في نسخته السابعة.. أبرز دراسات ملتقى القاهرة للتراث غير المادي

على مدار يومين، استقبل المجلس الأعلى للثقافة فعاليات ملتقى القاهرة الدولي للتراث الثقافي غير المادي في دورته السابعة «دورة الدكتور أحمد مرسي»، وذلك بمشاركة أكثر من 80 باحثًا من مختلف الأنحاء. تنوعت الأبحاث بين تأثيرات السيرة الهلالية وألعاب الأطفال الشعبية فضلا عن أساطير طقوس الخصوبة وغيرها.

السيرة الوحيدة

«التأثيرات الهلالية على المجتمعين المصري والتونسي» كانت من أبرز الدراسات التي جاءت خلال الملتقى للباحث أحمد سعد الدين، إذ ناقش فيها أهمية السيرة الهلالية نظرًا لكونها السيرة الوحيدة المتبقية حتى الآن، والتي لا تزال أشعارها تروى من قبل الشعراء والرواة، نظرًا لما تحويه من بطولات متنوعة ومغامرات. خلفت لنا مادة خصبة للتفنن في رصد هذه القصة. وقد تطرق الباحث لفكرة التأثيرات الهلالية على المجتمعين المصري والتونسي خاصة في منطقة الجنوب منهما.

ومن ضمن هذه التأثيرات التي ذكرتها الدراسة كانت القيم المشتركة والعادات لكلا المنطقتين. ومنها الكرم، والدفاع عن العرض والشرف والرفق بالنساء، ومنها ما هو غير مرغوب فيه مثل الافتخار بالأحساب والأنساب. فعندما تنجب المرأة بنتا تقع المخايرة في منزلة هذه البنت لأن الأفضل عندهم أن تكون في مقام الجارية. وأن تكون في المرتبة العليا من الجمال، وطول الشعر والحكمة والتدبير. وهو الأمر الذي يؤكد أن السيرة الهلالية موجودة في اللاوعي أي مخزنة حول كل ما هو جميل وجليل.

تأثيرات السيرة الهلالية

وتحدث الباحث أيضًا في دراسته عن اللغة، والتي تعد من أكثر التأثيرات داخل الجنوب المصري والتونسي. إذ تبدو أقرب إلى اللغة العربية. كذلك أشار لوجود تأثيرات هلالية على المأكل والملبس منها ما يسمى بـ”خُبزة الملة والرفيسة والقنص”. فالوشم داخل الجنوب المصري والتونسي شيء أساسي فهو يرمز للجمال في كلا المنطقتين.

أما بالنسبة للعادات والتقاليد، فقد توارث الهلاليين حب الصحراء بشكل كبير، وكذلك ركوب الخيل، والألعاب الشعبية مثل لعبة «السيجة» المعروفة بهذا الاسم داخل مصر. وهي تتشابه مع لعبة «الخريقة» المنتشرة جنوب تونس في تونس.

وعن حب الهلاليين للشعر أوضح الباحث أن الهلالية ليست مجرد حلقات للتسلية. وإنما هي تعويض نفسي يجسد من خلاله الرواة القيم الاجتماعية الغائبة. إذ يتمسك الجمهور بالسيرة؛ لأنها استطاعت التعبير عن انتماءاتهم القبلية التي فسرت سبب بقاء الهلالية حتى الآن.

جانب من المناقشات
جانب من المناقشات
فقر الدراسات حول سيرة الأميرة ذات الهمة

وفي دراسة أخرى بعنوان «سيرة الأميرة ذات الهمة.. بين التدوين والحكي الشعبي» للباحث محمد شحاتة العمدة، تحدث فيها أن سيرة الأميرة ذات الهمة، هي من أكبر وأطول السير الشعبية العربية والإسلامية. وذلك أن حجم مخطوطاتها المحفوظة بمكتبة المتحف البريطاني ومكتبة الدولة ببرلين بألمانيا الغربية يصل إلى 23 ألف صفحة. إذ تغطي أحداثها لحروب قارية متصلة الأربعة قرون بين العرب المسلمين من جانب وتحالف بلاد الروم من الجانب المقابل، كما تغطي أحداثها حقبة مطلع الإسلام وانتشاره.

وقال الباحث: «على الرغم من أن السيرة قد أخذت نصيبها من التدوين مبكرًا. إلا أنه لم يكتب لها الانتشار كباقي السير الشعبية ومنها السيرة الهلالية، والسبب من وجهة نظري هو إقبال رواة السير الشعبية على حكي الهلالية بشكل كبير وخاصة في مصر. كما أن سيرة الأميرة ذات الهمة قد واجهت مشكلة أخرى إضافة لعدم انتشارها، وهى إحجام الباحثين عن تناول تلك السيرة في أبحاثهم وكتاباتهم ورسائلهم العلمية”.

وأضاف: توقفت جهود الباحثين حول ذات الهمة عند الراحلة الدكتورة نبيلة إبراهيم، التي حصلت على الدكتوراه من ألمانيا عام 1966 حول سيرة الأميرة ذات الهمة. كما صدر كتاب لشوقي عبدالحكيم بعنوان: سيرة الأميرة ذات الهمة وهو مختصر لها في حوالي 150 صفحة. وهذا الأمر يفتح العديد من الإشكاليات ومنها: أثر التدوين في الحفاظ على السير الشعبية وانتشارها، وأيضًا أثر الحكي الشعبي في انتشار واستمرارية السير الشعبية.

ألعاب الأطفال الشعبية.. تأثير مستمر

«ألعاب الأطفال الشعبية: تراث مستمر» كان عنوان دراسة أخرى للباحث أحمد منصور، التي تطرق فيها إلى ازدهار الثقافة المصرية عبر العصور، بمظاهر الترفيه والتسلية بشكل دائم. حيث أشار إلى حرص المصري القديم على قضاء وقت فراغه في الترفيه.

كما اهتم  المصري القديم بتصوير مظاهر الألعاب والترفيه على جدران المقابر. إذ اعتبرها جزءًا رئيسًيا من حياته اليومية؛ وبالتالي مثلّت ركنا أساسيًا بالنسبة للمناظر الجدارية للمقابر المصرية القديمة، آملًا أن ينظر إليها بعد مماته. فقد قدمت لنا مناظر الحياة اليومية على جدران مقابر مصر القديمة بانوراما متنوعة من ألعاب الأطفال التي كانت تمارس داخل المجتمع المصري القديم. والشيء المثير للانتباه أن الكثير من هذه الألعاب تتوارثه الأجيال المختلفة عبر العصور. حيث مازالت هذه الألعاب إلى وقتنا الحاضر مع اختلاف أشكالها وألوانها فمنها ما يعتمد على القوة الجسمانية، ومنها ما يعتمد على المهارة الفردية ومنها الألعاب الجماعية والألعاب الفردية.

أساطير طقوس الخصوبة

من داخل قرى محافظة سوهاج، أجرى الباحث أشرف أيوب معوض دراسته بعنوان «الأساطير وطقوس الخصوبة»، في محاولة لفهم أولئك الباحثات عن الخصوبة داخل المجتمعات الأخرى التي تلجأ للأساطير الشعبية بحثًا عن الحمل والإنجاب. فهم يفتشن عن أوزوريس وعن تموز (في عالم الموت). كما فعلت تمامًا إيزيس وعشتار «إيزيس أعادت الحياة إلى أوزوريس وجعلته قادرًا على أن يبعث فيها الخصوبة وتحمل وتلد له وريثه. وكذلك عشتار أثناء غياب تموز وبحثها عنه في العالم السفلي. حيث يسود الجفاف بل يكون العقم وعندما تجده، تعود معه إلى عالم الحياة وتعود الخصوبة للكائنات بل لكل الأرض».

وفي تعقيبه على الأمر يفسر لنا الباحث سبب لجوء السيدات الباحثات عن الخصوبة والإنجاب في ريفنا المصري في العصر الحالي إلى مفردات الموت.

عالم الأموات

يقول معوض إنهن يبحثن عن أوزوريس وتموز آلهة الخصوبة، فيبحثن عن الخصوبة في عالم الأموات وهذه الصورة مشابهة تماما لما يحدث الآن في طقوس الخصوبة، بل تكاد تكون الصورة نفسها. فهن يذهبن إلى القبور، ويخطين الميت أي فوق جثة الميت وإذا لم يفلحن في ذلك فهن يخطين الخشبة التي يحملون عليها الميت. ويستخدمن أشياء الميت مثل الليفة والصابونة اللتين استخدمتا في تغسيل الميت ويخطين عليها. أو تذهب النساء إلى الجبانة وتخطو فوق قبر بحيث يكون بين ساقيها وتغطيه كله بثوبها الطويل.

وهكذا تفعل كما فعلت إيزيس. فقد حلقت فوق زوجها المتوفى أو هي نامت فوقه كي تعيد له الحياة مرة أخرى. فيبعث فيها الخصوبة من جديد ويجعلها قادرة على الحمل والإنجاب. هكذا يبحثن عن أوزيريس المتوفى الميت “الموت”، كي يبعث فيهن الخصوبة. وما يؤكد ذلك فهن ما زلن يخطين المومياوات ويدرن حولها أو يحتضن آلهة الخصوبة. فتذهب إلى تمثال حيث تخلع ملابسها وتسترها مرافقاتها بالملاءة. وتصعد عارية لتركب التمثال الضخم الملقى على ظهره مدلية ساقيها على جانبيه. ثم تقوم بسكب الماء من الإبريق فوق رأسها وتلقي به بعد أن يفرغ من خلف ظهرها. ثم تنزل من على التمثال فترتدي ثيابها وتغادر المكان. وما هذه الممارسات المتعلقة بالخصوبة إلا بقايا أساطير كانت ديانات في وقت سابق. وقد عاشت قرونا بين الناس؛ لذلك فالعادة تبنى على معتقد قديم وقد ينسى المعتقد وتبقى العادة في نهاية الأمر.

 مسار العائلة المقدسة

وفي بحث آخر بعنوان «طقسية الاحتفالات والممارسات الشعبية.. مسار رحلة العائلة المقدسة نموذجًا» للباحثة جاكلين بشرى. تستهدف دراسة الاحتفالات الخاصة بمسار رحلة العائلة المقدسة كنموذج من الاحتفالات المصرية، والمظاهر الشعبية والعادات والتقاليد والممارسات، المرتبطة بكل منطقة مرّت بها العائلة المقدسة في مصر. حيث تمثل دلالات طقسية لا تخلو من الرموز المتداخلة ثقافيًا وتاريخيًا وجماليًا.

وأضافت الباحثة أيضًا أن دراسة الاحتفالات والممارسات الشعبية بوصفها «إحدى وسائل التعبير الجمعي. فضلًا عن فهم العناصر الثقافية التي تشكلت في وعي الجماعة الشعبية التي كانت سببًا في تشكيل عاداتهم ومعتقداتهم وممارساتهم. بما يتسق مع تاريخهم وثقافتهم الشعبية. مما أسهم في تلبية احتياجاتهم الطقسية المرتبطة بعقيدتهم الدينية، والتي تحمل بين جوانبها عددًا من عناصر التراث والمأثور الشعبي الثري. الذي يتسع ويتجلى في الأدب الشعبي وفي العادات والمعتقدات والتقاليد. وهو ما يتأصل تاريخيًا وحضاريًا مع المنظومة الثقافية لدى الإنسان المصري منذ نشأته. حيث اهتم المصري القديم بتواريخ محددة خلال العام. بدأت في أول الأمر بشكل ديني ثم ما لبثت أن تحولت إلى احتفالات شعبية. وتحمل الشخصية المصرية بشكل عام والقبطية بوجه خاص من طبيعة وصفات قدماء المصريين الذين نشأوا على الاعتقاد في القوى العلوية وتقديسها، احتراما لها أو خوفًا منها».

وجاء في الدراسة أيضًا أنه للأعياد الشعبية سمات أساسية اجتماعية لكل من المسلمين والمسيحيين. حيث إن عددًا من عناصر المعتقدات المصرية تمثل إرثًا مشتركًا على اختلاف دياناته، وذلك يرجع إلى وحدة الجذور القديمة. فقد برهنت جاكلين أن هذه الظاهرة إن دلت على شيء فإنها تشير إلى مصادر تستمد جذورها من عناصر ثقافية تبدو أنها أقدم من الأديان السماوية.

اقرأ أيضا

د. أمير خليل: هكذا يكون تطوير حديقة الحيوان

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر