«في حضرة المقام».. مشروع بحثي لتوثيق ذاكرة منطقة بحيرة مريوط

نظم المعهد الثقافي الفرنسي بالإسكندرية أمسية بعنوان «في حضرة المقام»، وهي عبارة عن عرض لنتائج مشروع بحث علمي لتوثيق الأضرحة والمقامات في منطقة بحيرة مريوط. وقد عمل على المشروع المركز الفرنسي للدراسات السكندرية بالتعاون مع المصورة سمر بيومي، وبدعم من مؤسسة “بركات تراست” البريطانية.
اعتمد المشروع على دراسة خرائطية أجراها الدكتور إسماعيل عوض، لتتبع تطور المقامات بدءا من خرائط الحملة الفرنسية منذ عام 1801، وصولا إلى صور الأقمار الصناعية عام 2024، بهدف تسليط الضوء على تراث ذي قيمة روحية وتاريخية يعود للقرن الرابع عشر، ويواجه خطر الاندثار، وكذلك إبراز تأثيره في هوية المنطقة وسكانها.
التراث المنسي: مقامات منطقة بحيرة مريوط
بدأت الأمسية بمحاضرة بعنوان “التراث المنسي: مقامات منطقة بحيرة مريوط“، بمحاورة الدكتور جيوزيبي سيسيري. وتقديم الدكتور إسماعيل عوض، مهندس المساحة والخرائط ونظم المعلومات الجغرافية. الذي تحدث عن سعي المشروع إلى دراسة المقامات من الناحية التراثية. وعن الاختلافات التي لاحظها خلال تفقده المقامات في المنطقة، ولقاءاته مع الأهالي وقاطني المنطقة.
وأوضح “عوض” أن أبرز الاختلافات، تمثلت في الفروق بين المنطقة الشرقية والغربية. حيث لاحظ أن المنطقة الشرقية متأثرة بتطورها خلال آخر 200 عام. إذ يتشابه الشكل المعماري لمقاماتها مع مثيلاتها في الدلتا والقاهرة، وتغلب عليها الألوان الأخضر والأزرق. أما المنطقة الغربية، فيغلب عليها الطابع البدوي. واستخدموا فيها ألوان لها علاقة بالصحراء مثل الأصفر والأبيض، فكانوا متأثرين أكثر بدول مثل ليبيا وتونس والمغرب.
وفي ختام عرضه، أشار إسماعيل عوض إلى ثلاث نقاط رئيسة يتطلع إليها: أولها الاستمرار في جمع وتوثيق البيانات الميدانية من باقي المقامات بالتعاون مع علماء الآثار ومؤرخين ومهندسين معماريين. والثانية محاولة الاطلاع على أرشيف وزارة الأوقاف والمشيخة العامة للطرق الصوفية. أما الأخيرة فكانت التفكير في إنشاء صفحة على موقع “فيسبوك” باسم المشروع بهدف التفاعل مع أي شخص يمكنه إضافة أي صور أو فيديوهات أو وثائق متعلقة بأي من المقامات في منطقة بحيرة مريوط.

توثيق الأضرحة والمقامات بمنطقة بحيرة مريوط
قال الدكتور إسماعيل عوض، في تصريح خاص لـ«باب مصر – بحري»، إن فكرة المشروع بدأت خلال دراسته للدكتوراه في فرنسا عام 2020. عندما لاحظ تمركز لعدد كبير من المقامات بمنطقة بحيرة مريوط على خرائط الحملة الفرنسية. ثم على خرائط مصلحة المساحة المصرية منذ عام 1801. وعلى الرغم من تطور المنطقة على الخرائط بمرور السنوات، إلا أن المقامات ما زالت موجودة بالمنطقة.
وتابع: “عملت في مشروع سابق مع المركز السكندري عام 2013 كمسؤول مساحة وخرائط ضمن مشروع البحث عن المناطق الأثرية في منطقة غرب وجنوب غرب بحيرة مريوط. وخلال البحث، وجدنا أن المقامات كائنة وسط المناطق الأثرية. وفي عام 2022 قررنا البحث عن هذه المقامات، فاكتشفنا وجود ارتباط وثيق بين أماكن تواجد المقام مع المواقع الأثرية أسفلها، لأن الفكر السائد لبناء المقام أن يكون في مكان ظاهر كنوع من التكريم لصاحب المقام”.
وأضاف «عوض»: “فكرت في تنفيذ مشروع بحثي عن المقامات من الناحية التراثية، وهذا المكان ضم أجزاء من محافظات؛ الإسكندرية والبحيرة ومطروح. وهي الحدود الطبيعية لبحيرة مريوط القديمة فلم نرتبط بحدود إدارية لمحافظة معينة. وقدمت طلبا لمنحة من مؤسسة خيرية بريطانية معنية بالفن الإسلامي عالميا. وهي “بركات تراست”، لتنفيذ هذا المشروع. وكان الهدف زيارة وتوثيق المقامات في هذه المنطقة التي تعد ريفية ولا تلقى الاهتمام الكافي، وكيف أن هناك 175 مقاما رأيتهم على الأقمار الصناعية لا يعلم عنهم أحد شيء”.
واستطرد: “حصلت على المنحة لمدة عام، واليوم نعرض نتائج المشروع. حيث زرنا 113 مقاما، وتمكنا من توثيق 108 منها توثيقا مؤكدا. في حين لم نجد بعض المواقع التي كانت ظاهرة على الخرائط”.

مقامات عائلة “أبو لطيعة”
عن أبرز المواقف التي واجهها فريق العمل خلال تنفيذ المشروع، يقول الدكتور إسماعيل عوض: “أكثر ما تأثرت به هي مقامات عائلة “أبو لطيعة”. إذ وجدنا 12 مقاما لعائلة واحدة في مكان واحد بمنطقة “رأس الترعة” جنوب شرق بحيرة مريوط، التابعة جغرافيا لمحافظة البحيرة. البداية كانت مع سيدي عمر أبو لطيعة، الذي كان له عشرة أبناء. أقيمت مقامات لخمسة منهم فقط، بناء على رؤى في المنام، كما وجدنا مقاما لزوجته ووالديها وثلاثة من أحفاده”.
وأضاف: “خلال حديثنا مع أحفاد العائلة، أقروا بأنهم لم ينشئوا أي مقام. فهذه المقامات أنشأها الأهالي وأصحاب الرؤيا التي طُلب منهم فيها بناء مقام لشخص معين باسمه. وعلى جانب آخر هناك العديد من المقامات لأشخاص اعتبرهم الأهالي صالحين أو أزهريون علموا الناس. فليس شرطاً أن يكون شيخًا وله كرامات”.

في حضرة المقام
تلت المحاضرة افتتاحية معرض صور بعنوان “في حضرة المقام”، من تنظيم سمر بيومي وإسماعيل عوض. بحضور قنصل عام فرنسا بالإسكندرية لينا بلان، وتوما فوشيه، مدير المركز الفرنسي للدراسات السكندرية. وتضمن المعرض العديد من الصور لمقامات منطقة بحيرة مريوط القديمة.
وفي ختام المحاضرة، تحدثت المصورة سمر بيومي عن الدور الكبير الذي لعبه الأهالي في جمع المعلومات. معبرة عن سعادتها بالتعاون معهم، قائلة إنهم أعطوا المشروع طابعًا روحياً من خلال قصصهم المختلفة ومعتقداتهم عن هذه المقامات وكرامتهم.
اختلاف المقامات في المنطقة
أضافت بيومي أن هناك اختلاف في التعامل مع كل مقام بالمنطقة، على حسب نوعه. إذا كان شخص من نفس العائلة يتحدث عن المقام وكأنه إله. وهناك من يتولى الحفاظ باستمرار على المقام ونظافته وغلقه، كما تتواجد مقامات أخرى كانت مهملة ومفتوحة.
وقالت إن نسبة كبيرة ممن التقينا بهم خلال المشروع كانوا مؤمنين تماما بكرامات هذه المقامات. بينما كان آخرون غير مؤمنين بهذه الفكرة، أما نحن كفريق عمل. فقد بدأنا المشروع ونحن نعتقد أنها خرافات، وما زالت هذه فكرتنا. ولكن خلال المشروع وجدت إيمان شديد من بعض الناس بالمقامات وكرامتهم جعلتني أتردد لوهلة. ثم عدت لقناعتي مرة أخرى”.
واختتمت سمر حديثها: “بالنسبة للسؤال المتكرر بأن الإيمان بالمقامات مرتبط بطبقة اجتماعية معينة، فلم أجد ذلك على الإطلاق، فهناك محامين ومدرسين، أفراد متعلمين ولديهم الوعي الكافي ومصدقين بشدة للكرامات التي قد نسميها نحن أساطير”.
اقرأ أيضا:
معرض «الابتسامة الذهبية».. حين تصير الهشاشة فنًا والمقاومة ملامح
14 عاما من الصمت.. متى يرى «متحف الموزاييك» بالإسكندرية النور؟
من تل بسطا إلى القراموص.. محافظة الشرقية تحتفي بتاريخها وتراثها من الإسكندرية