صور| “النيروز”.. عيد الزهور وفاتحة العام عند المصريين

تصوير: أسماء الطاهر

عيد النيروز هو تقليد شعبي ورثه المصريون عن أجدادهم، حيث كان هذا العيد يأتي في رأس السنة لدي القدماء، وهو حدث مرتبط بفيضان النيل.

بدايته

“النيروز” كلمة فارسية استخدمها الفرس عندما دخلوا بلادنا وأرادوا أن يحتفظوا بالتقويم المصري القديم، وأطلقوا لفظ “ني روز” على أول يوم من التقويم ومعناها “اليوم الجديد”، وكان هذا اليوم عند المصريين القدماء هو تاج الأعياد لأنه يرتبط بحياة مصر الزراعية.

ومن الأسباب التي حافظت على الاحتفال بعيد النيروز عبر التاريخ؛ لأنه عيد الطبيعة إلى جانب كونه أقدم أعياد الفرس التي أصبحت شعائره سُنة من سنن الحياة الاجتماعية لدى الفرس، ومشاركة العرب في إحياء شعائر هذا العيد ساعد على بقائه في ظل اهتمام الشعراء والكتاب بتدوين سنن وتقاليد النيروز، وذلك حسبما جاء في بحث بعنوان “النوروز مظهر الثقافة والحضارة بين الفرس والعرب“، للباحث مهدي ممتحن، عن أكاديمية العلوم الإنسانية والدراسات الثقافية.

والتقويم المصري القديم هو أول تقويم عرفته البشرية، وأدى شغف شعب مصر بالنيل الذي اعتبروه نهر الحياة إلى رصد موعد فيضانه، فوجد أن أول بشائر المياه وفيض الخير الذي يحمله النيل ويجلبه إلى أرض مصر، تأتي مع الظهور الدوري لنجم لامع يعرف بـ”النجم الكلبي” فقدسوه – حسب الباحث عصام ستاتي في سلسلة الدراسات الشعبية – معتقدين أنه جالب الفيضان، وسمى المصريون أول يوم في العام  بـ”فاتحة السنة” و”وبت رنبت”، وكان يومًا بهيجًا مليء بالاحتفالات والأفراح الشعبية، وكانت هذه الاحتفالات تدور في أساسها حول معنى النصر والتجدد نصر أوزوريس باعتباره رمز النيل والخصوبة علي الإله ست رمز الصحراء الملتهبة والحقول الجرداء.

نهر النيل
نهر النيل

ومن الأغاني المصرية من العصر المصري القديم عن اليوم الأول للفيضان، الاحتفال بالعام الجديد كانت هذه الكلمات:

إفرحى أيتها الأرض

فقد أتى وقت الخير

يا جميع الأتقياء تعالوا وانظروا

المياه تصعد .. وليس لها انحسار

النيل يحمل الفيضان العالي

والآلهة سعيدة وراضية القلب

الحياة تسرى في ضحك

والكل في انبهار

تفتح الزهور في عيد النيروز
تفتح الزهور في عيد النيروز

يقول الباحث عبدالمنعم عبدالعظيم، مدير مركز تراث الصعيد، إن عيد النيروز أي عيد تفتح الزهور كان الحبيب قديمًا يقدم لحبيبته وردة حمراء في عيد النيروز، كما كان عيدًا للتصالح، يتصالح فيه المتخاصمون، فسمي بعيد الفرحة، وعيد البهجة، والذي يأتي عقب أسبوع الآلام لدى المسيحيين.

وفي اللغة المصرية القديمة “الهيروغليفية” توجد عدة تعبيرات قريبة جدا من كلمة النيروز، وتعبر بدقة عن هذا المعنى المهيب لهذا اليوم في حياة وعقيدة المصري القديم ومن بعده القبطي والمصري بوجه عام علي مر الأجيال، فالعبارة “نور روج” أو “نوى روز” أي الفيضان المنعش قد تكون هي الأصل، كما أن هناك عبارات مصرية قديمة أخرى مشابهة مثل نوى روح، ونور روز وتعنى على التوالي وقت الازدهار والمياه المنعشة.

تقاليد متوارثة في عيد النيروز

من التقاليد الإنسانية التي سنها المصريون القدماء خلال الأيام المنسية، يذكر الباحث عصام ستاتي؛ أنه ينسى الناس خلافاتهم وضغائنهم ومنازعاتهم، فتقام مجالس المصالحات بين العائلات المتخاصمة، وتحل كثير من المشاكل بالصلح الودي والصفح وتناسى الضغائن وكانت تدخل ضمن شرائع العقيدة حيث يطلب الإله من الناس أن ينسوا ما بينهم من ضغائن في عيده المقدس، فهو عيد رأس السنة التي يجب أن تبدأ بالصفاء والإخاء والمودة بين الناس.

وكان من التقاليد المتبعة أن يتسابق المتخاصمون، كل مع أتباعه وأعوانه لزيارة خصمه أو عدوه كعكة العيد بين تهليل الأصدقاء وتبادل الأنخاب تأكيدا لما يقوله كتابهم المقدس كتاب الموتى: “إن الخير أقوى من الشر والمحبة تطرد العداء”، وهكذا كان كثير من القضايا تحل وديا في العيد، ويتسابق كل إلى بيت خصمه أو عدوه بصحبة أصدقاء ليكون له السبق في الصلح حتى ينال بركة الإله في العيد المقدس، كما تنص علي ذلك تعاليم العقيدة، كما شاهد عيد رأس السنة – لأول مرة – استعراض الزهور “كرنفال الزهور” الذي ابتدعته كليوباترا ليكون أحد مظاهر العيد عندما تصادف الاحتفال بعيد جلوسها علي العرش مع عيد رأس السنة.

ويذكر ستاتي، من هنا ندرك أن فيضان النيل – الذي اعتمد عليه رخاء المصرين ولا يزال حتى اليوم – محور اللاهوت المصري والعقائد الشعبية.

الاحتفالات بعيد الخوصة أو حد السعف بنجع حمادي- تصوير: مريم الرميحي
الاحتفالات بعيد الخوصة أو حد السعف بنجع حمادي- تصوير: مريم الرميحي

ضفائر الزينة وسعف النخيل

اتخذ الاحتفال بالعيد خلال الدولة القديمة مظهرا دينيا، فكانت تقاليد الاحتفال تبدأ بنحر الذبائح كالقرابين للإله، وتوزع لحومها على الفقراء، وكان بعضها يقدم للمعابد ليقوم الكهنة بتوزيعها بمعرفتهم، وكان سعف النخيل من أهم النباتات المميزة لعيد رأس السنة حيث كان سعف النخيل الأخضر يرمز إلى بداية العام لأنه يعبر عن الحياة المتجددة، كما أنه يخرج من قلب الشجرة، فكانوا يتبركون به ويصنعون ضفائر الزينة التي يعلقونها على أبواب المنازل ويوزعون ثماره الجافة صدقة على أرواح موتاهم.

وما زالت تلك العادات الموروثة والتي لم يطرأ عليها أي تغير حتى يومنا هذا، كما كانوا يصنعون من سعف النخيل أنواعا مختلفة من التمائم والمعلقات التي يحملها الناس في العيد علي صدورهم وحول أعناقهم، كرمز لتجديد الحياة في العام الجديد وحفظها من العين الشريرة، وكان الشباب يحملون سعف النخيل في رقصاتهم الجنائزية ورقصاتهم الشعبية الجماعية.

ومن أقدم التقاليد التي ظهرت مع الاحتفال بعيد رأس السنة صناعة الكعك والفطائر، وانتقلت بدورها من عيد رأس السنة لتلازم مختلف الأعياد التي جعل لكل منها نوع خاص به وكانت الفطائر مع بداية ظهورها في الأعياد تزين بالنقوش والطلاسم والتعاويذ الدينية.

ويضيف ستاتي، اتخذ عيد رأس السنة في الدولة الحديثة طابعا دنيويا، وخرج من بين الأعياد الدينية العديدة ليتحول إلي عيد شعبي له أفراحه ومباهجه ومعانيه، وكانت طريقة احتفال المصرين به تبدأ بخروجهم إلي الحدائق والمتنزهات والحقول يستمتعون بالورود والرياحين، تاركين وراءهم متاعب حياة العام وهمومه في أيام النسيء أو الأيام المنسية التي أسقطوها من التاريخ خارج بيوتهم، وكانوا يقضون اليوم في زيارة المقابر، حاملين معهم سلال الرحمة “طلعة القرافة ” كتعبير عن إحياء ذكرى موتاهم كلما انقضى عام ورمز لعقيدة الخلود التي آمن بها المصريون القدماء، كما كانوا يقدمون القرابين للآلهة والمعبودات في نفس اليوم لتحمل نفس المعنى، ثم يقضون بقية الأيام في الاحتفال بالعيد بإقامة حفلات الرقص والموسيقى ومختلف الألعاب والمباريات والسباقات ووسائل الترفيه والتسلية العديدة التي تفننوا في ابتكارها.

مشاركة
المقالات والآراء المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة، بل تعبر عن رأي أصحابها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر