المحافظة على التنوع والاستمرارية حيث واكبوا دائمًا كافة المتغيرات وعملوا على توظيف فنون الخط العربي وفقًا لمتطلبات العصر. وهو ما ساعدهم على الاستمرارية طوال هذه القرون. يقول «الشافعي»: عملوا في البداية على كتابة المخطوطات ومتون الكتب، ثم بعد ذلك توجهوا إلى الكتابة على أغلفة الكتب، والنقوش الكتابية، ثم اللوحات الفنية والتشكيلية وكافة الخطوط المرتبطة بالخط العربي. فقد علموا على رسم كتابات المئات من المقابر والجوامع. منها مثلًا بعض الكتابات الموجودة داخل مسجد الحسين، والليث بن سعد، ومحمد الكحلاوي، والفلكي (تم هدمه مؤخرًا)، وكذلك النص التجديدي لجامع السيدة عائشة عندما تم افتتاحه في فترة السادات.
مشاهير السياسة والفن
يكمل «الشافعي»: عمي حسن خالد عمل كخطاط في دار الكتب من سنة 1943 وحتى سنة 1983. وقد تميز بالكتابة على شواهد القبور خاصة تلك التي تعود لمشاهير العهد الملكي مثل: محمد محمود باشا، وإسماعيل صدقي باشا، وأحمد حشمت باشا، وأحمد تيمور باشا. وغيرهم. كما كتب على شاهد قبر الملك أحمد فاروق الأول، وكذلك النصب التذكاري الخاص بالرئيس جمال عبد الناصر. أما الفنانين فقد كتب للفنان فريد الأطرش، وعبد الحليم، وعبد الوهاب، وأسمهان، وأم كلثوم، وطه حسين. أما أخوه «رسمي» فقد كان هو الخطاط الرئيسي لوزارة الداخلية، حيث تم توكيله لكتابة البيانات الشخصية الخاصة بمشاهير الدولة المصرية على بطاقات الرقم القومي عندما كانت تكتب باليد. بداية من الخمسينيات وصولًا إلى الثمانينيات، ومنها البطاقة الشخصية للرؤساء عبد الناصر، والسادات، ومبارك. وكذلك المشاهير من رجال الفن، والأدب، والسياسة.
استمرارية توثيق تراث العائلة
يعتبر محمد الشافعي أن المعرض هو جزء من استمراره في توثيق تراث العائلة حيث بدأ عملية جمع تراث العائلة منذ قرابة الـ13 عامًا. لكنه لم يستطع حتى الآن جمع هذا التراث بأكمله نظرًا لتفرقه بين أفراد العائلة. «لديّ شغف بجمع مقتنيات العائلة؛ لذلك قررت تنفيذ المعرض ليكون بمثابة نظرة الوداع الأخيرة على منزلنا التاريخي. كما حرصت على إبراز مقتنيات الأسرة بالشكل الذي تستحقه. عائلتي هي جزء من تاريخ الفن لهذا البلد؛ لذلك ما أعرضه من مقتنيات للعائلة بمثابة تتبع لتاريخ فن الخط العربي طيلة قرنين من الزمان، فأغلب هذه المقتنيات كتبت داخل المنزل. وأغلبها دوّن عليها اسم المنزل التاريخي وعنوانه. وهذه الأعمال ارتبطت بالمنزل؛ لهذا أردت توديع المنزل بشكل لائق يستحقه، إذ تأثر أجدادي به كثيرًا وهذا ما ظهر جليًا على بعض من أعمالهم، حيث كتبوا الشعر مدحًا واعتزازًا بذكرى الإمام الشافعي».
فشل المحاولات
ويكمل: فشلت كافة محاولتنا لإيقاف الهدم، فقد صدر قرار الإزالة لكافة البيوت والمنازل المحيطة بمنطقة الإمام. والمطلوب هو إخلاء البيت حالًا. لذلك أقمنا المعرض لمدة يومين فقط. أما عن التعويضات فهي رمزية للغاية.
مؤخرًا يعمل محمد الشافعي على تدريس الخط العربي، وإقامة الورش المتعلقة بفنون الخط، كما صمم أيضًا العديد من الكتابات مثل تنفيذ اللوجو الخاص ببيت الرزاز. كما حصل أيضًا على عدة جوائز للخط العربي منها الجائزة الأولى لملتقي القاهرة لفنون الخط العربي. ويسعى أيضًا إيجاد مكان دائم لحفظ مقتنيات العائلة، فشاغله الأكبر هو توثيق تراث العائلة. «أشعر الآن أنني أسابق الزمن. كثير من أعمال العائلة موزعة على المقابر التي يتم هدمها الآن؛ لذلك أعمل على توثيق منطقة الإمام الشافعي، بهدف حفظ ذكرياتهم وعرضها بشكل دائم عبر تخصيص متحف للعائلة، فقد هدمت بعض من مقابر العائلة حيث ونقلت الرُفات لمنطقة 15 مايو».