دليل الفعاليات الثقافية فى مصر

الدليل - تعالى نخرج

على مدار 4 أيام.. «الخارجة» تحتضن مهرجان الرياضات التراثية والفنون الدولية

على مدار أربعة أيام، احتضنت مدينة الخارجة بالوادي الجديد فعاليات «مهرجان الوادي الجديد الدولي للرياضات التراثية والفنون»، بمشاركة محافظات مصرية ودول عربية شقيقة. شهد المهرجان عروضا رياضية وتراثية متنوعة، شملت سباقات الإبل والخيل، والعروض الفلكلورية، والأهازيج الشعرية، والأنشطة اليدوية، في تجربة أكدت أن التراث المصري ما زال حيا وقابلا للحياة والممارسة.

«القرية التراثية».. نافذة على حياة البدو

بدأت القصة من “القرية التراثية” شمال مدينة الخارجة. فبمجرد أن تطأ قدماك المكان، تأخذك الروائح المنبعثة من مواقد الطهي البدوي إلى زمن الأجداد. لم يكن الأمر مجرد معرض، بل لوحة حية. حيث اصطفت الأجنحة لتعرض إبداعات 9 محافظات مصرية، إلى جانب أجنحة الدول العربية الشقيقة.

في إحدى الزوايا، كان “الفرح البدوي” هو الحدث الأبرز الذي خطف أنظار الوفود الدولية. طقوس زفاف كاملة بدأت من تزيين “الهودج” فوق الجمل، مرورا بـ”الزفة” التقليدية، وصولاً إلى الأهازيج النسائية التي صدحت في سماء الواحة. هذا المشهد لم يكن تمثيلاً، بل استحضارا لروح المجتمع الواحاتي وتفاصيله الدقيقة.

ويؤكد محمد سليم، عضو جمعية التراث السيناوي، قائلا: “جئنا من أرض الفيروز إلى أرض الواحات لنؤكد رسالة واحدة، وهي أن التراث البدوي المصري جسر ممتد لا تقطعه المسافات. مشاركتنا في المهرجان ليست مجرد تمثيل لسيناء. بل هي امتزاج ثقافي بين قبائل الشرق والغرب”.

وأضاف أن الجمعية حرصت على تقديم ألوان من التراث السيناوي، سواء في المشغولات اليدوية المطرزة بدقة. أو من خلال الشعر والأهازيج التي تشابهت إلى حد كبير مع موروث أهل الوادي الجديد. مؤكدا أن المهرجان أثبت امتلاك مصر كنزا حضاريا قادراً على جمع العرب في خيمة واحدة”.

لقطات من العرس السيناوي في مهرجان الوادي الجديد الدولي للرياضات التراثية والهوية.. تصوير: هدير محمود
لقطات من العرس السيناوي في مهرجان الوادي الجديد الدولي للرياضات التراثية والهوية.. تصوير: هدير محمود
سباقات الإبل والخيل.. مزيج من السرعة والدقة

على صعيد المنافسات، اشتعلت الرمال حماسا، إذ شهد نادي الهجن والفروسية سباقات قوية جمعت بين القوة والمهارة. بمشاركة 80 جملا من سلالات عربية أصيلة. قادمة من محافظات الإسماعيلية، وسوهاج، وقنا، والأقصر، وشمال وجنوب سيناء، إلى جانب أصحاب الأرض من الوادي الجديد.

أما سباقات الخيل، فكانت سيمفونية أخرى عزفتها حوافر 60 حصانا عربيا، في منافسات القدرة والتحمل وجمال الخيول. بمشاركة فرسان من الشرقية ومطروح وأسوان. ولم يقتصر الأمر على السرعة، بل امتد ليشمل دقة “الرماية بالقوس والسهم”، حيث شارك 28 لاعبا. من بينهم أربعة دوليين من الإمارات والكويت وتركيا والأردن، أطلقوا سهامهم من وضع الثبات ومن فوق ظهور الخيول، في استعراض حبس أنفاس الحضور.

الرماية بالسهام والسلوقي.. تراث حي للأجيال الجديدة

في سابقة تعكس التنوع، شاركت الطيور الجارحة في المنافسات. إذ حلق 24 طائرا (21 صقرا و3 عقبان) في سماء المهرجان بالتنسيق مع “الجمعية المصرية للقنص”. بينما انطلقت سبعة من كلاب “السلوقي” في سباقات الصيد، لتؤكد أن رياضة الآباء لا تزال حية في عروق الأحفاد.

وقال الكابتن هاني الفصام، مشارك من دولة الكويت لـ«باب مصر»، إنه مدرب وحكم دولي في الرماية والقوس والسهم التقليدي. معربا عن سعادته بتلبية الدعوة إلى مصر عامة، ومحافظة الوادي الجديد خاصة، معتبرا أن المهرجان خطوة مباركة في تبادل الثقافات التراثية بين مصر والكويت والدول العربية.

وأوضح أن قواعد الفروسية متشابهة في أساسها بين الدول، مع بعض الاختلافات البسيطة، مثل نوعية السروج والملابس التقليدية. مشيرا إلى أن الفرسان في الكويت يرتدون “الدجلة” و”المحزم” و”الغترة والعقال”، وهي رموز للشموخ والعزة والكرامة العربية الأصيلة.

“الزملوط”: منصة دبلوماسية شعبية تربط مصر بالدول العربية

في حديث خاص حول دلالات الحدث، أكد اللواء دكتور محمد الزملوط، محافظ الوادي الجديد، أن المهرجان تجاوز كونه حدثا رياضيا، ليصبح منصة دبلوماسية شعبية.

وقال الزملوط إن استضافة الوادي الجديد لهذا التجمع الدولي، بحضور وفود رفيعة المستوى من السعودية واليمن والسودان وغيرها، تمثل رسالة سلام ومحبة من أرض مصر، مضيفا: “نحن لا نحيي التراث لنبكي على الأطلال. بل لنستلهم منه قوة تدفعنا نحو المستقبل”. وأشار إلى افتتاح منشآت جديدة. مثل “نادي الرماية والصيد” – الأول من نوعه بالمحافظة – بالتزامن مع المهرجان، يعكس رؤية الدولة لتنمية المناطق الحدودية. وتحويلها إلى مراكز جذب سياحي ورياضي عالمي.

وأوضح الكابتن أحمد عبد الكريم، مدرب السلوقي وأحد المشاركين، أن التواجد في الوادي الجديد لم يكن مجرد مشاركة في مسابقة. بل عودة للجذور في بيئة صحراوية بكر تعد المسرح الطبيعي لرياضة الصيد السلوقي. معتبرا أن المهرجان أعاد الاعتبار لـ”المقانص” كجزء أصيل من الهوية العربية.

وأضاف عبد الكريم بحماس أن المنافسة كانت قوية للغاية، نظرا لارتفاع مستوى تدريب الكلاب المشاركة، مشيدا بالتنظيم واهتمام المسؤولين بتخصيص مضمار ومسابقات رسمية لرياضة السلوقي. ما يمنح دفعة قوية للحفاظ على السلالات العربية الأصيلة وتوريث فنون تدريبها للأجيال الجديدة. مع الطموح لتحويل الفعالية إلى بطولة دولية سنوية على أرض الواحات.

“صبحي”: بنية تحتية متطورة لدعم المهرجانات الرياضية

خلال تفقده فعاليات الختام، شدد الدكتور أشرف صبحي، وزير الشباب والرياضة، على الدعم اللوجستي والفني الكامل الذي توليه الوزارة لمثل هذه الفعاليات النوعية.

وصرح الوزير قائلا: “ما شهدناه في الوادي الجديد هو ترجمة حقيقية لاستراتيجية بناء الإنسان. المهرجان جمع بين الرياضة والثقافة والفن، والأهم من ذلك أنه أُقيم على بنية تحتية رياضية متطورة. افتتاح نادي الرماية بمواصفات دولية، وإطلاق شعلة أولمبياد المحافظات الحدودية من هنا، يؤكد أن الدولة المصرية تصل بالتنمية إلى كل شبر في أرضها. نحن هنا لندعم سياحة المهرجانات الرياضية التي تضع محافظاتنا الحدودية على الخريطة العالمية”.

صناعة الخبز من التراث السيناوي.. تصوير: هدير محمود
صناعة الخبز من التراث السيناوي.. تصوير: هدير محمود
الجنود المجهولون.. التنظيم وراء الكواليس

خلف الكواليس، كانت هناك خلية نحل لا تهدأ لضمان خروج الصورة بهذا الشكل المشرف. وهنا يأتي دور مديرية الشباب والرياضة.

أوضح محمد فكري، وكيل وزارة الشباب والرياضة بالوادي الجديد، حجم الجهد المبذول، قائلا: “التحضير لهذا المهرجان استغرق شهوراً من العمل المتواصل. لقد استهدفنا مشاركة أكثر من 250 شاباً وفتاة من أبناء المحافظات المختلفة في العروض الفنية والرياضية والألعاب الشعبية، مثل (السيجة والتاب). وكان هدفنا دمج الشباب في موروثهم الثقافي”.

ختام المهرجان.. شعلة أولمبياد المحافظات الحدودية رمز للمستقبل

في الحفل الختامي، الذي أقيم بقاعة المؤتمرات الكبرى، وبينما كان القارئ الشاب “محمد أحمد حسن” يتلو آيات الذكر الحكيم، كانت الأجواء مشحونة بالفخر. جرى تكريم الفائزين، وتسليم الدروع للرعاة والوفود، لكن الجائزة الكبرى كانت تلك “الروح” التي سادت المكان.

ومع إطلاق “شعلة أولمبياد المحافظات الحدودية”، أُعلن انتهاء المهرجان رسميا، لكن صدى تلك الأيام سيظل يتردد في أرجاء “الواحة”، شاهدا على أن الوادي الجديد ليست مجرد محافظة نائية. بل هي قلب ينبض بالتراث، ووجهة واعدة لمستقبل يجمع بين أصالة الماضي وحداثة الغد.

اقرأ أيضا:

بين الظل والرمال.. القصة الكاملة لـ«معبد بيريس» المفقود في الوادي الجديد

السينما في «الواحات».. حين تتحول الصحراء إلى استديوهات مفتوحة

الواحات تحافظ على تراثها.. «فخار القصر» رمز الحرف اليدوية المستدامة

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر
إغلاق

Please disable Ad blocker temporarily

Please disable Ad blocker temporarily. من فضلك اوقف مانع الاعلانات مؤقتا.