عاصر ثلاثة ملوك.. قصة "عقد" زواج وطلاق أم الخير المكتوب على منسوج أثري

تقول الدكتورة سعاد ماهر، في مقال نشرته مجلة الأزهر عام 1961 عنوانه “عقود الزواج على المنسوجات الأثرية”، نقلًا عن كتابها الذي يحمل نفس العنوان، إنها عثرت على عقدي زواج وطلاق، بمتحف الفن الإسلامي، مكتوبين على قطعة من النسيج الأثري، يرجع تاريخها إلى فترة القرن الثامن الهجري، ولذا فإنها تعد من أقدم العقود التي عثر عليها حتى الآن.
وتوضح أن قطعة القماش مصنوعة من القطن غير المبيض والمنسوج بطريقة النسج العادي، وقد غمس في مادة نشوية بيضاء لتكسبه اللون الأبيض الناصع، ولتسد مسامات النسيج، ليصبح ذا سطح أملس، يصلح للكتابة عليه.
وتضيف أن القطعة تحمل نصًا مكتوبًا بالمداد الأسود، وبطريقة خط الرقعة، ويتكون النص المكتوب من اثنين وثلاثين سطرًا، منها ثلاثة عشر سطرًا هي عبارة عن “الخطبة”، والباقي هو صلب العقد، مشيرة إلى أن الوثيقة حوت عقد زواج وطلاق، أميرة تدعى “أم الخير”.
وبحسب الدكتورة سعاد، فقد افتتح العقد بالبسملة والحمدلله والصلاة على رسول الله محمد – صلى الله عليه وسلم – وسرد آيات قرآنية وأحاديث نبوية تحض على الزواج وتوضح أهميته، ثم ٍ يدخل محرر الوثيقة في صلب العقد، حتى يستأنف في نهاية الخطبة: “هذا كتاب صداق وعقد توثيق واتفاق”.
الزوج والزوجة  
واستهل صلب العقد بتعريف الزوج وتوثيق إقراره الزواج من العروس، مع توضيح وتوثيق نسب الزوجة كتابة وشهودًا، وتورد الوثيقة: “اكتتبه المقر الأمير الأجل علي سراج الدين عمر بن جمال بن حامد بن مرجان بن عمار بن حامد بن عمار الجاهلي، لمخطوبته الأميرة الجليلة المصونة البكر البالغ المعدة أم الخير، ابنة الأمير الأجل المرحوم ركن الدين الحسن بن الحسين ابن الأمير المرحوم شجاع الدين الجناب العالي المولوي الأمير الأجل المحسن المختار عضد الدولة مالك ابن الأمير صارم الدولة أبي عبد الله محمد بن الأمير المجاهد أبي الفتح نصر ابن الأمير عضد الخلافة ابن ثعلبة زين الدولة بن حنيفة قصي بن دعمي ابن جديلة بين ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان”.
إقرار الزواج
وطبقًا للعقد، يقر الزوج أنه تزوجها ومهرها من الذهب المصري المثاقيل المسكوك الجيد، خمسمائة دينار، الحال من ذلك مائة دينار واحدة، وباقي ذلك وهو من غير تكرار أربعمائة دينار، يقوم بها الزوج مقسطة لها عليه إلى أن تقضي عشر حجج من تاريخه، وهو إلى عشرين رمضان سنة أربع وثلاثين وسبعمائة”.
وكيل العروس
وبحسب الوثيقة فإن الوكيل هو شهاب الدين أحمد بن ماهر ابن سيدهم، النقيب بباب الشرع الشريف بثغر أسوان المحروس، وقد حضر وكيلًا عن شقيقها جمال بن محمد.
عاشروهن بالمعروف
وتورد الوثيقة وصية الزواج للعروسين، وأهمها المعاشرة بالمعروف وتقوى الله “على الزوج المذكور أن يتقي الله عز وجل فيها ويحسن صحبتها ويعاشرها بالمعروف وبالخلق الرضى المألوف، وله مثل الذي لها عليه ودرجته زائدة، لقوله تعالى “وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم” – الآية 228 سورة البقرة.
شهود الأهلية
وتوضح الدكتورة سعاد ماهر أن العقد وعلى غير المألوف حوى شهودا على شخصية الزوجة وأهليتها وخلوها من الموانع الشرعية للزواج، وبحسب الوثيقة يقر الشهود بأن الزوجة مسلمة عاقلة حرة صحيحة العقل والبدن خالية من الموانع الشرعية، وتورد الوثيقة: “فحينئذ أُمر بكتبه فكتب فزوجها من الزوج المذكور بالصداق المسطر عاليه، حاله ومؤجله”.
شهود العقد
وتضيف الدكتورة سعاد ماهر أنه في نهاية العقد أربعة شهود يقرون بصحة العقد وهم على الترتيب، بعد نص الشهادة وهو “حضرت عقد النكاح وشهدت على المذكورين فيه فيما نسب إليهم وأشهد على الزوجة بقبض الحال”.
الشاهد الأول: عمر بن محمد بن عمر بن عبد العزيز.
الشاهد الثاني: علاء الدين علي.
الشاهد الثالث: محمد بن الحسين محمد بن عبد العزيز.
الشاهد الرابع: محمد بن عبد العزيز بن محمد.
طلاق أم الخير
وتلفت سعاد ماهر إلى وجود نص مكون من ستة أسطر على الجانب الأيمن من وثيقة الزواج مكتوب بشكل عرضي، وهو عبارة عن نص وثيقة طلاق نفس السيدة “أم الخير”، وتورد وثيقة الطلاق: “أنه ثبت عنده (القاضي) بمحضر من جاز سماع كلامه، مسموعة دعواته على الأوضاع الشرعية، ما تضمنه المحضر المسطر باطنه المبني على استحقاق أم الخير المذكور قرينه للفسخ من بعلها، المذكور قرينه بحكم عينيته وإعساره وتقريرها بذلك كما هو مشروع في المحضر المذكور باطنه بشهادة الشهود الأربعة، وقالوا أنهم عارفون بالزوجين المذكورين”.
وتنوه الدكتورة سعاد ماهر بأن وثيقة الطلاق تشير إلى تعرض الزوجة إلى الضرر والمتمثل في إعسار زوجها المادي، مشيرة إلى أن المقريزي ذكر في كتابه “إغاثة الأمة” أن الأحوال الاقتصادية ساءت جدًا في مصر خلال الفترة ما بين القرنين السابع والثامن الهجري، حتى أن الملك محمد بن قلاوون في سنة 736 هجرية من شهر رجب، حين ضج إليه الناس بسبب غلاء القمح وندرة المعايش، جمع الأمراء وقال: “لهم يا أمراء شهر عليكم وشهر على الله”.
ثلاثة ملوك
وتلفت الدكتورة سعاد ماهر إلى الفترة التاريخية بين عقد زواج أم الخير في سنة 734 هجرية، وبين عقد طلاقها في 4 ربيع الأول سنة 742 هجرية، عاصرت ثلاث ملوك من دولة المماليك البحرية وهم:
(1) الملك الناصر محمد بن قلاوون في ولايته الثالثة (709 إلى 741 هجري).
(2) الملك المنصور أبو بكر بن محمد بن قلاوون (21 ذي الحجة سنة 741 وتوفي في 21 من صفر سنة 742 هجرية).
(3) الملك الأشرف علاء الدين كجك بن الناصر محمد بن قلاوون (21 من صفر سنة 742 هجري) ، وبحسب الدكتورة سعاد ماهر فقد حدث طلاق أم الخير بعد ولايته بـ13 يومًا.
_________________________
هوامش:
عقود الزواج على المنسوجات الأثرية (مقال) منشور بمجلة الأزهر عام 1961 – رقم العدد غير معروف – الصفحات (94 إلى 97).
* الصورة المرفقة من تصوير المحرر وهى منشورة طى المقال ص 96.

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر