عن آل عبد العزيز وبوسي: فنانون بالاسم فقط!

أقول: يفترض، أو ربما أعرب عن أمنيتي فقط، أن الفنانين، بحكم الفطرة وطبيعة المهنة، يعيشون على يسار المجتمع، وأنهم الأكثر تحررا نسبيا، والأكثر إنسانية. وبحكم كونهم فنانين، يفترض أيضا أن لديهم مفاهيم أكثر تفتحا لمنظومات القيم والأخلاق السائدة، وبحكم أنهم، يفترض، يقرأون ويبحثون ويفكرون، ولديهم بعض المعرفة بتاريخ الفن والأعمال الفنية، يفترض، فإنهم يعرفون ما يعنيه الحق والخير والجمال أكثر من غيرهم (نسبيا).
لكن كل من هيأت له الظروف أن يتعامل مع نجوم الفن لدينا، يعرف أن الكلام السابق مجرد هواء في الواقع، وهراء بالنسبة لأغلبهم. وأن هذه الصفات لا تنطبق سوى على قلة قليلة منهم، غالبا ما يشعرون، ويتم إشعارهم، بأنهم غرباء وحمقى بين سكان الوسط الفني.
وعادة، يتعرض المخدوعون بالصورة التي يظهر بها بعض النجوم كأبطال طيبين شجعان كرماء حكماء، لصدمة حياتهم حين يقتربون من هؤلاء النجوم في الواقع. وقتها يدركون كم أن بعضهم أبعد ما يكون عن الصورة التي يظهر بها أمام الناس، وأن هذه النجومية، وما تجلبه من ثراء وشهرة، على العكس، كثيرا ما تجعلهم عبيدا لها، وتسبب لهم أمراضا تفوق خيال معجبيهم. وقد أتيح لي في بداية عملي بالصحافة أن أدخل بيوت الكثيرين من الفنانين. وقد تشرفت وسعدت بالفعل بمعرفة الكثير منهم، ولكنني رأيت أيضا الكثير من النفوس الصغيرة، رغم ما أنعم الله به عليهم من جاه وشهرة ومال.
ربما يتفهم المرء أن يقوم بعض الإخوة الفقراء بالاعتداء على أخيهم الأكبر الذي يمتلك القليل من الممتلكات، لأنه كتب ممتلكاته لبناته، خوفا عليهن من ضياع حقوقهن بسبب قوانين الميراث المتعسفة.
***
ربما يتفهم المرء صراعات الأبناء مع زوجات الأب، وصراع الإخوة أنفسهم على الميراث. وربما يتفهم الناس، على قد فهمهم، التطبيق الحرفي الشكلي للدين، واستغلالهم لهذه الحرفية القانونية الظالمة أحيانا، إذا كانت ستربحهم جنيها زائدا أو قطعة خشبة في أثاث ميراث متهالك.
ولكن ما قد يستعصي على فهم البسطاء أمثالي، أن يقوم نجوم أثرياء، يملكون بالفعل ملايين موروثة، وملايين يكسبونها كل عام، وملايين يتوقع أن يكسبوها في المستقبل، خاصة إذا حافظوا على صورتهم كنجوم محبوبين (حتى لو كانت زائفة). ولكن أن يقوم هؤلاء بتغليب الطمع والرغبة في الانتقام، وترك العنان لعقدهم ومشاكلهم النفسية، حتى لو أدى ذلك إلى مخالفة أبسط قواعد الأخلاق والدين (الصحيح، لا التطبيق الحرفي الغبي)، بل وأبسط قواعد المنطق وإدارة النجومية بشكل صحيح، وقبل ذلك وكله مراعاة حرمة الموتى واسم أبيهم، وحرمة المرأة التي اتخذها أبيهم زوجة له (حتى لو كان من غير ورق رسمي غبي)، وحتى لو أدى ذلك إلى الإساءة إلى الجميع.. وكل هذا من أجل ماذا؟ بضعة ملايين تافهة من عشرات الملايين التي يمتلكونها، لمراضاة زوجة أبيهم الراحل، حتى لو كانت إنسانة سيئة في نظرهم.
لك أن تتخيل، فرضا، عزيزي القارئ، أن الأبناء الذين شهدوا طوال حياتهم على وجود هذه المرأة في بيتهم كزوجة لأبيهم، وقد ذهبوا إلى المحكمة ليقفوا بجانبها في مطالبتها بإثبات حقها في زوجها، (بغض النظر عن عبث المتفلسفين عن الفرق بين الشرع والقانون، والقانون والعقل والمنطق، فالحق واضح، وروح الشرع واضحة، وروح القانون واضحة، ولكن الغرض مرض، وعبادة الروح تحيي، أما عبادة الحرف فتميت). وقد روى الزميل محمد دياب على صفحته واقعة عن شقيقتي الراحلة، الكبيرة اسما وقلبا وسلوكا، سعاد حسني، عندما ذهبوا إلى القضاء ليؤكدوا أن أختهم الراحلة كانت زوجة للسيناريست ماهر عواد أمام كل البشر، رغم أن الزواج كان “عرفيا” ولم يوثق رسميا في السجلات المدنية، وكيف أن القاضي اعترف بالزواج وضم عواد إلى قائمة الورثة.
***
بالمنطق، والحق، وجوهر الأخلاق والدين، تستحق البنات ميراث أهاليهم مثل الأولاد، إذا لم يكن لديها زوج ينفق عليها، وبالحق والمنطق وجوهر الأخلاق، يحق لأي شخص أن يترك ميراثه لمن يشاء أو يحرم منه من يشاء، وبالمنطق والحق والشرع، فإن الزواج إشهار وعشرة، وليس مجرد ورقة في دفتر يمكن لمجرم حرقه، أو على جهاز كمبيوتر يمكن لمجرم تغيير بياناته.
وإذا كانت هذه أمورا متروكة للمجتمع ومشرعيه ومدى وعي أفراده، وليست محل جدالنا الآن، فإن ما يعنينا هو موقف وأخلاق وسلوكيات من يطلق عليهم “فنانين”، يفترض أنهم الأكثر تفتحا ووعيا بجوهر الحق والخير، والأكثر إدراكا لأهمية الصورة العامة التي يصدرها الفنان عن نفسه، وأهمية أن يقرب بين هذه الصورة وحقيقته بقدر الإمكان… حتى لو كانت هذه الصورة من “عدة الشغل” التي تضمن له استمرار الشهرة والعمل وتدفق الملايين.
للأسف، ما فعله ولدا محمود عبد العزيز كشف الغطاء عن بالوعة يعيش فيها الوسط الفني- إلا من رحم ربي- من الصغائر والغيرة والنميمة والطمع. وبالمناسبة حين يسألون عن مستوى الفن في مصر، فإن أحد أهم أسباب تدنيه هو تدني مستوى كثير من العاملين فيه.
***
ما فعله ولدا الفنان الراحل يفتح الباب أمام سيناريوهات كلها سيئة: إما أن والدهما كان يخدع، ليس فقط بوسي، ولكن الناس جميعا، والله سبحانه وتعالى، حين اصطحب بوسي وحج بها إلى بيت الله.
وإما أنه كان يعتقد أن بوسي زوجته حقا وشرعا، سواء كان قد أعادها إلى عصمته رسميا، أو اعتقد أنه ردها رسميا عندما ردها شفهيا. وفي هذه الحالة، فوالدهما وبوسي زوجان شرعا، وهما كاذبان أو يستغلان القانون زورا وبهتانا لأسباب تخصهما.
وإما أن لا أحد مخطئ، وأن الأمور خرجت عن السيطرة بين الأطراف المعنية بسبب العناد أو مشاكل قديمة ظهرت إلى السطح. ولكن، مهما كانت الأسباب، فلا يعني ذلك أن يخالف المرء ضميره والحق، خاصة إذا كان في وضوح معاشرة محمود عبد العزيز وبوسي شلبي معاشرة الأزواج والعيش معا علنا لأكثر من عشرين عاما. هذه هي الحقيقة التي تجب أي ادعاء آخر، مهما كانت أسبابه. وغير ذلك، هو سلوك لا يليق بإنسان لديه الحد الأدنى من الإدراك السليم والضمير اليقظ.
وكان يفترض أن هؤلاء فنانون، لديهم، بحكم فطرتهم وتربيتهم، عقل متفتح نسبيا، وحس أكثر إنسانية، وضمير أكثر حيوية.
اقرأ أيضا:
كيف تقتطع تصريحا من سياقه وتثير زوبعة: «محمود حميدة» وعروس البحر وهجمة الترند!