في ذكري ميلاد" الأبنودي" … "قدم داخل الدار مستعدة للعيش مائة عام"

” لأول مره في ولاداتها العديدة تخطئ “فاطنة فنديل ” في حساب مدة الحمل ، ربما لأنها كانت بعيدة عن أمها الحفيصة الخبيرة ” ست أبوها” لذلك فقد فاجئتهما برغبتي الملحة في الخروج إلي الضوء ووضعتهما في مأزق من الصعب شرحه في بلد غريب لن تكشف عن جسدها أمام عيون نسائه الغريبات حتي لو ماتت في المخاض ، وكان يعتقد أنه  من العار أن تلدني أمي في بلد غريبة عن قريتي ، لذا تهيئا معاً للرحيل العاجل من نقاده إلي أبنود ، اذ لابد أن أولد في نفس المكان الذي ولد فيه جميع أخوتي ، في بيت قنديل وست أبوها “قلب أبنود” ”
ويصف الطريق من نقادة إلى أبنود حيث مكان ولادته فيقول : “كان بالغ التعقيد رغم بساطته” هكذا يصف الأبنودي طريق نقاده في كتابته ، إذ كان علينا أولا أن نتجه إلي النهر علي شاطئ قرية نقادة لننتظر ” الرفاص” الذي سوف يقلنا إلي مدينة قوص ، مشيراً الي أن الرفاص مركب بدائي يسير بالفحم وله مروحة من الخلف “ترفس ” الماء وراءها مستعينة بتكنولوجيا بدائية تعبر من شاطئ إلي شاطئ .
وبعد حديثه عن الرحلة الشاقة من نقاده الي أبنود ، يقول ” ما أن خطت فاطنة قنديل، لتعبر عتبة البيت حتي انزلقت منها وهي قدم خارج وقدم داخل ، فزغردت النسوة وهلل الرجال وانصرفوا متعجبين . هكذا جئت إلي الدنيا قدم داخل الدار مستعدة للعيش مائة عام”
كتب “الخال” عبد الرحمن الأبنودي، تلك الكلمات في بداية كتابه “أيامي الحلوه” ، واليوم تحل الذكري الـ 79 لميلاد الشاعرالكبير.
الأبنودي أو شاعر السيرة ، ولد عام 1938 في قرية أبنود بمحافظة قنا  بصعيد مصر، لأب كان يعمل مأذوناً شرعياً وهو الشيخ محمود الأبنودي، انتقل إلى مدينة قنا وتحديداً في شارع “بني على”  حيث استمع إلى أغاني السيرة الهلالية التي تأثر بها، نظم الشعر بسبب  قربه الشديد من أمه التى وصفها بأنها ملهمته ومعلمته التى أرضعته الأغانى التراثية وشعر المناسبات الاجتماعية والتحق بالعمل في وظيفة حكومية، لكنه تركها واتجه إلى القاهرة عام 1956، والتقى برفيق عمره وابن مدينته الشاعر أمل دنقل.
البداية
بدأت شهرته بعد أن نشر له الشاعر صلاح جاهين،  قصيدة في مجلة صباح الخير، بعدها بدأ كبار المطربين والملحنين يتوافدون إليه كي يكتب لهم وحققت أغنياته نجاحاً كبيراً،  وغنى له عبد الحليم حافظ قرابة الثلاثون أغنية، و شكلاً معا ثنائياً فنياً فريدا أمتع الجمهور بكل ما أبدعاه مثل   ” يا بلدنا لا تنامي ، عدى النهار، المسيح ، وأحلف بسماها وبترابها، بركان الغضب ، أحضان الحبايب” .
أشهر دواوينه
أبدع الأبنودى المئات من القصائد الوطنية والسياسية والاجتماعية والدينية التى عكست كل ما حوته ذاكرته منذ بداية نشأته فى محافظة قنا وهى البيئة  تمتزج فيها حضارات مختلفة ، ومدينة القاهرة التى نزح إليها وتعد مركزا للدولة وقلب العروبة حيث شهد فترات التحول والثورة منذ عبد الناصر حتى الرئيس السيسى.
يقول الخال، “ما كنت اعتقد أن هذه المشاهد ذات الدلالة الاجتماعية والفكرية والعاكسة لأحوال وأفكار ومعتقدات وعادات الإنسان المصري الفقير في تلك الموروثات المتداخلة الممتزجة من الفرعونية والقبطية والإسلامية ذات تأثير بالغ علي مقدمة أعمالي ، ولم أولد وفي فمي معلقة من ذهب ”
أصدر 22 ديواناً من أشهرها الموت على الأسفلت، الإستعمار العربي، وجوه على الأسفلت، جوابات حراجى القط،  صمت الجرس، الأرض والعيال ، عماليات ، الفصول، المشروع والممنوع، الفصول، أحمد سماعين،  انا والناس،  المد والجزر ، وخمسة أجزاء من سيرة بني هلال، التي جمعها من شعراء الصعيد ولم يؤلفها ، ونشر بعض ذكرياته بعنوان  (أيامي الحلوة) في حلقات منفصلة في ملحق أيامنا الحلوة بجريدة الأهرام تم جمعها في لكتاب صدر فى ثلاثة أجزاء بنفس العنوان، حكي فيه قصصاً وأحداثاً مختلفة من حياته في صعيد مصر.
الخال
يعود لقب ” الخال ” الذى لقب به الأبنودى، بحسب الروائى جمال الغيطانى، الذى كشف سر ذلك اللقب خلال احتفالية مؤسسة الأهرام بذكرى ميلاده فى عام 2014 حيث قال : “اأن لشعب المصري عندما يحب أحدا ويثق فيه، كان يسميه الخال، لأن الخال لا يرث وليس لديه أية مطامع شخصية، لذلك  أطلق على الشاعر عبد الرحمن الأبنودي لقب الخال”.
الوالد
يحكي الأبنودي في كتاب ” أيامي الحلوة ” عن والده ، حيث يقول: كان الوالد  وهو الشيخ محمود الأبنودي مدرساً للغة العربية وقد عين في “نقادة” الصغيرة في ذلك الوقت والتي تقع غرب مدينة قوص علي شاطئ نهر النيل ، كانت “نقادة ” انموذجا لتمازج ثلاث حضارات :الفرعونية والقبطية والإسلامية وتحتل بردياتها وأوانيها وتماثيلها وأكفانها أجنحة مرموقة في متحفي اللوفر والمتحف البريطاني .
حصل الأبنودي على جائزة الدولة التقديرية عن مجمل أعماله عام 2001 وكان أول شاعراً للعامية يحصل على تلك الجائزة، وحصل أيضاً على جائزة محمود درويش للإبداع العربي عام 2014
اليوم تحل ذكري ميلاد ملك السيرة الذى رحل في 21 أبريل عام 2015عن عمر ناهز الـ77 عاما.
 
 

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر