عندما قال الموجى لبليغ حمدي: أنت متنفعش.. فغنت له أم كلثوم!

ذهبت صفية حمدي محررة الأزياء في مجلة «الجيل» إلى رئيس تحريرها موسى صبري، لتخبره أن شقيقها يهوى الطرب والتلحين وصوته جميل، فلماذا لا يسمعه محررو الجيل؟، ولكن لم يتحمس أحد، وألحت صفية مرة بعد المرة ولم يتحمس أحد.

لم يكن الشقيق سوي بليغ حمدي، الذى لم يكن يحتاج إلى مساعدة شقيقته، إذ اعتمد على موهبته وحدها، شق طريقه بمفرده، ليلحن أول أغانيه للمطربة فايدة كامل التى غنتها في حفل زفاف، ونجح اللحن نجاحا لم يتوقعه أحد. لتبدأ بعدها رحلة بليغ حمدي مع الموسيقي بعد أن قرر أن يترك الغناء ويعطي للتلحين كل حياته، وتبدأ شهرته.

بليغ حمدي

أمامنا الآن مقال كتب عام 1956 في صحيفة «الأخبار» بعنوان «تذكر هذا الاسم» يتنبأ فيه كاتب المقال بمستقبل باهر لبليغ حمدي، الذي كان رصيده وقتها لا يتعدى عدة ألحان ولكن المقال – غير الموقع– استطاع بعين ثاقبة أن يتوقع لبليغ حمدي ما لم يتوقعه بعض الملحنين زملاءه، فبعد هذا المقال بعام وتحديدا في ديسمبر 1957 وفي مجلة «آخر ساعة» تعرض بليغ حمدي لوابل من الشتائم والهجوم من الملحن محمد الموجي، حتى أن محرر مجلة آخر ساعة عندما نشر الخبر وصف ما قاله الموجي بـ” فرش الملاية” حيث وصف كل أعمال بليغ بالتافهة، وأنه كالرسام المبتدئ الذي يأتي بصورة رسمها غيره ويغير فيها ويلعب بريشته ثم ينسبها لنفسه واتهمه بأنه يحضر بروفاته هو وكمال الطويل ليحفظها ثم يعجنها ويخرطها ويطهيها ثم ينسبها إلى نفسه، ونصح الموجي بليغ حمدي أن يظل يستمع إلى ألحان كمال الطويل والموجي وعبدالوهاب مدة عشر سنوات قبل أن يلحن أغنية واحدة، وبقدر ما صحت تنبؤات محرر الأخبار بقدر ما حطم بليغ حمدي أحلام الموجي حين أصبح من أشهر وأنجح ملحني مصر بعد أعوام قليلة من تصريحات الموجي، فبعد ثلاث سنوات بالضبط كان بليغ على موعد مع المجد مع أم كلثوم ليلحن لها أغنية “حب إيه” في ديسمبر 1960 لتتوالى أعمال بليغ حمدي مع عبدالحليم حافظ ثم شادية وصباح ونجاة ووردة.

تذكر هذا الاسم

والآن إلى مقال صحيفة الأخبار (27 أغسطس 1956):

«يدرس القانون وسيحمل إجازة الحقوق هذا العام ولكنه وهب قلبه ووجدانه وكل مشاعره لحبه الأول والأخير.. حبه الذي لن يموت. إنه يعشق حبه ويكافح من أجله وهو بعد طالب يدرس التاريخ واللغات في المدرسة الثانوية ويجري إلى أساتذة الموسيقى في مدرسة الفن. في الرابعة والعشرين من عمره قصير القامة عنيد الإيمان يتتلمذ على أيدي عازف البيان الإيطالي جوليو والموسيقي الإيطالي أيضا كافيادس ويدرس الموشحات عن عبده قطر وأنور العلايلي.. تقدم للإذاعة كمطرب في العام الماضي ونجح وأذيعت أغانيه.. ولكن هوايته الأصيلة هى للموسيقى.. هي لخلق الألحان وبعث الأنغام.. فوهب كل وقته ليحضر ميلاد كل لحن جديد مع كمال الطويل والموجي وفؤاد حلمي وعبد العظيم محمد.. ثم بدأ هو يخرج عصارة أعماقه على الأوتار حتى التقت به المطربة فايدة كامل في استديوهات الإذاعة فأسمعها لحنا وصاحت إنه رائع وأنها تتمنى أن تغنيه وسألته عن اسم الملحن فرفض أن يبوح، وحفظت هى اللحن دون أن تعرف اسم مؤلفه، ثم نجح اللحن وبدأت الجماهير تطالب به فايدة في كل الحفلات ثم عرفت فايدة أن لحن ” ليه فاتني ليه” هو من خلق الفنان الجديد بليغ حمدي. ثم استمع منه كمال حسني إلى لحن آخر فأسرع وسجله في استديوهات جلال. وهذا الأسبوع تغني له حورية حسن لحنا جديدا.. قال لي أن دراسة القانون علمته أن يحكم بالمنطق وأن التهاب شعوره بالموسيقى يناديه دائما أن يترجم منطق العاطفة إلى اللغة العالمية التي تتعارف بها كل القلوب.. القلوب التي لا تؤمن بالمنطق».

الرسام المبتدئ 

أما تصريحات الموجي فى آخر ساعة (18 ديسمبر1957): وانتقل الموجي إلى بليغ حمدي فوصفه بأنه كالرسام المبتدئ الذي يأتي بصورة رسمها غيره فيلعب فيها بريشته أو بأصابعه ليغير لون العينين مثلا أو يضيف قصة من الشعر حتى تتغير بعض معالم الصورة ثم ينسبها إلى نفسه، فقد كان بليغ حمدي يحضر دائما بروفاتي وبروفات كمال الطويل ليحفظها ثم يعجنها ويخرطها ويطهيها ويقول أنه مؤلفها.

إن أغنية “ماتحبنيش بالشكل ده” مثلا قد صاغ ألحانها على طريقة “أنا قلبي إليك ميال” وأنا عندما أبحث عنه أو أنقده فإني لا أجد لحنا واحدا.. إن كل أعماله تافهة.. وإذا كانت مؤهلات بليغ حمدي هي مؤهل المعهد العالي للموسيقى المسرحية، فعليه أن يذهب ليدرس فقط.. وقد جاءني بليغ حمدي يوما لألحن له فقلت له :روح يا ابني أنت متنفعش!

إن واجبه الآن إذا أراد أن يصبح ملحنا فقط أن يظل يستمع لي ولكمال الطويل ولعبدالوهاب وإلى الموسيقيين جميعا عشر سنوات قبل أن يلحن أغنية واحدة.

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر