محو ذاكرة المدينة: تدمير قلعة السلطان برقوق و100 موقع أثري في غزة

هدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي قلعة السلطان برقوق الأثري بخان يونس، بعد شموخها لفترة تزيد عن 600 عاما تحدت خلالها الحروب والكوارث الطبيعية، لتنضم لأكثر من موقع أثري تم تدميره ومحوه من تاريخ قطاع غزة خلال السبعة أشهر الماضية.

قلعة السلطان برقوق

تقع قلعة السلطان برقوق في خان يونس، ويرجع تاريخ بناءها إلى عام 1387، ويقدر عمرها بـ636 عاما وتحمل نقش بتاريخ بناء القلعة بالتقويمين الهجري والميلادي، وتقع بالمدينة التي تحمل الاسم نفسه إلى الجهة الجنوبية من قطاع غزة. تضم المدينة آثار أخرى من بينها مقام إبراهيم الخليل، ومجموعة قلاع أثرية.

يتحدث الدكتور محمد حمزة الحداد، أستاذ الآثار الإسلامية والعميد الأسبق لكلية الآثار بجامعة القاهرة عن تاريخ قلعة السلطان برقوق. ويقول لـ«باب مصر»: “القلعة بناها السلطان المملوكي برقوق، ولهذا تحمل اسمه وكان الهدف منها حماية التجار وتأمين الطرق البرية وقد بنيت لتتوسط رحلة التجار بين مصر ودمشق، تكون مكانا للراحة والاحتماء من اللصوص”.

وتابع: يُطلق على القلعة اسم آخر وهو قلعة “خان يونس” نسبة إلى يونس بن عبدالله النورزي الداودار الذي تولى مسؤولية البناء بعد طلب السلطان. تعرضت القلعة لاعتداءات عديدة في وقت سابق، من بينها في الحرب العالمية الأولى من قبل جيوش الحلفاء. ثم الاحتلال الإسرائيلي عام 1996، والذي تسبب في إزالة العديد من الأسوار وإخفاء الحجارة.

بالإضافة إلى المجزرة الأبشع التي شهدتها القلعة في عام 1956، والتي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي مع فرنسا وبريطانيا أثناء العدوان الثلاثي، بهدف القضاء على المقاومة في قطاع غزة. وتضمن قتل مئات الفلسطينيين على أبواب القلعة دون تفريق بين الأطفال والنساء والرجال.

قلعة السلطان برقوق قبل الهدم في خان يونس
قلعة السلطان برقوق قبل الهدم في خان يونس
بين مصر والشام

تتشابه مجموعة برقوق مع مجموعة لها الاسم نفسه في مصر، لأن السلطان برقوق كان حاكم مصر وبلاد الشام منذ عام 1382 حتى عام 1399، وأمر ببنائها بعد مرور خمسة أعوام على تقلده الحكم. وبعد الانتهاء من بناءها اختار الكثير الحياة بجوارها بعدما أصبح مكانها موقعا هاما في طريق التجارة بين مصر وبلاد الشام.

يستكمل د. حمزة حديثه: السلطان برقوق هو مؤسس دولة المماليك الجراكسة وهي الدولة المملوكية الثانية، من سنة 784 هجريا حتى عام 801 هجريا، ويتعلق هذا التاريخ بجملة شهيرة في مصر وهي “في المشمش” لأنها تاريخ وفاة السلطان برقوق، والشعراء نظموا له رثاء، إذ كانوا يستخدمون الشعر في تحديد المعارك والوفاة الميلاد، وكتبوا عنه “مات برقوق في المشمش” أي 801 هجريا.

ويضيف: “بلاد الشام والحجاز كانت جزءا من دولة المماليك في مصر، وكانت مصر حينها أقوى دولة في المنطقة، وقضت على جيش المغول الذي يُلقب بأنه لا يقهر. وكان العصر المملوكي هو العصر الماشي للعمارة الإسلامية، ويعتبر مناظرا للدولة الحديثة في مصر القديمة، كلاهما عصر الفخامة والقوة”.

ويستطرد حمزة: بالتالي نجد آثار فخمة جدا من هذا العصر، فضلا عن آثار وأوقاف المماليك نفسهم في الشام والحجاز والتي لا تزال موجودة. ومن أعظمها في مصر مجموعة السلطان برقوق في شارع المعز، التي أنشئت عام 687 هجريا، وهي عبارة عن مدرسة وخانقاه وجامع وملحق بها قبة للدفن وتعتبر من أفخم المجموعات المعمارية في القاهرة التاريخية، ودفن السلطان برقوق في خانقاه ابنه في صحراء المماليك”. ويختلف طراز بناء القلعة في غزة، عن طراز المجموعة في مصر إذ كان الطراز المحلي هو السائد في البناء في كل بلد.

تدمير 100 موقع أثري 

خضعت غزة للحكم المصري (أوائل القرن الخامس عشر قبل الميلاد)، ثم الفلسطيني (القرن الثاني عشر قبل الميلاد)، ثم البابلي (حوالي 601 قبل الميلاد)، حتى أصبحت مركزًا للتعليم اليوناني بعد غزو الإسكندر الأكبر (332 قبل الميلاد). غزا الرومان المنطقة في عام 63 قبل الميلاد وكانت مدينة تجارية مزدهرة، وقد فضلها الإمبراطور هادريان بشكل خاص، حيث تم بناء العديد من المعابد في عهده.

وكانت غزة آنذاك جزءًا من الإمبراطورية البيزنطية، وتبعتها سلالات إسلامية مختلفة بعد القرن السابع، حتى استولى المغول على السيطرة عليها في القرن الثالث عشر. حكمت الإمبراطورية العثمانية من القرن السادس عشر حتى الاحتلال البريطاني عام 1917.

يشير تقرير أولي صادر عن منظمة -غير حكومية مقرها إسبانيا تركز على حماية التراث الثقافي- إلى أن 104 مواقع قد تضررت أو دمرت بالكامل. تتضمن بيانات التراث من أجل السلام، المواقع الدينية التاريخية والمنازل والمتاحف والمواقع الأثرية.

ويقول إسبر صابرين، عالم الآثار السوري ورئيس منظمة التراث من أجل السلام: “يظهر التقرير أهمية تراث غزة. إنها منطقة صغيرة ولكن بها الكثير من التراث، وتضررت العديد من المساجد التاريخية في الغارات الجوية المستمرة. ومن بين الأماكن الشهيرة، قلعة السلطان برقوق، المسجد العمري، وهو مبنى يعود تاريخه إلى القرن السابع الميلادي. وقد تم هدمه بالكامل بعد وقت قصير من تفجير كنيسة القديس برفيريوس التي يعتقد أنها ثالث أقدم كنيسة في العالم”.

كما أشارت منظمة التراث من أجل السلام إلى الأضرار التي لحقت بمسجد ابن عثمان. الذي يعود تاريخه إلى القرن الخامس عشر، ومسجد السيد هاشم. حيث يعتقد أن الجد الأكبر للنبي محمد مدفون به، وتعرض متحف القرارة الثقافي، جنوب قطاع غزة، لأضرار جسيمة. وفقد الكثير من مجموعته الفخارية من العصر البيزنطي. وتدمير بيت الغصين، وهو مبنى تاريخي من أواخر العصر العثماني؛ وحمام السمارة الذي تم تشييده منذ 1320 سنة.

تدمير المقبرة الرومانية

من جانبه، أكد جهاد ياسين، مدير المتاحف والحفريات في وزارة السياحة والآثار الفلسطينية، تدمير المقبرة الرومانية التي يبلغ عمرها 2000 عام. وتم اكتشافها العام الماضي في شمال غزة. وتحتوي على عشرات القبور القديمة وتابوتين نادرين مصنوعين من الرصاص، كما تم تدمير أو إتلاف العديد من متاحف غزة.

فيما أصدر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان بيانا يوضح فيه أن إسرائيل دمرت عمدا المعالم الأثرية في قطاع غزة. في إطار حربها الدموية المستمرة في استهداف واضح للتراث الثقافي الفلسطيني. وقال الأورومتوسطي إن الهجمات الجوية والمدفعية الإسرائيلية استهدفت العديد من المواقع التاريخية البارزة والمهمة للتراث الثقافي للفلسطينيين في قطاع غزة. وقد شمل ذلك المواقع الأثرية والمباني التاريخية ودور العبادة والمتاحف. وشدد الأورومتوسطي على أن القانون الدولي الإنساني يحظر وفي كافة الأحوال الاستهداف المتعمد للمواقع الثقافية والدينية التي لا تشكل أهدافًا عسكرية مشروعة.

تدمير الذاكرة الجماعية 

تحدث د. أكرم محمود العجلة، باحث وأستاذ جامعي فلسطيني مقيم في السويد، عن تدمير التراث الثقافي في غزة في ندوة تحمل الاسم نفسه من تنظيم «مدرسة خزانة للتراث». وقال الباحث المتخصص في مجال الحفاظ على التراث الثقافي، إن تدمير ونهب التراث الثقافي في غزة يعد قضية خطيرة تستدعي الاهتمام والتصدي.

وتابع: “تعرضت غزة للعديد من الغزوات والحروب على مر العصور، مما جعلها تحمل طبقات ثقافية وتاريخية غنية. ومع ذلك، فإن التراث الثقافي في المنطقة تعرض لتهديد شديد في الوقت الحالي”. مشيرا إلى أن غزة كانت ممرا ومحلا للحروب بسبب وقوعها بين إفريقيا وآسيا، بالإضافة إلى كونها رابط للتجارة وخصوصا طريق الحرير. فترك ذلك طبقات الآثارية، واحتفى الاحتلال بتدمير المناطق الأثرية. كما احتفى قواته بوصول المنقولات الأثرية إليهم في تبجح واضح لم يدينه اليونسكو.

على حد وصفه، يرى د. أكرم أنه يتم تدمير التراث الفلسطيني بإستراتيجية عسكرية اتبعت خلال الحرب العالمية الثانية. من خلال تدمير الرموز الحضارية التي تربط الإنسان بأرضه وتدمير كافة المساجد والكنائس التاريخية والتي بنيت حديثا. أي تدمير الذاكرة الجماعية.

وتشير تصريحات د. أكرم إلى أن التراث الثقافي في غزة قد تعرض للدمار والنهب بشكل مروع. وفي عام 2005، تم تدمير بعض المواقع الأثرية وسرقة القطع الثمينة التابعة للكنائس. وقد تم وضع هذه القطع في متاحف الاحتلال في القدس المحتلة، مما يمثل سرقة للتاريخ والهوية الفلسطينية. وتم تدمير كل آثار العصور المختلفة، بما في ذلك الآثار القديمة والمملوكية والعثمانية، بالإضافة إلى المنازل التاريخية والمخطوطات. وقد تعتبر هذه الأعمال جرائم ضد التراث الثقافي والإنسانية.

ويقول: “يعتبر ذلك جزءًا من محاولة لمحو الذاكرة الجماعية للشعب الفلسطيني وتشويه هويتهم. في ظل صمت المجتمع الدولي والمنظمات الثقافية عن حماية التراث الثقافي في غزة وفلسطين بشكل عام”.

اقرأ أيضا:

البشر والحجر| 3 مواقع تراث عالمي في غزة.. هل تُدمر في قصف الاحتلال؟

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر