صور| “جمعة الخير”.. موسم حصاد القمح من “النورج” حتى “الدرّاسة”

تصوير: أحمد دريم

“القمح الليلة ليلة عيده، يارب تبارك وتزيده”، على هذه الأنغام يعكف الفلاحون على حصاد ودراس القمح في أسبوع كامل يعُرف بـ”جمعة الخير”، لما فيها من خير كثير يعود على الفلاحين بدءا من إنتاج الفريك وحتى إخراج أجولة القمح والعودة بها فرحين لمنازلهم.

وتبدأ عملية حصاد القمح خلال شهري إبريل ومايو من كل عام، حيث تمر بعدة مراحل مختلفة في مقدمتها الحصاد، وتقسيم المحصول إلى عدة “قتاتي”، وبعدها إحضار “الدرّاسة” لفصل القمح عن سنابله وهكذا.

“قتاتي” القمح قبل إدخالها في “الدرّاسة”

بداية القمح 

انتقل القمح إلي مصر منذ العصر الحجري الحديث، ثم انتشر بعد ذلك في البلاد الواقعة علي حوض البحر الأبيض المتوسط ووسط أوروبا، حيث كان المحصول الرئيسي لتلك البلاد، والإنسان في مصر هو أول من استخلص القمح البري، ولم يكن في بادي الأمر كما هو الآن، بل وجد نباتا بريا واجتهد الإنسان في تحسينه واستخلص منه الأنواع الصالحة لغذائه، بحسب ما ذكره كتاب “الثروة النباتية عند قدماء المصريين”، للمؤلف وليم نظير.

مرحلة الحصاد

 أنواع الأقماح

كلمة قمح الحالية أصلها الكلمة الهيروغليفية “قمحو” التي ذكرت في قوائم القربان من عصر الدولة القديمة، بل إن كلمة “قمح” قد وردت في بعض المتون القديمة، وزرعت في مصر عدة أنواع من القمح وورد ذكرها في أوراق البردي منها “تريتيكم ديكو كم” وهو أشهر الأنواع وظل المصدر الأول لصناعة الخبز في مصر منذ العصر الحجري الحديث واستمرت زراعته حتي العصر الروماني “بداية العصر المسيحي”، وأخذت زراعته بعد ذلك تنقض شيئا فشيئا وقد اندثر هذا النوع في مصر تماما في العصر الإسلامي، ويمتاز بسنابله الثنائية الصفوف وحبوبه الكبيرة، بالإضافة إلى أنواع “تريتيكم ديورم و تريتيكم بيراميدال وتريتيكم فولجار”.

أحد الفلاحين بعد حصوله على قمح صافي

 مصر مخزن الغلال

كانت مصر في هذه العصور القديمة مخزنا للغلال تمد روما بما تريده منها، كما كانت تزرع القمح مرتين في العام في عهد بطليموس الثاني، وكان القمح يزرع بكثرة في جميع أنحاء مصر ويعتبر المحصول الرئيسي لمصر السفلي، ومثل المصريون القدماء القمح علي جدران كثيرة من القبور التي تصور لنا علي تعاقب العصور حضارتها الزراعية العريقة، ووجدت حبوب القمح المكربن في قبر “حماكا” بسقارة من الأسرة الأولي، والقبور الملكية بابيدوس واحد القبور بجوار هرم زوسر المدرج بسقارة وقبر”رع- حتب” بمير القوصية، وفي قبور أخميم وبني حسن، وقبر أحد الكهنة من عهد تحتمس الرابع من الأسرة الثامنة عشر.

“قتاتي” القمح أثناء تجميعها في “الجرن”

 عيد الحصاد

ذكر كتاب “الثروة النباتية عند قدماء المصريين“، أن المصريين القدماء يقيمون للقمح أعيادا رائعة في موسم الحصاد بين مظاهر العبطة والسرور وبقدمونه قربانا للآلهة وكانوا يعتقدون أن الإلهة “إيزيس” هي التي اكتشفته ناميا بحالة برية وصنعت منه الخبز، كما أن “أوزيريس” هو الذي علم المصريين زراعة هذا النبات لذلك تعتبر سنابل القمح مقدسة، فعملية الحرث والبذر والحصاد والدراس والتذرية والكيل والتخزين تتم بإشراف الرؤساء وحضور كبار الملاك شحذا للهمم وضمانا لحسن سير العمل.

عمال باليومية في جمع “قتاتي” القمح

 النورج والمذارة

كان المصريون القدماء يتخذون من الحجارة أدوات لقطع الأشجار ومناجل لحصد الغلال، وقد استخدموا من آلات الزراعة أدوات لا يزال أحفادهم حتي اليوم يستخدمون أكثرها بعد تعديل بسيط  في بعضها، وقد بدأوا في استخدام النورج في الحصاد منذ العصر اليوناني الروماني، وقد استخدم المصريون إلى جانب ذلك المجارف والحبال لمسح الارض والمكابيل الخشبية والمضارب التي تستعملوها لفصل الحب عن غلفته، أما المذراة تتكون من قطعة من الخشب يذري بها الحصيد فينفصل “التبن” عن الحب وتبين أصابعها أن الإنسان أخذ شكلها من يده عندما كان في بادئ الأمر يستخدمها لهذا الغرض افتصادا في الوقت والجهد.

الحبال “الليف” لتجميع حزم القمح

 آلة الحصاد والدراسة

مع تطور العصر ودخول التكنولوجيا الحديثة، هناك آلات كثيرة دخلت في عملية الحصاد والدراس في وقتنا هذا، فيقول أحمد العجوز، فلاح في العقد السابع من العمر، إنه حتي فترة قريبة كان الفلاح يستخدم المعدات والآلات القديمة في الحصاد ودراسة محصول القمح، وهي المنجل، والحبال الليف، التي مازالت تستخدم في كثير من القرى التي تزرع مساحات قليلة من الأراضي حتي يومنا هذا.

ويضيف العجوز، أن النورج اليدوي الذي كان يستخدم في العقود الماضية في عملية الدراس، ظهرت مكانه أدوات حديثة مثل آلة الدراسة التي تعمل بالمحراث الزراعي وهي التي أصبحت توفر جهد كبير ووقت وفصل الغلال عن التبن في عملية الدراس وهي التي أصبحت حاضرة الآن في الساحة، فضلًا عن ماكينة الحصاد التي أصبحت توفر جهد وتقليل عدد العمالة في الحصاد.

آلة دراس القمح

دراس القمح

تابع العجوز: أن عملية حصاد القمح في عصرنا هذا تبدأ بحصاد أعواد القمح كاملة باستخدام المناجل، ثم تترك علي الأرض لعدة أيام، بعدها يتم تربيط القش إلي أكوام باستخدام حبال الليف المصنوعة من النخيل، وبعدها بيوم يتم “تجرين” تلك الأكوام إلي كوم كبير يطلق عليه “الجرن”، ومن ثم البدء في الدراس بواسطة “الدرّاسة” التي تفصل الغلال عن التبن ومن ثم نقل المحصول والتبن الذي يستخدم للماشية إلى المنزل.

جمع “قتاتي”القمح تمهيدا لدرسها

 الهوامش

  • كتاب “الثروة النباتية عند قدماء المصريين”، للمؤلف وليم نظير، الصادر عن الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر عام 1970.
مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر