في ذكرى رحيل هاني المصري.. أحلام مع وقف التنفيذ

خمسة أعوام مرت على رحيل الفنان التشكيلي هاني المصري، الذي استطاع أن يحقق حلمه بالوصول إلى العالمية والعمل في كبرى شركات الرسوم المتحركة حول العالم ومنها استوديو «والت ديزني» إلا أن حبه وانتمائه لمصر ورغبته في نقل كل خبراته للفنانين المصريين أمنية أمضى العمر في تحقيقها، إما عن طريق التعاون معهم والعمل بشكل مباشر أو من خلال مواقع التواصل الاجتماعي.

حي في القلوب 

«كيف حالكم يا أصدقاء هاني في كل مكان.. أتذكره كثيرا مثلكم» رسالة ضمن عشرات الرسائل التي كتبها محبي أصدقاء وتلاميذ الفنان الراحل هاني المصري على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، يرثونه مع كل مناسبة ومع كل موقف يتذكرون غيابه، بعضهم لم يكن على صلة به بسبب الرسم ولكن للاستفادة من آرائه وتجاربه الحياتية وبدوره لم يبخل بالرد على أيا منهم.

تروي الفنانة التشكيلية مي عبدالرحمن الوكيل ذكريات أول موقف جمعها بدكتور هاني المصري، احتارت حينها بين لقبي “أستاذ” و”دكتور” فأجابها المصري ضاحكا: “قوليلي هاني زي ما بقولك مي إحنا فنانين زي بعض” وكتب لها أبيات شعر بخط يده:

ليس بالألقاب يزدان حاملها

إلا إذا ازدان باسم الحامل اللقب

ومن لا تشرفه في الناس همته

فلا تشرفه الألقاب والرتب

علاقته بها لم تقتصر على تعليم الرسم أو التحريك فقط، بل علمها كيف تؤمن بأحلامها، أن تتحلى بالصبر، أن تعود دائما إلى المصدر، ألا تصنع فنا جميلا فقط بل عمل فني يستند على قصة حقيقية، علمها العمارة الإسلامية، تصميم الحدائق وكتب لها خطاب التقديم لإحدى المؤسسات، “لقد كان صديقا عزيزا فنانا ومعلما” كما قالت مي.

لم يختلف الأمر كثيرا عن هاني عصمت الذي تعرف على هاني المصري من خلال تجمعات وندوات خاصة بفن التحريك، ويقول لـ«باب مصر»: إنه زاره مرتين في الاستوديو الخاص به في مصر الجديدة، وكانا يتكلمان كثيرا عن قصص حياته وتجاربه وآراءه الشخصية، موضحا أن حلمه هو إنشاء مدرسة لتعليم فن تحريك الرسوم «الانيميشن» وإنتاج أفلام مصرية.

فيلم تسجيلي

تجربة محمد ربيع المدرس المساعد في كلية الفنون الجميلة بجامعة المنصورة قسم الرسوم المتحركة، في التعامل الشخصي مع هاني المصري كانت مختلفة، فعلى حد وصفه تعلم منه ما «دروس للحياة» من خلال المواقف الإنسانية على غير العادة لفنان مصري عمل بشركة ديزني للرسوم المتحركة – حلم كل فنان حول العالم.

«كل كلمة من هاني المصري كانت بمثابة «درس أخلاقي» كما يقول محمد عن فترة معرفته به عندما كان مخرج الرسوم المتحركة لهيئة قصور الثقافة التابعة لوزارة الثقافة، مما دفعه للتفكير في توثيق الوجه الآخر لهاني المصري كما عرفه هو من خلال فيلم تسجيلي مع محبيه، زملاؤه، تلاميذه وأقاربه.

أعلن محمد ربيع عن رغبته في تصوير الفيلم بعد أيام قليلة من وفاة الفنان هاني المصري في 24 أغسطس عام 2015، واقترح هذه الفكرة لتوثيق قصة حياته في مصر وخارجها بشكل إنساني ولكن حالت عدة أسباب منها: عدم وجود جهة للتمويل، ورفض البعض للتصوير، ويقول لـ«باب مصر»: “بالنسبة لنا كان قدوة والجانب الإنساني والروح الحلوة شعرنا إنه أب لينا ومحتاجين الناس تعرفه زي ما عرفناه”.

وترجع بداية معرفتهما عن طريق د.نهى عباس، خلال التعاون في مهرجان أفلام التحريك للشباب، وكان المصري هو الرئيس الشرفي للمهرجان، وتعاونا مجددا عندما كان هاني المستشار الفني والمسؤول عن التحريك لمجلة «مجنون»، ويسترجع ربيع أحد المواقف التي جعلته يتوقف عن المجاملة في العمل، حين عرض أحدهم عمل على ربيع وكان هاني بالمكان نفسه، فأجاب ربيع: “جميل على سبيل المجاملة”، فعنفه هاني قائلا: “لا وحش” ونصحه بعدم المجاملة في العمل لأنها تجعل الشخص يتمادى في العمل السيئ ولا يقدم أفضل ما لديه.

حكايات المصري

صداقة بالواقع الافتراضي استمرت حتى بعد مرور خمس أعوام على وفاته، أحمد حلمي إخصائي اجتماعي ورسام لم تربطه بهاني المصري صداقة حقيقية، ولكنه في عام 2014 قرأ القصة الشهيرة للفنان المصري مصمم الدب كيمو، ثم عثر على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك ووجده صديقا مشتركا عند أغلب الرسامين.

ولأنه رسام أرسل له طلب صداقة، وظل معلقا لفترة حتى أرسل له رسالة يعاتبه فيها بطريقة شقية بعض الشئ على هذا الانتظار، فكان رده: “أنا عملت لك طلب صداقة علشان اللماضة بس.. لما نشوف الشغل بقى.. تحياتي”.

منذ هذه اللحظة وأصبح حلمي متابعا جيدا للفنان العظيم معبرا باستمرار عن شدة إعجابه بمنشوراته والقصص والدروس التي يكتبها هاني المصري، مثل «المغامرة الأمريكية» التي يحكي فيها رحلة هجرته إلى الولايات المتحدة الأمريكية والصعوبات التي واجهها ليستقر ويعمل هناك حتى التحق باستوديو «والت ديزني» ومن بعده «دريم وركس».

وأيضا منشورات «المعركة» هكذا كان يسميها وهي خمس منشورات يحكي فيها معركته العملية في الالتحاق بأستوديو «دريم وركس» وإنقاذ فيلم «أمير مصر» من الصهيونية، وغيرها من القصص الذي كان ينشرها باستمرار وكانت متتابعة كحلقات، ويقول حلمي لـ«باب مصر»: “كنت بتابعها بشغف عاوز أعرف إيه الحكاية بقى”.

يكتب تارة عن تجاربه الشخصية ومغامراته، وأخرى عن استكشاف الأرض وكيفية بدء الحضارة المصرية القديمة وتأثيرها في الحضارات الأخرى، وغيرها من القصص والحكايات، وكان أحمد حلمي ـ كحال أغلب الرسامين ـ يتابع حالته الصحية وتطوراتها من خلال منشوراته بخوف وقلق والتي كانت تتدهور بسرعة حتى هبط عليه خبر وفاته كالصاعقة في أغسطس.

«هكذا انطفأت شمعة الفكر والأمل التي كانت تضيء لأغلب الرسامين ظلمات اليأس والإحباط» كما قال أحمد، ومنذ هذه اللحظة قرر أن يخلد ذكراه بالطريقة التي يستطع تنفيذها، وجمع منشوراته الهامة في أربعة أقسام، «منشورات هاني المصري» – «المغامرة الأمريكية» – «المعركة» – «إيه بقى الحكاية».

عملية الجمع والترتيب والتنسيق استغرقت وقتا ومجهودا كبيرا من أحمد الذي تمنى طباعتها في كتاب عن هاني المصري، الذي فحص وجمع منشورات هاني على مدار سنوات ماضية من حسابه بموقع فيس بوك، متحملا جهد الجمع والتوثيق حتى يقرأها كل فترة ويشعر كأنه ما زال حيا، “كل مرة بقراها كأنها المرة الأولى”، وأرسلها أيضا لأكثر من شخص طلبها منه “علها تكون شكرا بسيطا مني لروحه الطيبة التي أثرت أرواحنا جميعا” كما قال.

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر