عادات عيد الأضحى في مصر.. طقوس وثقافات لا تتغير

في كل عام، ومع طلوع شمس يوم عرفة، يبدأ المصريون رحلة روحانية واجتماعية مميزة، عنوانها المحبة والتقوى والتقارب العائلي. عيد الأضحى المبارك، أو كما يحب أن يسميه المصريون “العيد الكبير”، ليس مجرد مناسبة دينية، بل هو احتفال متجذر في العادات والطقوس التي تراكمت عبر أجيال، واحتفظ بها المصريون رغم تغيرات العصر.
وتبدأ طقوس العيد منذ يوم الوقفة (يوم عرفة)، حيث يحرص كثير من المصريين على صيام هذا اليوم العظيم، طلبًا للأجر والثواب. وتُعد ليلة الوقفة من الليالي المميزة، إذ تنشغل الأسر بالتحضير والاستعداد ليوم العيد، سواء بتنظيف المنازل، أو شراء المستلزمات، أو تجهيز أدوات الذبح.
زفة الأضاحي: مشهد لا يغيب عن الذاكرة
من أجمل الطقوس التي تسبق صباح العيد، هي تلك الزفة الشعبية التي يقودها الأطفال في الأحياء الشعبية والريفية> حيث يسيّرون العجول والخراف وسط بهجة موسيقية وتصفيق، حاملين الزينة والبالونات، فرحين بمقدم الأضحية. وكان الأطفال قديما يرددون بعض العبارات المأثورة مثل: “من ده بكرة بقرشين”.
ومع انطلاق تكبيرات العيد فجرا، يتزين الرجال والأطفال بالجلباب الأبيض. بينما ترتدي النساء والفتيات العبايات الملونة مع الحجاب، ويخرج الجميع لأداء صلاة العيد في الساحات والميادين. وسط أجواء من الإيمان والخشوع، لا تخلو من البهجة وتبادل التهاني والابتسامات.
ذبح الأضحية: لحظة تتجدد كل عام
بعد الصلاة مباشرة، يتوجه المضحون إلى أماكن الذبح. حيث تذبح الأضاحي وسط تجمع أفراد العائلة والجيران. وتوثق اللحظة بالتقاط الصور التذكارية، قبل أن تبدأ عملية توزيع اللحوم على الفقراء والأقارب والأصدقاء. في مشهد يعكس قيم التكافل الاجتماعي.
ويقول باهر حمزة، تاجر من بورسعيد: “اعتدت كل عام ذبح أضحية قبل الوقفة. وأخرج لحومها كصدقات حتى أوفر اللحوم لبعض الأسر الأولى بالرعاية، والأهل والأصدقاء والمعارف، وعقب الصلاة أضحي بخروف آخر تعظيما لشعائر الله. ثم أحرص على اصطحاب أسرتي وأولادي الذكور لنقوم بتوزيعها وتبادل المعايدات مع الجميع”.
وكانت من العادات القديمة غمس كفوف اليدين وطبعهما على الجدران والحوائط، ليعرف الجميع أنه هنا تم ذبح الأضحية، وتباركا في اعتقادهم بدمها. ولكن مع مرور السنين، اندثرت هذه العادة. وأصبحت الصورة السيلفي ومقاطع الفيديو القصيرة “ريلز”، جزءا من ثقافة شعب وتوثيق يومي لكل لحظة نعيشها خاصة في الأعياد والمناسبات.
وجبة الإفطار المميزة: الكبدة والكلاوي على الطريقة المصرية
تبدأ أولى وجبات العيد عقب الذبح مباشرة. حيث تحرص العائلات على إعداد الكبدة والكلاوي في وجبة إفطار شهية. تطهى إما بالسمن البلدي مع الفلفل الأسود والملح. أو على الطريقة الإسكندرانية بإضافة الثوم، الشطة، الفلفل الأخضر، الخل، والليمون، وتقدم مع الخبز الطازج.
الفتة: طبق العيد المصري بامتياز
عندما يحين موعد الغذاء، لا يكتمل عيد الأضحى دون طبق الفتة المصرية الأصيلة. التي تتكون من طبقات من الخبز المحمص، والأرز الأبيض، والشوربة، وصلصة الطماطم بالخل والثوم، وتزين بقطع اللحم المسلوق والمحمر. الفتة ليست مجرد طعام، بل طقس عائلي يحمل نكهة الذكريات.
تقول منى عبد الحليم، ربة منزل: “لا أشعر بالعيد حتى أجمع أولادي وبناتي وزوجاتهم وأزواجهن وأحفادي. في أول أيام عيد الأضحى، عقب صلاة العيد، نتناول جميعا فطور الكبدة وسلطة الطحينة واللحم المحمر. ثم أقوم بتجهيز الغذاء، والذي لا بد أن تكون الفتة بالخل والثوم جزءا من مائدتنا وبجانبها اللحم المطهو مع صينية البطاطس، والملوخية، وصينية الرقاق باللحم المعصج”.
الفتة الحمراء أو الفتة الصعيدي: تراث الجنوب
في بعض البيوت، خاصة لدى العائلات التي تنحدر من صعيد مصر، يُفضلون “الفتة الصعيدي” أو كما تعرف بـ”الفتة الحمراء”. تقول السيدة جملات محمد، ربة منزل من بورسعيد ومن أصول صعيدية، إنها توارثت طريقة إعدادها من والدتها الحاجة نعمات. إذ يتم تحمير البصل حتى الكرملة. ثم تطهى اللحوم بداخله، وتعد الفتة بطبقات من الرقاق المُسقى بـ”الشوربة الحمراء”، وتزين بقطع اللحم المشبع بالنكهة.
ويطلق المصريون على عيد الأضحى عدة أسماء تعكس ثقافتهم وحبهم له. فإلى جانب كونه “العيد الكبير”، يسميه البعض “عيد الأكل” أو “عيد اللحمة”، نظرا لما يشهده من تنوع في وصفات طهي اللحوم. تشوى اللحوم أو تطهى في طواجن مع الخضروات، وتقدم مع المحاشي والممبار والكوارع.
الكوارع والمحاشي: تطور في الطهي وتنوع في الأطباق
كانت الكوارع قديمًا ترتبط فقط بـ”الفتة” كما شاهدناها في أفلام الأبيض والأسود، أما اليوم فقد تطورت طرق طهوها. حيث تقدّم في طواجن مميزة، سواء محشوة بالخضروات أو مضافة إلى ورق العنب المحشي، أو تُشوى بعد نزع العظام منها، لتلائم الأذواق الحديثة.
الزيارات والتواصل العائلي: طقس اجتماعي راسخ
لا يكتمل العيد بدون زيارات الأهل والأصدقاء، وتبادل المعايدات والهدايا. وتعد جلسات الشاي والحلويات جزءًا لا يتجزأ من الطقوس. يعتمد الكثيرون على ملابس عيد الفطر التي اشتروها مسبقًا. ما يعكس حس التوفير والتدبير المصري التقليدي.
ولا تقتصر الزيارات العائلية على الأحياء فقط في العيد، ولكن كان للأموات في قبورهم نصيب، حيث يحرص العديد من الأهالي على زيارة القبور وقراءة الفاتحة لذويهم وأقاربهم، ومعايدتهم، وفي محافظة بورسعيد يتم وضع أغصان الجريد والخوص على مشاهد القبور، وأيضا وضع الحبوب التي تأكلها الطيور، كنوع من الصدقات وفي اعتقادهم أنها رحمة ونور على قبور أحبائهم.
طقوس عيد الأضحى في مصر: إرث لا يندثر
رغم تغير الزمن وتطور العادات، تبقى طقوس وعادات عيد الأضحى في مصر من أعمق المظاهر الثقافية والاجتماعية المرتبطة بالهوية المصرية.
هي أيام تملؤها الروحانية، والعطاء، والفرح، والتقاليد التي لا تموت، وإن اختلفت بعض التفاصيل، تبقى القيم واحدة: الرحمة، الصلة، والتكافل.