عيون خلف “زخارف الأرابيسك”.. لماذا اهتم المصريون بإنشاء “المشربيات”؟

“بندور على الحقيقة في كل عيون جرئية.. بندور على الأصالة في كل لمسة رقيقة.. في صورة مشربية طلت منها الصبية”  هذه كلمات الشاعر عبدالرحيم منصور، التي كُتبت لتتر مسلسل “المشربية”، المعروض عام 1979.

النافذة الخشبية المزينة بالأرابيسك- غالبًا- تزين القصور والمنازل، اصطلح الناس على تسميتها “المشربية”، رغم تعدد أسمائها منذ نشأتها.

المشرفية والشنشول والروشان

أطلق على تلك النافذة المشربية أو المشرفية أو الشنشول أو الروشان، وهو عنصر معماري يتمثّل في بروز الغرف في الطابق الأول أو ما فوقه، ويمتد فوق الشارع أو داخل فناء المبنى.

ورجوعًا إلى معاجم اللغة فإن لفظة “مشربية” تعني: شُرْفَةٌ مِنَ المِعْمَارِالقَدِيمِ مُغْلَقَةُ ، تُطِلُّ عَلَى الأَمَاكِنِ الَّتِي حَوْلَهَا، بحسب “معجم اللغة العربية المعاصر”.

تُبنى المشربية من الخشب المنقوش والمزخرف والمبطّن بالزجاج الملون، وقد بدأ ظهورها في القرن السادس الهجري (الثالث عشر الميلادي) إبّان العصر العباسي.

متى ظهرت “المشربيات”؟

وقد ظهرت “المشربية” في مصر إبان العصر الفاطمي على الراجح، وانتشرت في أبنية القاهرة حتى مطلع القرن العشرين، حتى أصبحت عادة، سواء في إنشاء المنازل أو القصور التي كان ينشئها الأثرياء، ثم انتقلت تلك العادة إلى محافظات مصر.

خلف المشربية
خلف المشربية

الدكتور محمود عبد الهادي، مدير عام الشؤون الأثرية بمنطقة آثار نجع حمادي، يرى أن “المشربية”  هي إحدى بقايا التراث الإسلامي القديم، الذي تمسك به المصريون لفترات طويلة قبل تطور المنازل، ومن أسمائها أيضًا “المشرفية”.

المشربية والأرابيسك

وتتميز المشربيات بأشكالها المختلفة، معتمدة على فن عريق اسمه”الأرابسيك”، وهو من جنس الفنون الإسلامية، يعتمد على زخارف متداخلة ومتقاطعة وتمثل أشكالا هندسية وزهورا وأوراقا وثمارا، وهو من الفنون التي أبدع فيها المصريون.

بحسب عبدالهادي، فقد ظهر بناء المشربية في العصر الفاطمي، وكانت تصنع من أفضل أنواع الخشب، ما جعل إنشاءها في البداية يقتصر على منازل الأثرياء وقصور الملوك والخلفاء، وما دعم ذلك وقتها رواج صناعة المشغولات اليدوية والحرف والزخرفة.

تحمل “المشربية” جزءًا كبيرًا من أصالة البناء ورقته، فلا تقف عند حد أنها “مجرد نافذة”، بل الأمر يتعلق بالزينة أيضًا.

لماذا اهتم الناس بإنشائها؟

عبدالهادي يرى أن كلمة “مشربية”مشتقة من الشراب، إذ يعد مكان “القلة” من أساسياتها في بعض التصميمات، وعادة تكون في نوافذ الطابق الأول، إذ تُصمم لوضع “قلل” المياه لتكون في متناول المارة، أما “المشرفية” فهي مشتقة من شرفة، وهي لا تحتوي على مكان لوضع أواني المياه.

مشربية منخفضة- المصدر: صفحة الملك فاروق على "فيسبوك"
مشربية منخفضة- المصدر: صفحة الملك فاروق

هنا نسأل هل كانت نشأة “المشربية” بهدف سقي الماء في المقام الأول، ثم تطورت لتصبح أحد التصميمات الأساسية التي تزين البيوت؟

في الواقع إن تصميم المشربيات كان يهدف إلى شيئين أساسين: الأول هو تنظيم دخول الهواء في الصيف والاستفادة من دفء الشمس في الشتاء، والثاني هو الحفاظ على خصوصية الأهالي، إذ تتيح لهم مشاهدة المارة، ولا تيح للمارة مشاهدة الناظر من تلك المشرفيات، هذا إلى جانب تزيين البيوت.

ويقول الدكتور عبدالهادي إن المشربية كانت تعبر عن النبل والأصالة في العصور الماضية، فقد صممت للحفاظ على حرمة المنازل وعدم السماح للمارة في الشارع برؤية النساء إذا طلت إحداهن منها، وهو مبدأ يظل موجودًا سواء في تصميم المشربيات العالية أو المنخفضة.

مشاركة
المقالات والآراء المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة، بل تعبر عن رأي أصحابها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر