في ذكرى وفاته.. «نيوتن» طفل مات وهو يلعب على شاطئ البحر

“لا تحسبوا النجاح الذي أحرزته وليد تفوق ذهني أو ملكات خاصة، وإنما هو وليد الصبر والمثابرة والتفكير العميق الطويل دون سأم أو ملل”.. هكذا قال نيوتن.
وسط  ويلات الحروب الأهلية، واندلاع الفوضى وتواصل الاشتباكات بين أنصار الملك وخصومه، التي انتهت إلى ذروتها بإعدام الملك تشارلز الأول عام 1649، ولد طفل شديد الضعف والنحولة، لمزارع بريطاني يدعى إسحاق نيوتن، كان يعيش في مزرعة بمقاطعة لنكولن، بحسب جيل كريستيانسن، في كتابه “نيوتن والثورة العلمية”.

في إبريق صغير

طبقا  لما أخبرت به  حنا أبنها نيوتن بعد أن صار شابا والذي ذكره في مذكراته، يورد كريستيانسن مشهد ولادة الطفل، “تنظر إليه الأرملة الشابة حنا نيوتن، وهي تمنع دمعة أرادت السقوط حزنا على ما خطت الأقدار لهذا الطفل، الذي ولد يتيما ليحمل اسم والده الذي مات قبل ولادته بأربعة أشهر، فيصبح اسمه إسحق إسحق نيوتن، ويزيد حزنها حين تلحظ مصمصة شفاه القابلة وجارتها وهن ينظرن إلى ذلك الطفل، الذي بدى وكأنه يحاول اللحاق بأبيه في مرقده الأخير، فبعد لحظات من ولادته أمر

شبه معجزة

الطبيب بإسعافه بالأدوية واحتياجه للعناية الفائقة حتى يعيش، وتقول في نفسها: “هل ستتركني أنت أيضا وترحل؟”

لكن وفي شبه معجزة إلهية يقاوم ذلك الطفل الشديد الصغير – والذي قالت عنه أمه: إنه “كان صغير الحجم لدرجة أنه يمكن أن يوضع في إبريق صغير”- الموت مستجيبا للعلاج والرعاية،  والغريب أن نيوتن ولد في شهر يناير من عام 1642 في نفس الشهر والسنة التي منى فيها العالم بموت العالم الفلكي الجليل، جاليليو، صاحب نظرية كروية الأرض، ليحل محله نيوتن، صاحب جاذبية الأرض.

صنعه الحرمان

برغم نحولة ساقيه، بدأ يخطو خطوات مستقيمة، نحو اكتشاف العالم من حوله، يدفعه شغف الأطفال وهو الشغف الذي لازمه حتى وفاته، وفي عامه الرابع بدأ يلحظ أن قسا عجوزا كان يدعى بارانا باس سميث، يلازم أمه كثيرا ويختلي بها في غرفتها، وفي نفس الوقت تطالبه أمه بأن يناديه بـ”بابا سميث”، ليفهم مبكرا أن هذا الرجل، قد أخذ منه أمه، التي كانت بمثابة الأب والأم في نفس الوقت، فيزداد شعوره بالحرمان، حين يدرك أن والده قد مات وأن أمه تزوجت وعليه أن يتقبل فكرة أنه أصبح يتيم الأب والأم معا.

مذكرات نيوتن

وبحسب  كريستيانسن، فقد تعرض نيوتن في مذكراته إلى تلك الفترة، والتي أثرت عليه تأثيرا كبيرا ميزه عن سائر أقرانه في مرحلة الطفولة، إذ أصبح يميل أكثر إلى العزلة والصمت مثل الكهول، كثير التأمل ونهما في مصاحبة وقراءة الكتب، وبالرغم من أنه فكر يوما في إحراق أمه وزوجها بالمنزل انتقاما لنفسه، إلا أنه حين تحدث عن تلك النية في مذكراته أدرجها ضمن مجموعة الخطايا، التي تضمنت أكثر من عشرين بندا، كان أخطرها الخطيئة رقم 13 والتي تقول:

“تهديد والدي سميث ووالدتي بحرقهما مع البيت الذي يقيمان فيه”، ويبدو أنه عجز عن ذلك البند من الخطايا؛ ليتحول في البند التالي إلى “رغبة في الموت”، ويبدو أن الأم لاحظت مشاعر الحقد والكراهية التي حملها نيوتن تجاه زوجها، وعذابه المتمثل في عزلته فقررت أن تريحه من ذلك فأرسلته إلى منزل جدته بوولز ثورب، وعاش في بئر الحرمان إلى الأبد، وألقى نفسه في بحار العلم متخذا منه أبا وأما، فأصبح كما وصفه أينشتاين “نيوتن المحظوظ صاحب الطفولة السعيدة في العلم”، كانت الطبيعة كتابا مفتوحا له يقرأ سطوره دون عناء”.

عبقري لا نظير له

وفي بحث منشور في موقع جمعية هواة الفلك السورية، أعده المهندس  خالد العاني حول نيوتن.. يلفت إلى أن نيوتن حصل عام 1665 على درجة البكالوريوس في الآداب من جامعة كمبريدج.. وأثناء دراسته تصادق مع عالم الرياضيات “إسحاق بارو”، الذي شجعه على دراسة الرياضيات فيفعل.. ولكن أغلقت جامعة كامبريدج أبوابها بسبب الطاعون فعاد إلى وزلز ثورب.. وقضى عاما ونصف في أبحاثه الرياضية.. وتوصل خلالها إلى نظريات التفاضل والتكامل وقوانين الميكانيكا والجاذبية وعلوم البصريات.

وفي عام 1667 عين أستاذا للرياضيات في جامعة كمبريدج، خلفا لأستاذه وصديقه اسحق بارو.. بناءا على توصية منه.. واصفا نيوتن ” بانه ، عبقري لا نظير له “.

ويصف العاني تلك الفترة في حياة نيوتن بأنها أخصب فترة في تاريخ العلم.

ويشير العاني إلى أن نيوتن كما نبغ في علوم الميكانيكا والرياضيات والفيزياء.. برع في علوم الكيمياء وبنى مختبرا في كامبريدج لتجاربه الكيميائية.. التي كان يحاول فيها الوصول إلى سر حجر الفلاسفة.. والذي يعتقد أنه يحول أي معدن إلى ذهب أو فضة.. وبحسب العاني فقد خلف نيوتن مخطوطات علمية في الكيمياء بلغ مجموعها حوالي 100 ألف كلمة.. ولكنها لم تنشر.

وجدتها

وتبقى حادثة سقوط التفاحة أكثر القصص غرابة وتشويقا في حياة نيوتن.. والتي بالرغم من أنها قصة غير موثقة، إلا أنها تكشف جانبا مهما من شخصية العالم الفذ وهو الإلهام.. ولعل القصة الرائجة أرادت أن تربط بين قصة أرخميدس حين صاح: وجدتها.. وجدتها، والذي أسس لقانون الطفو، فكأنك تسمع نيوتن يركض مسرعا إلى مختبره قائلا “وجدتها”، بحسب كريستيانسن، والذي يشير إلى أن نيوتن توصل بواسطة ذلك الإلهام إلى نظرية الجذب، والتي اعتمدت على أن لكل جسم كبير جاذبية معينة بمقدار معين تجاه الأجسام الأصغر، والذي عرف بقانون الجاذبية وهو القانون العام الذي يحكم حركة الماديات في الكون.

كيف سأبدو للعالم؟

بحسب ما أورده كريستيانسن في كتابه، ساءت صحة نيوتن بسبب حصوات الكلى وبحلول يوم 15 من مارس من عام 1727 دخل نيوتن في غيبوبة انتهت بموته، ولكن وبحسب ما ذكر طبيبه ستيكيلي والذي لازمه طيلة مرضه وحتى وفاته في 20 من مارس 1727، فإن آخر ما قاله نيوتن قبل أن يدخل في الغيبوبة ويموت خلالها، كان تساؤلا قال فيه نيوتن: “لا أدري كيف سأظهر للعالم، ولكني أجدني لم أكن إلا كطفل صغير يلعب على شاطئ البخر مسليا نفسي من حين إلى آخر؛ بالعثور على بلورة صخرية ملساء أو صدفة أكبر من المعتاد، على حين يمتد أمام عيني الأبحر المحيط من الحقيقة، كأنما لم يكتشف شيء منه بعد”. 
وفي حوالي ما بين الساعة والواحدة والثانية عصر ذلك اليوم، أنهى ذلك الطفل رحلته عن عمر ناهز الرابعة والثمانين، مات متمسكًا بشغفه الطفولي في اكتشاف العالم من حوله، مات وهو يلعب على شاطئ البحر.

هوامش
1- كتاب (نيوتن والثورة العلمية )، (بي دي إف) – تأليف: جيل كريستيانسن – تعريب: مروان البواب – مكتبة العبيكان بالتعاون مع جامعة أوكسفورد 2005.
2- إسحق نيوتن (بحث )، (بي دي إف) – إعداد المهندس خالد العاني – منشور بالموقع الرسمي لجمعية هواة الفلك السورية.

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر