في أول ندوات معرض «الرحلة»: «ماذا ترك الفنان المصري القديم للفنان المعاصر؟»

بمشاركة 15 فنانا تشكيليا افتتح الفنانان محمد عبلة وحسن الشرق أمس فعاليات النسخة الثانية من معرض «الرحلة» الذي تنظمه شركة «ولاد البلد» للخدمات الإعلامية بالتعاون مع مكتبة الإسكندرية ببيت السناري بالقاهرة. ويستمر حتى مساء غدا الخميس.

تطور الفن 

كما اقيمت أمس عقب افتتاح المعرض حلقة نقاشية تحت عنوان «ماذا ترك الفنان المصري القديم للفنان المعاصر؟». إذ تحدث فيها عالمة المصريات الدكتورة فاطمة كشك مؤسسة مبادرة “الناس والمكان، والفنان التشكيلي حسن الشرق، والدكتور حسين عبدالبصير، مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية. وقد أدار النقاش الكاتب الصحفي محمد شعير. وتحدث المشاركون عن الفن المصري خلال العصور وكذلك التحولات التي مرّ بها على مدار آلاف السنين وحتى الآن.

في بداية حديثه أشار محمد شعير إلى أن هذا العام تمر ذكرى أحداث هامة في التاريخ، تخص التاريخ المصري القديم، ومن بينها منذ 200 عام تم فك رموز حجر رشيد على يد عالم المصريات الشهير شامبليون، وفي عام 1922 تم اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون، وهو الحدث الذي شكل مع ثورة 1919 وعيا بفكرة الهوية المصرية، وعيا بما نملكه من تراث وثقافة وحضارة، موضحا: فقد كانت دائما ما تخرج الآثار المصرية إلى الخارج من جانب البعثات الأجنبية، لكن في سنة 1922 بدأ هذا الوعي المصري يرتفع. إذ صدرت تشريعات وقوانين تمنع خروج القطع الأثرية المكتشفة؛ لذلك أردنا في “باب مصر” أن نقدم مراحل تطور الفن المصري القديم عبر مراحله المختلفة.

تقديس التراث

وتحدث حسين عبدالبصير خلال الجلسة عن تطور الفنون خلال المراحل المختلفة من التاريخ المصري القديم، كما أجاب علي عدد من الأسئلة المتعلقة بتاريخ الفن المصري القديم وعلاقته بالواقع.

وأوضح عبدالبصير أن المدارس الفنية الحديثة (كالتجريدية والتأثيرية.. وغيرها) لم تكن موجودة في هذا الوقت. فالفنون الغربية والتقسيمات الغربية التي تم طرحها خلال القرون القليلة الماضية، لكنهم كانوا يعرفون ويقدسون تراثهم، والدليل على ذلك أنه في عصر الأسرة الـ26 أي سنة 526ق.م أرادوا استدعاء تراث الأجداد فقد رمموا آثار أجدادهم فرمموا هرم أوناس وزوسر في تلك الفترة. وهذا معناه أنهم كانوا معتزين بماضيهم وبتراثهم، وكذلك المدارس الفنية التي كانت موجودة، لكنهم بالطبع لم يكن عندهم التقسيمات الفنية الحديثة الموجودة حاليا.

إرث ممتد

من جانبها قالت الدكتورة فاطمة كشك: “إننا ليس لدينا إجابة قاطعة تخص الفن المصري القديم. فنحن لا نعلم ما إذا كان هذا الفن تم تقديمه بصورة نخبوية أو لا، لكن الشواهد التي بين أيدينا تحيلنا وتجعلنا نقول إن هذا الفن كان “نخبويا”. إذ اقتصر على طبقة معينة من الناس، فهو في الأساس خدم العقيدة. لذلك فكل مخرجات الفن المصري القديم كانت متأثرة بالعقيدة والطبيعة. فأول ما أثر على الحضارة المصرية القديمة كانت الطبيعة المحيطة به، إذ طوعها لخدمة الحضارة بمعناها البسيط”.

وتابعت: الحضارة المصرية القديمة ظل أثرها ممتد حتى قبل اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون نفسها، فنحن تأثرنا بهذه الحضارة، منذ زمن بعيد، فشعار جريدة الأهرام في بدايتها عبّر عن تلك الحضارة. وهذا يعني أن المصري ظل متأثرا بهذا الإرث الممتد منذ آلاف السنين. كما أن تمثال نهضة مصر يأخذنا لفكرة تتويج اكتشاف المصريين في القرن الـ18 والـ19 لحضارتهم. وقد خلق هذا الأمر وعي بهذه الحضارة إلى أن قرر القائمين على ثورة 1919 أن الحضارة المصرية القديمة هي التي تمثل المصريين. وهذا بالطبع يعبر عن وعي كبير وصل إليه الشعب خلال تلك الفترة.

شعب متذوق

أما الفنان التشكيلي حسن الشرق قال: “أنا دائما ما أقول أننا شعب متذوق للفنون، فنحن امتداد لحضارتنا المصرية القديمة، وجميعنا نعلم من الفنان المصري “الفرعوني” فأنا من محافظة المنيا، والمتحف الخاص بي يبعد عن مقابر “بني حسن” بنحو 5 دقائق فقط لا غير. لذلك تعلمت من الفنان المصري القديم عندما كنت أدخل للمقابر في المنيا، فدائما ما كنت أتساءل كيف جاء الفنان المصري القديم بألوانه البديعة هذه؟ وأردت بدوري أن أفهم هذا السر. فعبقرية المكان هي من تصنع الفنان، كذلك الموهبة لها دور كبير في تكوين الفنان، ونحن بدورنا ورثناها من أجدادنا القدماء.

وتابع: أنا مثلا في الستينيات من القرن الماضي عندما كنت طفلا لم أكمل تعليمي، لكني كانت عندي موهبة كبيرة في الفن التشكيلي، فأنا ابن الريف، وبالتالي كنت أنا الابن الأكبر بين إخوتي، وكان من المقدر لي أن أمارس المهنة التي امتهنها والدي. لكني ظللت أرسم  لمدة 20 سنة متواصلة بشكل محلي ولم أكن قد وصلت للعالمية. فرغم أننا أصل الحضارة إلى أننا نود أن يقوم أحدهم باكتشافنا، وهذا بالفعل ما حدث معي.

التمسك بالتراث

وأضاف، في سنة 1985 جاءتني إحدى المستشرقات الألمان كانت تبحث عن الموهوبين من الفنانين واكتشفتني في تلك الفترة، واصطحبتني إلى القاهرة. وأقامت لي معرضا فنيا، ووقتها بدأت أصل إلى العالمية. لكني تمسكت بتراثي وقد قمت بتأسيس مدرسة فنية خاصة بي. وقمت بدوري باستخدام ألوان خاصة بي. إّذ كنت أشتري ألواني من عند “العطار” وهذا الأمر جعلني أقترب للخامات التي صنع منها الفنان المصري القديم ألوانه.

فهذه التجربة كانت خاصة بي، وعندما أردت استخدام “الفرشاة” استعنت بجزء من “ّذيل” الحصان لصنع فرشاتي. فأنا دائما ما كان عندي “حلم” خاص بي. فقد أردت تأسيس مدرسة لتعليم الفن وذلك لدعم الفنانين وتنمية مهاراتهم، لكني خصصت في النهاية متحفا خاصا بي على مساحة 2200 متر، وقد وضع على الخريطة السياحية.

فن بدائي

وعقّب الدكتور فكري حسن،  أستاذ الآثار، وقال إن هناك أسئلة لا يمكن الإجابة عنها دائما، وذلك لأن المتخصصين لا يجلسون سويا. فالفنانين المصريين لازالوا متأثرين بالمدارس الغربية حتى وقتنا هذا. أما علماء المصريات فهم بدورهم أيضا لا يزالوا متأثرين بالمدارس الأوروبية. لذلك أنا أسعد أن هناك مدرسة ثالثة بدأت تظهر، وتنظر إلى هذا العلم من وجهة نظر “مصرية”. إذ إنه ليس هناك دراسات كافية لهذا الأمر.

وتابع: نحن يجب أن ننظر لكل فن بالنسبة للمجتمع الذي نشأ فيه، وأنا أعتقد أن هناك مشكلة في المصطلحات، وذلك لأن الديانة المصرية، مختلفة عن الإسلام وعن الديانات الأخرى. فكل ديانة كانت لها أنماط مختلفة من المعتقدات والعادات وكذلك الفنون، فلسفة الإسلام تختلف عن فلسفة الديانة المصرية القديمة. لكن هناك مشكلة أخرى وهي أن الفن المصري القديم ظل لسنوات طويلة يعامل من جانب الأوربيين باعتباره فن “بدائي”. وأن الفن “المثالي” هو الفن اليوناني الروماني.

لكن النظرة هذه تغيرت إلا أن هذا التفكير السائد لا يزال موجودا في كثير من الأماكن. لكن لو أردنا أن ننظر إلى الفن المصري فهناك قواعد ثابتة كانت تحكمه. إذ أن هناك علاقة وطيدة بين الفن والتصوير والنحت والهندسة. كذلك فهناك علاقة وطيدة بين الهندسة المصرية وبين الفلسفة كذلك. فالفن عندهم كان عبارة عن فن الأبدية. فكل شيء عندهم بني على أساس فكري وكوني فلسفي موحد، ونحن نحتاج لإعادة النظر في هذه الأسس. لذلك فالفن المصري، هو فن مفاهيمي مبني على “المفهوم” وأتمنى أن نعيد النظر في العلاقة بين الأكاديميين وبين الفنانين، وهذا سيحدث من خلال اللقاءات المثمرة التي سوف تؤدي لعملية تغيير للكثير من المفاهيم عن مصر القديمة.

فارق زمني

وقال الفنان التشكيلي محمد عبلة: “إنني كفنان مصري في القرن الـ20 لم أعش حياة القدماء المصريين ولم أعش طقوسهم، وبالتالي عندما أنظر إليهم فلابد أن تكون نظرتي لها علاقة بالفارق الزمني والفلسفي والديني. فأنا أرى أنه لا يوجد ما يسمى بفكرة “الاستلهام”. فبيكاسو مثلا أقرب إلينا في الرسم من الرسومات المصرية القديمة. فنحن لا نعرف أي شيء عن الفنان المصري القديم، ولا نعرف من أين استلهم فنه، أو الظروف التي أحاطت به، فلا يمكن استدعاء هذا الفن لأننا في الحقيقية لا نعرف الظروف والدوافع الحقيقية والفلسفية التي قدمها الفنان في ذلك العصر.

وتابع: الفن الفرعوني هو فن كانت له علاقة وطيدة بعصره الذي نشأ فيه، وبالتالي نحن لا يمكن بأي حال أن نلبس أفكار أو لبس أشخاص آخرين لا ننتمي إليهم فلسفيا، لكني كفنان مصري لا يمكن أن أنكر أن دراساتي هذه كانت على “استحياء”. فنحن لم نعرف الفن الفرعوني، ولم ندرسه. لكنا درسنا في المقابل الفن الروماني وتأثرنا به كثيرا. وكذلك النماذج التي تعلمنا عليها كانت نماذج غربية أيضا، وهذا شيء لا يمكن أن نقيمه بأنه شيء إيجابي أو سلبي. لكنها الحقيقة التي يجب أن نقف أمامها.

فالأوربيين الذين تأملوا الفن الفرعوني فهموه وفقا لرؤيتهم. فالموضوع الأساسي الذي يجب أن نقف أمامه أننا من وجهة نظري لا يمكن أن نقدم الفن الفرعوني في الوقت الحالي، لأن تقديم الفن يتطلب أن يكون ناتجا عن معايشة وهذا أمر غير موجود في الوقت الحالي، لأن فلسفلة الحياة التي نعيشها وطريقة الحياة أيضا مختلفة عن حياتنا الآن.

من جانبها ردت الدكتورة فاطمة كشك على حديث الفنان محمد عبلة. وقالت إننا عندنا مشكلة لأننا لا تفتح بيننا دائما أي وسائل تواصل بين التخصصات المختلفة. وبالتالي أنا أعتقد أن فكرة النقل من حضارة أخرى لا يعيب الفنان، لكنه من وجهة نظري “فن”.

استنساخ الفن

عاود الدكتور فكري حسن الحديث. وقال: “أنا أتفهم ما قاله الفنان الكبير محمد عبلة بشأن “استنساخ” الفن من حضارات سابقة. فهذا أمر رفضه عبلة وأنا أتفق معه تماما. لكننا لم نتطرق لجزئية هامة. فنحن نستلهم أيضا روح المصري القديم من خلال استلهام بعض “القواعد” من هذا الفن. وهذا ما قام به عبلة في أعماله قد استلهم هذه الروح الفمصرية القديمة، ووظفها بشكل جديد من خلال أعماله. لكننا في نفس الوقت نعاني من مشكلة وهي أننا لا ندرس ولا نملك دراسات حول الفن الفرعوني، ولا نملك أي دراسات حقيقية لتحديده. فالحقيقة أننا يجب أن نعيد النظر في المفاهيم الأساسية والقواعد للرئيسية لهذا الفن.

اقرأ أيضا

تنظمه «ولاد البلد»: اليوم افتتاح النسخة الثانية من معرض «الرحلة» ببيت السناري

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر