«عامر توفيق» شيخ مهرجان التحطيب: العصا علمتني المسامحة قبل القوة
خمسون عاما قضاها «عامر محمد توفيق» في ممارسة لعبة التحطيب، حتى أصبح شيخا للمهرجان القومي للتحطيب بالأقصر، الذي يقام سنويا منذ تسعينيات القرن الماضي. «عامر»، الذي تدرج في الوظائف التعليمية بإدارة تعليم قوص بمحافظة قنا، لم تمنعه وظيفته من ممارسة هوايته المفضلة، التي يراها امتدادا مباشرا لإرث أجداده.
فرخ الصنعة
منذ أن كان في العاشرة من عمره، قرر عامر تعلم اللعبة، فظل لسنوات يراقب حلقات التحطيب التي كانت تقام في قريته. تعرف أولا بشكل نظري على قواعدها وفنونها، والأهم على آدابها واحترامها. ثم بدأ التعلم العملي على يد معلمي التحطيب. ويؤكد أنه لا بد في اللعبة أن يكون لك “عم” تتعلم على يديه. إذ لا يوجد في التحطيب ما يُعرف بـ””فرخ الصنعة”، أي من لم يتعلمها على يد عم. وهو شخص لا يعترف به لاعب تحطيب من الأساس، على حد قوله.
أتقنت اللعبة بعد الأربعين
يقول عامر: “كنت حتى سن الأربعين ألعب بخوف وتردد أحيانا، لكن بعد ذلك أتقنت اللعبة. وبدأت ألعب مع أي شخص دون خوف أو تردد، باستثناء شخص واحد كنت أخاف منه، وهو العم جابر محمد عمر، الذي كان يمتلك هيبة ربانية تفقدك التركيز والانتباه”.
ويتابع: “سافرت إلى معظم محافظات ومراكز مصر، من القاهرة في السيدة زينب والحسين، إلى سوهاج ودشنا ونجع حمادي، مرورًا بإسنا وإدفو، وصولًا إلى أسوان. في كل مكان، كنت أختبر مهاراتي وأكسب احترام خصومي قبل جمهورهم. لم أتعدً أو أؤذً أحدا، فلم تكن لي خصومات”.
الماضي والحاضر في لعبة التحطيب
يتحدث عامر بحسرة عن الفارق بين الماضي والحاضر في لعبة التحطيب، قائلا: “في السابق كان “أدب العصا” هو الحاكم؛ احترام الكبير. وعدم جلوس الصغير بجواره في ساحة اللعب، والالتزام بقواعد غير مكتوبة. فالتحطيب عنوان للرجولة والفروسية في الصعيد، “لعبة رجال فقط”، لا تقوم على التكبر أو الاستعراض. بل على السمعة الطيبة وكسب محبة الناس”.
وفي عُرف التحطيب، تعد المسامحة جزءا من الرجولة مثلها مثل القوة. ويروي عامر موقفًا تعرض فيه لضربة غير محسوبة من أحد الخصوم، فقرر ردها، ظل يلاحقه ثلاث أو أربع سنوات في كل مكان يذهب إليه. حتى انتهى الأمر بالصلح “لوجه الله”. بالنسبة له، المسامحة لا تقل قيمة عن القوة.
شيخ العصايا.. السن والخبرة
يشير عامر إلى أنه يشارك في مهرجانات التحطيب منذ عام 1994. وبعد وفاة الشيخ السابق، مودي العارف، تولى منصب “شيخ العصايا”. وهو منصب لا يُمنح إلا لمن يمتلك السن والخبرة، ليحكم بين اللاعبين، ويميز الضربة الصحيحة من الخاطئة، ويصون روح اللعبة.
التحطيب في الأفلام لا يمت بصلة للعبة الأصلية
ينتقد عامر ما يُقدم عن التحطيب في السينما والمسلسلات، معتبرًا أنه تمثيل لا يمت للعبة الحقيقية بصلة. فالممثل، في رأيه، قد يتعلم مسك العصا وتقليبها خلال شهر، بينما يحتاج اللاعب الحقيقي إلى عام كامل لتعلم الأساسيات فقط. كما يرى أن المهرجانات الحديثة خلطت بين التحطيب القتالي ورقص العصا. في حين يحرص هو على تقديم التحطيب كفن أصيل له أصوله وقواعده.
وحول هذا الخلط، يشير إلى أن المهرجان كان في السابق مخصصا للاعبي التحطيب فقط. لكن بعد وفاة عبدالرحمن الشافعي، مؤسس المهرجان، جرى إدخال عروض فرق الفنون الشعبية، ما غيّر من هوية المهرجان. وبدأت الناس تخلط بين رقص واستعراض العصا ولعبة التحطيب. وهو ما دفع العديد من اللاعبين المحترفين إلى العزوف عن المشاركة.
المهرجان أحيا اللعبة ولطف من عنفها
يختتم عامر حديثه قائلا: “يُحسب للمهرجان أنه أحيا اللعبة التي كانت توشك على الاندثار بفعل المدنية والحداثة. حيث بدأ كثير من الشباب يعزفون عنها باعتبارها تخلفا وجهلا. لكن مع إعادة إحيائها وتعريف الأجيال الجديدة بتراث أسلافهم، وتقديمها بصورة عصرية راقية، عاد الشباب للاهتمام بها، ولطف من حدة عصبيتها وعنفها. كما ساهم المهرجان في تعريف السائحين بهذه اللعبة ذات الجذور الفرعونية. وصولا إلى إدراجها على قائمة التراث الثقافي غير المادي بمنظمة اليونسكو”.
وعن تميز محافظة أو مركز بعينه في التحطيب، يؤكد أن الصعيد بأكمله مليء بالمحترفين، من سوهاج إلى قنا وإدفو. ولا يمكن تفضيل مكان على آخر، فلكل لاعب أسلوبه وعصاه التي تميزه.
اقرأ أيضا:
عودة تمثالي أمنحتب الثالث: رحلة 27 عاما من الترميم بـ«معبد ملايين السنين»
حصاد الكركديه في «توماس».. إرث نوبي ومصدر رزق للسيدات
الأقصر تتألق بالفن.. 23 فنانا عالميا يشاركون في ملتقى التصوير الدولي







