في «يوم الحداد الوطني في المكسيك»: خيري بشارة شابا ومولد نجمة نادرة

يحتاج السيناريست الجيد والممثل الجيد إلى فرصة مع مخرج جيد يستطيع أن يبث الحياة في أفكار وكلمات، وأن يتيح للممثل أن يتحول إلى شخص آخر…لكن المخرج الجيد يحتاج أيضا إلى فرصة.. إلى سيناريو وممثلين وفريق عمل متناغم، وقبل ذلك كله يحتاج إلى فكرة تطلق لديه زر الابتكار والابداع. قد يبدو الأمر سهلا، فالأفكار ملقاة على الطريق، ليس لها صاحب، الكل يسطو ويقتبس من هنا وهناك، ويكاد المرء يقتنع بأنه لم يعد هناك جديد تحت الشمس أو تحت سقف الفن. مع ذلك فالفكرة اللامعة، التي تأتي في وقتها، حتى لو لم تكن جديدة، يمكن تمييزها على الفور.

أعتقد أن هذا ما حدث مع الفيلم القصير “يوم الحداد الوطني في المكسيك” الذي أبدعه المخرج خيري بشارة، ضمن “أنثولوجي” (أو أنطولوجيا: مختارات أو مقتطفات أو مجموعة منتقاة) يتكون من ثمانية أفلام قصيرة لصناع أفلام عرب حول قصص مختلفة يجمعها عنوان ” في الحب.. والحياة”، وبالانجليزية “الحب والحياة وكل شئ بينهما”، يفترض أن تدور كلها خلال يوم عيد الحب، أو “الفالانتين”.

قد تبدو الفكرة ساذجة، وهي كذلك بالفعل، ولكن الأفكار الساذجة أحيانا يمكن أن تكتسي بطزاجة وعمق، وهو ما حدث بالفعل في بعض الأفلام الثمانية، ومنها “يوم الحداد الوطني في المكسيك” الذي كتبته نورا الشيخ وأخرجه بشارة.

فكرة الفيلم خيالية، حول بلد ( قد يكون المكسيك!) يقرر أن يمنع الحب، والاحتفال بعيد الحب، واللون الأحمر رمز الحب، ولكن عندما يصيب الحب قلب مذيع مشهور بأنه صوت السلطة التي تمنع الحب، ويتم اعتقال حبيبته التي لا تخشى الاعلان عن حبها، يقوم بالتمرد ويعلن الثورة على هيئة منع الحب.

**

يملك خيري بشارة قلب طفل لا يشيب، وأجمل أعماله هي التي يتعامل فيها مع الحياة كلعبة، يمتزج فيها الواقع بالخيال، وتدور حول قلوب شجاعة بريئة، ولعل هذه الفكرة البسيطة الخيالية هي التي أطلقت لديه شحنة اللعب والابداع، ليصنع لنا فيلما مبهجا مثيرا للمشاعر والتفكير.

بسبب فكرته “الخيالية” تحرر بشارة من قيود الالتزام بالواقع، وجعل أحداث وشخصيات الفيلم يسبحون في فضاء هو مزيج من الواقع والأفلام والأحلام، أشبه بلوحة “سريالية” أو عبثية، تكشف سيريالية وعبثية الواقع أكثر من الأعمال الواقعية.

لقطة من فيلم يوم الحداد الوطني في المكسيك
لقطة من فيلم يوم الحداد الوطني في المكسيك

تلعب الممثلة والمغنية ومؤلفة الموسيقى الشابة ندى الشاذلي شخصية ليلى، الفتاة التي تعلن حبها فيتم اعتقالها. ندى الشاذلي لعبت من قبل بطولة فيلم “عنها” للمخرج إسلام العزازي، الذي عرض في مسابقة مهرجان القاهرة الدولي منذ عامين، وهي ذات جمال وحضور طاغيين، والأكثر من ذلك لديها ثقة في الأداء وارتياح نادر في التعامل مع الكاميرا، من الواضح أنها اكتسبته من حفلات الغناء والموسيقى الحية. والفيلم يختتم بأغنية رقيقة من تأليف مدحت العدل، تعيد إلى الأذهان أغنياته الجميلة في أفلام خيري بشارة، بتلحين وتوزيع عصريين من ندى الشاذلي، وتحتوي على “اقتباس” موفق من رائعة سعد عبد الوهاب “الدنيا ريشة في هوا”، يغنيها كل من ندى الشاذلي وآسر ياسين، فوق دراجة بخارية في شوارع مفتوحة حرة، باخراج شديد التميز من خيري بشارة.

**

يلعب آسر ياسين شخصية المذيع حسن مفتاح بكفاءة وجاذبية معتادين، بالرغم من الاحساس الذي ينتاب المرء في بعض المشاهد بأن آسر لديه أفضل من ذلك، وأنه في أعماله الأخيرة بات يفتقد لبعض اللياقة التمثيلية والحضور الذهني اللذين كان يتميز بهما.

يشارك في الفيلم أيضا في أدوار جيدة كل من بسمة في دور صاحبة بيت سري يجمع المحبين المتمردين، ومحمد لطفي في دور شرطي يقود هيئة منع الحب، بأداءه الكوميدي المميز، ومن الممثلين الشباب هديل حسن وعلي صبحي، في أدوار قصيرة، لكن مكتوبة جيدا.

يثبت فيلم “يوم الحداد الوطني في المكسيك” أن خيري بشارة لم يزل شابا مبدعا، كما كان منذ ثلاثين وأربعين عاما، كما يثبت أن الفيلم لا يقاس بزمن عرضه أو بشكله، وأن المنصات قد تكون فضاءا جديدا للمبدعين الذين ضاقت بأعمالهم صناعة السينما التقليدية والمكبلة بالقيود.

اقرا أيضا:

ملاحظات «فنية».. حول الحرب في أوكرانيا

 

 

 

 

 

 

مشاركة
المقالات والآراء المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة، بل تعبر عن رأي أصحابها
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر