غضب في الأقصر بعد هدم منزل «حسن فتحي» وإعادة بنائه بشكل مخالف للتصميم الأصلي
سادت حالة من الغضب والاستياء بين أهالي قرية حسن فتحي غرب محافظة الأقصر، عقب تعرض منزل المعماري حسن فتحي، مؤسس «قرية القرنة الجديدة»، للهدم بالكامل باستخدام «لودر»، ثم إعادة بنائه دون مطابقة التصميم الأصلي، في واقعة وصفها الأهالي والمهتمون بالتراث بأنها «تعدٍ على التاريخ وطمس لقيمة أثرية نادرة».
جزء أصيل من مشروع حسن فتحي
يقول الأهالي إن المنزل، الذي كان يمثل جزءًا أصيلا من المشروع الفكري والمعماري لحسن فتحي، القائم على الجذور المصرية. كان يمكن ترميمه بدلًا من هدمه، خاصة أن أجزاء كبيرة منه كانت في حالة جيدة. لكن ما حدث ــ وفق رواياتهم ــ يعد خطأ جسيمًا في حق التراث. خصوصًا أن بعض أعمال الهدم جرت بفعل فاعل بعد تعمد تخريب جدران وقبة ومدفأة المنزل بسبب خلافات بين مهندس المشروع والمقاول.
«كنت أعرف كل حجر فيه»
يقول حسين أحمد يوسف، أحد سكان القرية وشاهد على تاريخ المنزل: “عشت في البيت من وأنا طفل، وأعرف كل شبر فيه. كانت هناك جدران سليمة يمكن ترميمها، ولم يكن يستحق الهدم الكامل. الكارثة أن ما حدث يعد إهانة لتراث حسن فتحي”.
وأضاف أنه تمت سرقة النوافذ وأبواب المنزل الأصلية قبل عملية الهدم. مشيرًا إلى أن هذا الأمر وصل إلى منظمة اليونسكو، ما أدى إلى رفضها تمويل مشروع تطوير قرية حسن فتحي. وهو ما دفع مكتب التنسيق الحضاري إلى تولى مهمة ترميم المنزل.

بداية الهدم في نوفمبر 2023
يقول ناصر أحمد عوض، أحد حُراس المنزل، إن أعمال الهدم والبناء بدأت في نوفمبر 2023. واستمرت حتى الشهر الماضي، ليفاجأ الأهالي بالمنزل الجديد وقد فقد روحه التاريخية الأصيلة.
ولم تتوقف الأزمة عند هذا الحد. إذ تعرض البناء الجديد لأعمال تخريب متعمدة بسبب خلافات بين المقاول والجهة المنفذة، وصلت إلى تحرير محاضر في قسم الشرطة. فيما يؤكد بعض الأهالي أن التخريب طال أجزاء من القبة العلوية وبعض الأسوار.
حاول «باب مصر» التواصل مع الدكتور محمد أبو سعدة، مدير جهاز التنسيق الحضاري، لنشر رده حول الموضوع، لكنه لم يجب.
تخريب متعمّد وسرقة عناصر أصلية
أما الدكتور فكري حسن، الباحث وأحد المهتمين بملف القرنة، فيؤكد أن حالة المنزل كانت قابلة للترميم ولم تستدعِ الهدم الكامل، موضحًا: “كانت هناك تدخلات بشرية أضعفت المنزل عمدًا عبر إغراقه بالمياه. ليتهدم ويتم الاستيلاء على الأرض وبناء عمارات سكنية. إضافة إلى سرقة نوافذ وأبواب البيت الأصلية قبل الهدم”.
ويرى حسن أن ما حدث يعد تشويهًا لتراث معماري عالمي، لكنه في الوقت نفسه يعتبر أن بناء نسخة جديدة أفضل من تركه للانهيار. مقترحًا تحويل المنزل إلى متحف حسن فتحي بالتعاون مع الجامعة الفرنسية، يتضمن عرض فلسفته ومراحل بناء القرية. مع استخدام عروض “الهولوجرام” لسرد قصة حياته وتنظيم فعاليات ثقافية داخل المنزل.
لافتة تعترف بالواقع
شدد الدكتور فكري على ضرورة وضع لافتة تعريفية أمام المنزل توضح الحقيقة للزوار والباحثين، قائلا: “يجب أن يعرف الجميع أن هذا ليس المنزل الأصلي. وأنه تم هدمه وبناء نموذج بديل. الشفافية ضرورية لحماية تراث حسن فتحي من التزوير المتعمد أو غير المتعمد”.
تراث عالمي بين الإهمال والنزاعات
تأتي هذه الواقعة في وقت تتزايد فيه الدعوات دوليًا ومحليًا للحفاظ على مشروع حسن فتحي باعتباره نموذجًا عالميًا للعمارة الطينية المستدامة. إذ تدرسه جامعات كبرى حول العالم، بينما يبقى الواقع على الأرض مثقلا بالصراعات، والإهمال وغياب آليات حماية فعالة لهذا التراث الفريد.
ويرى الأهالي أن ما حدث يمثل جرس إنذار لبدء حملة حقيقية لإنقاذ ما تبقى من قرية القرنة الجديدة قبل فوات الأوان. في حين يسعى آخرون لإحياء رؤية حسن فتحي وتحويل القرية إلى مركز عالمي للتعليم المعماري والسياحة الثقافية.
الانتهاء من أول مراحل تطوير المنزل
كانت محافظة الأقصر قد أعلنت في 23 ديسمبر 2021 الانتهاء من المرحلة الأولى من تطوير قرية حسن فتحي. بعد نحو 24 شهرًا من العمل لإعادة القرية إلى روحها الأصلية عقب سنوات طويلة من التدهور. وتضمّن المشروع افتتاح المسجد وعودة النشاط الديني بإشراف وزارة الأوقاف. وافتتاح قصر الثقافة والمكتبة الملحقة به. وتفعيل “الخان” كنُزل لاستقبال الفنانين. بالإضافة إلى تشغيل البازارات لعرض منتجات الحرف اليدوية التراثية.
ويهدف هذا التطوير إلى الحفاظ على فلسفة المعماري حسن فتحي القائمة على توظيف العمارة لخدمة الإنسان. والاعتماد على المواد الطبيعية المحلية. مع تعزيز الاستفادة من القيمة العمرانية والثقافية للمكان.
اقرأ أيضا:
«عمارة الفقراء»: هل فشل مشروع ترميم قرية حسن فتحي بالقرنة؟
بمشاركة 100 طيار.. الأقصر تختتم فعاليات الدورة السابعة من «إيجيبت جيت» للطيران الشراعي
بعد افتتاحها رسميا.. عودة الحياة إلى مقبرة «أمنحتب الثالث» في وادي الملوك









