صور| قلعة همام وتاريخ شيخ العرب

تصوير: سمر شومان
قلعة همام أو دار همام كما يسميها أغلب ساكني منطقة قرية “العركي”، بمركز فرشوط شمالي محافظة قنا، تعتبر قلعة همام آخر أطلال من الآثار الباقية التي خلفها همام “شيخ العرب”، هي ومسجده الذي بناه في فرشوط وزعيم قبائل الهوارة، ولكن من هو همام وما هي أهمية تلك القلعة التي بناها همام؟ هذا ما سنعرفه في السطور التالية:

والي الصعيد

“الجناب الأجل والكهف الأظل، الجليل المعظم والملاذ المفخم الأصيل الملكي ملجأ الفقراء ومحط الرجال الفضلاء والكبراء شيخ العرب الأمير شرف الدولة همام بن يوسف بن أحمد بن محمد بن همام ابن أبو صبيح سيبة.. عظيم بلاد الصعيد ومن كل خيره يعم القريب والبعيد” بهذه الكلمات  رثي “الجبرتي” شيخ العرب  همام في كتابه “عجائب الثأر في التراجم والأخبار”.
ولد همام بن يوسف بن أحمد بن محمد بن همام بن أبو صبيح سيبة في مركز فرشوط شمالي محافظة قنا لعام 1709 ميلاديًا، نشأ همام في بيت ورث الثراء و المكانة أبًا عن جد، حيث كان ابنًا للشيخ يوسف بن الشيخ أحمد محمد همام، الذي آلت إليه زعامة قبائل الهوارة، والتي تتمتع بثراء واسع، فمنذ أن نزل الهوارة إلى الصعيد و استقروا في جرجا، امتدت سطوتهم فيها واتسع ثرائهم، وعادة ما كان كبيرهم يقيم في فرشوط، وله نفوذ في كافة أنحاء الصعيد، وظلت لشيوخها رئاسة الصعيد والسيطرة على الحكم فيه، حتى عام 893 هـ، وكانت الأسرة الهمامة التي ينحدر منها هو على صلة طيبة بالفلاحين في الصعيد، واستطاعت بما توفر لها من عصبة قبلية قوية حمايتهم من المظالم التي كانت تلحق بنظائرهم في جميع أرجاء مصر، في حكم علي بك الكبير وساعدهم على ذلك امتلاكهم معظم أراضي الصعيد، الذي توارثها همام عن والده وجده.

تاريخ قرية العركي

تقع قلعة همام في “قرية العركي” والتي تقع بحاجر الجبل الغربي جنوب غرب مدينة “فرشوط “بحوالي 6 كيلو متر في مواجهة وادي الحول، وهو المدخل الرئيسي لطريق “درب الأربعين”، ويعتبر درب الأربعين هو درب أو طريق تسلكه القوافل التجارية وتسير فيه الجمال أثناء الرحلات التجارية السودانية من الفاشر في السودان وحتى أسيوط في مصر بهدف التبادل التجاري بين البلدين وخاصة تجارة الجمال والتوابل، وترجع تسمية هذا الدرب بدرب الأربعين لعدد الأيام التي تقطعها القوافل التجارية أثناء رحلتها من الفاشر في السودان وحتى أسيوط في مصر.
ويذكر الجبرتي أن كثيرًا من القوافل التجارية التي تسير في هذا الدرب كانت تنزل في رحاب الأمير همام بن يوسف الذي كان يكرمها ويحسن ضيافتها مدة إقامتها حتى ولو استمرت مدة إقامتها عدة شهور، كما كان الأمير همام يساهم فى موكب وقوافل الحج التي تسير بهذا الدرب ويرسل الهدايا والعون للحجاج بل كان يؤمّن هذه القوافل ويحرسها، فقد عهد الأمير همام إلى قبيلة العليقات بحراسة وتأمين القوافل بطريق درب الأربعين في هذه المنطقة.
ولهذا كان لموقع قرية العركي أهمية كبيرة كمدخل لمدينة فرشوط من ناحية درب الأربعين خلال العصور المتلاحقة وهي من توابع مدينة فرشوط، ثم فصلت عنها في عام 1259هـ ولقرية العركي تاريخ حافل عبر العصور الإسلامية منذ دخول الإسلام وحتى عصر أسرة محمد علي، حيث شهدت وقائع العديد من المعارك الحربية أيام الفتوحات الإسلامية، وقد بني بها الأمير يوسف كمال مصلحة تعرف باسم “مصلحة العركي” وبوسط تلك المصلحة أبراج حمام ومباني مستديرة الشكل تظهر بوضوح أنها تأثير وافد على العمارة الإسلامية في مصر، كما كان له بوسط القرية حديقة مساحتها حوالي أربعة أفدنه ترويها ساقية تعرف باسم حديقة الديوان.

بناء القلعة

بنيت “قلعة همام” بالطوب اللبن المصنوع من الطمي والرمل مضاف إليهما نسبة قليلة من التبن، واستخدم الطوب اللبن من قبل في بناء أسوار وأبراج مدينة القاهرة في العصر الفاطمي، وبنيت جدران القلعة بطريقة هندسية تتحمل الضغوط بحيث اختلف سمك الجدران وزاوية الميل وترتفع جدران القلعة 6 متر والأسقف تتكون من الأقبية والقباب النصف كروية والعقود النصف دائرية في الأبواب والنوافذ ولم يستخدم الخشب في بنائها، نظرًا لسرعة تآكلها في هذه المنطقة الجبلية بسبب آفة القرضة، ولقد ضمت قلعة همام كثيرًا من العناصر التي يتطلبها الموقع العسكري مثل قربها من مصادر المياه العذبة، والإشراف على الطرق الهامة وغير ذلك من عناصر العمارة الحربية التي وجدت في القلاع والحصون المصرية.

أهمية القلعة

في النصف الثاني من القرن الثامن عشر أنشأ شيخ العرب “همام” قلعته “بالعركي” لحماية ممتلكاته وحماية أراضية الواسعة لصد هجمات وأطماع الأمراء “المماليك “كون جيشًا كبيرًا من الهوارة والقبائل العربية ومن المماليك الفارين إلى الصعيد، وقدر عدد رجال جيش الأمير همام بـعدد 35 ألف مقاتل وهذا الجيش مجهز بكل ما يحتاج إليه من أموال وذخائر ومؤن وأسلحة.

وصف القلعة

تتكون من مبنيين منفصلين، المبنى الرئيسي هو المبنى الجنوبي مساحته 2156 متر مربع، أي حوالي ما يزيد عن نصف فدان، وما زالت معظم جدران هذا المبنى قائمة وإلى الشمال منه المبنى الثانوي وهو مبنى صغير تبلغ مساحته  1050 متر مربع أي حوالي ربع فدان وهي نصف مساحة المبنى الرئيسي والتي ربما كانت مخازن وطواحين وغير ذلك من الملحقات، وفي الجنوب الغربي من مباني القلعة منطقة متسعة تزيد مساحتها على خمسة عشر فدانًا بها أطلال مباني قديمة ردمت بالرمال ربما كانت تمثل وحدات لسكن الجند ومخازن للغلال والأسلحة وغير ذلك من لوازم الجيش، وتقع الثكنات الحربية لمساكن الجند جنوب غرب مبنى القلعة بحوالي 150متر، وهي منطقة متسعة تزيد مساحتها على خمسة عشر فدانًا بها أطلال مباني قديمة ردمت بالرمال وأثرت عليها العوامل الجوية، وإلى الغرب من مباني القلعة توجد منطقة متسعة تبلغ مساحتها حوالي عشرة أفدنة خالية كانت ميدانًا لتدريب الجند على الأعمال العسكرية في وقت السلم، واستعراض الخيل في وقت المناسبات والاحتفالات خصوصًا أن مدينة فرشوط مقر حكم همام لم يكن بها مكان يتسع لاستعراض الخيل وتدريبهم وأيضا حتى يكون الجيش بعيدًا عن المدينة.

حالة القلعة الآن

تهدم معظم مباني القلعة على يد محمد بك أبو الدهب عقب هزيمة شيخ العرب همام في الحرب عام 1183 هـ فقد نهب “أبوالدهب” المملوكي ما كان بديار شيخ العرب همام وقصوره من أموال وذخائر ومن بينها هذه القلعة، كما لعبت عوامل التعرية دورًا كبيرًا في تصدع وميول معظم الجدران الباقية من القلعة وردمت الرمال الجزء السفلي من مباني القلعة وملحقاتها، حتى أنه في بعض جهاتها ارتفعت الرمال حتى مستوى عقود فتحات الأبواب وأحيانًا حتى منطقة بدن القبة كما كان لهجر هذه القلعة طيلة قرنين من الزمان أكبر الأثر في تصدع الكثير من ما تبقى من مباني هذه القلعة حتى أن الكثير فيها تساوى بالأرض خصوصًا في ملحقات القلعة.

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر