في ذكرى ميلادها.. رحلة مع صوت أسمهان

كتب – شريف حسن
تمر علينا اليوم ذكرى ميلاد أسمهانحيث ولدت يوم 25 نوفمبر 1912 وتوفيت يوم 14 يوليو 1944، واحدة من أحلى الأصوات في تاريخ الغناء العربي، ورغم عمرها القصير ومشوارها الأقصر، إلا إنها استطاعت أن تحفر اسمها في ذاكرة الموسيقى العربية، وتصبح أغانيها من أشهر الأغاني وأحب الأغاني لجميع الناس بمختلف أذواقهم الموسيقية.
لا يختلف أحد على صوت أسمهان، ولا يستطيع أي شخص بالغ عاقل أن يسمع هذا الصوت الجميل النقي الساحر، ولا يقع في غرامه، ولدت في الماء وماتت في الماء، وما بينهم كان تاريخ حافل من المغامرات والتجارب والنجاحات والفشل ومحاولات الانتحار، لكن كل ذلك يذهب، ويبقى لنا بعد كل هذه السنين، هو صوتها الجميل، أغانيها التي كانت بصمة فريدة من نوعها في الموسيقى العربي.
كان صوت أسمهان يتيح للملحن أن ينطلق كالمجنون، يبدع ويبدع، وهو على يقين أن أسمهان ستؤدي ما يصنعه بكل سهولة وإتقان، وإنها بصوتها ستخلد لحنه إلى الأبد، كان صوت أسمهان قادر على توضيح بصمة كل ملحن، وشكله الموسيقي، في رحلة جميلة، نرى كيف عبرت أسمهان بصوتها عن كل ملحن تعاونت معه، كانت أسمهان من الأصوات التي غنت لكل العملاقة التلحين في وقتها.
فريد غصن “يا نار فؤادي”:
كانت البداية لأسمهان مع الملحن اللبناني، فريد غصن، واحد من أهم الملحنين في فترة الثلاثينات، وكان من أهم عازفي العود، وكان رئيس فرقة بديعة مصابني لمدة طويلة، قدم لأسمهان لحنين.يتضح لنا من لحن “يا نار فؤادي”، التأكيد على شكل الطقطوقة، كما فعل محمد القصبجي في نفس الوقت مع أم كلثوم، كانت هذه الطقطوقة، واحدة من أحلى ألحان أسمهان، صنع غصن لحن عظيم، مستغلا طبقات أسمهان المختلفة وقدرتها على التحول بين المقامات بكل سهولة، وهي من نظم “يوسف بدروس.
https://www.youtube.com/watch?v=V-xfmtfNBjI
 
الشيخ زكريا أحمد “عاهدني يا قلبي”:مع شيخ السلطنة والملحنين، الشيخ زكريا أحمد، كانت طقطوقة “عاهدني يا قلبي”، من نظم محمود حسن إسماعيل، جعل زكريا أسمهان تجلس وتغني، هكذا تشعر من بداية اللحن وغنائها، استغل زكريا صوت أسمهان في تقديم ما طوره من شكل الطقطوقة المصرية الشرقية.
لذلك تشعر بكامل السلطنة في صوتها وأدائها، بجانب اللحن وأداء الفرقة بشكل متكامل، وخاصة بين المقاطع وبعضها، واستخدام الإيقاع، قدم زكريا الطقطوقة بشكلها المتطور، من دمج بين أداء أسمهان وأداء الكورس، الذي شارك فيه بالطبع، فكان الكورس يرد بالمذهب وراء أسمهان، وفي مرة جعل أسمهان تغني المذهب ثم يغنيه الكورس، كتأكيد على الجزء الأهم من الطقطوقة وهو مذهب الأغنية، وسمح لأسمهان بالتجول بصوتها في حدود المرسوم لها، فخرج اللحن قمة في السلطنة والجمال.
https://www.youtube.com/watch?v=YcROi9e3gn0
كانت هناك أغنية أخرى لأسمهان من تلحين الشيخ زكريا، وهي ” عذابي في هواك”، ولكنها مفقودة للأسف وقد أعادت غنائها “برلنتي حسن”.
محمد القصبجي “كنت الأماني”:
الأستاذ، ولا أستاذ غيره، كان محمد القصبجي يطمع في صوت أسمهان، لتقديم كل ما يحلم به في عالم الغناء، خاصة مع تحجيم أم كلثوم له، وميلها للشكل القديم من الغناء، وعدم رغبتها في التجديد، أو تقديم أشكال جديدة، فكانت أسمهان هي منحة الله للقصبجي، وبالفعل صنع القصبجي وأسمهان عدة ألحان كانت تنبئ بشكل جديد للأغنية المصرية، ولكن القدر كان أقوى من كل شيء ورحلت أسمهان في بداية المشوار.
https://www.youtube.com/watch?v=voEN0Xe1jwI
بالطبع لا أحد ينسى ما قدمه الأثنان في أغنية “الطيور”، وهذا اللحن التعبيري وما صنعته أسمهان بصوتها تحت تدريب وإشراف وصناعة القصبجي، أو أغنية “إمتى حتعرف امتى”، وما قدمه القصبجي من تجديد في ذلك اللحن، واستفادته من مساحات حنجرة أسمهان، وهي الأغنية التي طلبتها أسمهان على نفس نمط أغنية محمد عبد الوهاب “أنت وعزولي وزماني”، ولكن الأستاذ يبقى الأستاذ وقدم لحن تفوق بكل وضوح على لحن محمد عبد الوهاب.

كما قدم القصبجي العديد من الأغاني والقصائد مثل “ليت للبراق عينا”، “اسقنيها”، و”أنا استاهل”، “كلمة يا نور العيون”، ولكن لحن مونولوج “كنت الأماني”، كان هذا اللحن أكبر تهديد من القصبجي لعرش أم كلثوم، والقصبجي يرجع له الفضل في تقديم شكل المونولوج الغنائي، وخاصة مع مونولوج “إن كنت أسامح” لأم كلثوم، فهنا يصرح قصبجي إنه عثر على صوت قادر على الوقوف أمام حنجرة أم كلثوم، وأيضا عندها استعداد لتقديم كل ما هو جديد، وكانت هذه هي الفرصة الأعظم في مسيرة القصبجي كما ذكرنا.
فقدم القصبجي لحن، لم يترك مساحة في صوت أسمهان لم يستغلها في القرار أو الجواب، ترى صوت أسمهان وكأنه “يتمطع” في الهواء بكل خفة وجمال، هكذا صنع القصبجي لحنا خالدا، ولكنه غير مشهور بجانب أغاني القصبجي وأسمهان الأخرى.
https://www.youtube.com/watch?v=hUNTlSDXHq0
محمد عبد الوهاب “محلاها عيشة الفلاحة”:في فيلم يوم سعيد قدم محمد عبد الوهاب صوت أسمهان، فغنت معه الأوبريت الشهير “مجنون ليلى”، وغنت أيضا “محلاها عيشة الفلاحة” وتمثيل بديعة صادق.
 

https://www.youtube.com/watch?v=DIb0O_xPmT0
مدحت عاصم “دخلت مرة في جنينه”:
كان مدحت عاصم واحد من الموسيقين المهتمين بالموسيقى الكلاسيكية، وألف عدة مقطوعات، وكتب العديد من المقالات، وكان مدير الموسيقى في الإذاعة.وقدم مدحت لأسمهان لحن من أشهر وأهم ألحانها، وهو لحن “يا حبيبي تعالى ألحقني” وكان اللحن في الأساس مقتبس من لحن تركي، قدمه مدحت عاصم بصوت ماري كويني في فيلم “زوجة بالنيابة” 1936، وكان كتب كلماتها أحمد جلال الممثل وزوج ماري كويني.

لكن كان لمدحت عاصم تجربة أخرى مع أسمهان، من أحلى الألحان التعبيرية التي قدمت في تاريخ الموسيقى العربية، لحن جنائزي باقتدار، وأقرب إلى الحدوتة، من نظم عبد العزيز سلام، واستخدام آلة “التمباني” منذ بداية الأغنية أضاف الكثير من الأجواء الرسمية والجنائزية للأغنية، بجانب صوت أسمهان.
https://www.youtube.com/watch?v=DF9UQBUk7-k
فريد الأطرش “أهوى”:
فريد المطرب والملحن وعازف العود الماهر، وأيضا شقيق أسمهان، قدم معها فيلم “انتصار الشباب”، ولحن جميع أغاني الفيلم، مثل “ليالي الأنس في فيينا”، و “يابدع الورد”
https://www.youtube.com/watch?v=W5yZvZEnCks
كما قدم لها أغنية خفيفة في آخر فيلم لها “غرام وانتقام”، كانت أغنية “أهوى”، وكانت الأغنية خفيفة وجميلة، وجديدة على أسمهان بعيدا عن الطقاطيق الحزينة أو القصائد، وبها جناس جميل بين كلمة “أهوى” و”قهوة”، نظم كلماتها مأمون الشناوي، ورغم ذلك كان صنع فريد لحن عظيم، وبه نقلات مقامية جميلة، تأكد فهمه وتقديره لصوت شقيقته.
https://www.youtube.com/watch?v=oc4JbvGCxR8
رياض السنباطي الرثاء الجميل “أيها النائم”:
رياض السنباطي، صاحب ألحان أشهر القصائد، وصاحب الرحلة الأطول مع أم كلثوم، قدم لأسمهان قصائد مثل “حديث العيون”، نظم أحمد فتحي، وقدم لها أيضا آخر أغانيها والتي ماتت قبل أن تكمل تصويرها وهي أغنية منعت فيما بعد، وكانت الأغنية تمجد في الأسرة العلوية، وكان مطلعها يبدأ بجملة أنا بنت النيل، لتغرق أسمهان في النيل بعد أيام قليلة من تسجيل الأغنية.

وكأن السنباطي على موعد مع نهاية أسمهان فقدم لها مع أحمد رامي، قصيدة أيها النائم، وهي قصيدة التي تظهر في أسمهان وكأنها ترثي نفسها قبل رحيلها، وكانت الأغنية أيضا من آخر ما غنت أسمهان في فيلم “غرام وانتقام”، قبل حادث موتها.

لترحل أسمهان وهي في بداية شبابها، في حادث مازال غامضا وغير معروف عنه الكثير، لكن في كل الأحوال، سيبقى صوت أسمهان حاضرا بيننا إلى الأبد، بسحرها وجمالها وخفتها، وحنجرتها التي لم يأت مثلها ولن يأتي.

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر