دليل الفعاليات الثقافية فى مصر

الدليل - تعالى نخرج

صناعة المراكب الخشبية.. مهنة تواجه الاندثار على ضفاف النيل

في ورشة قديمة على ضفاف النيل بمدينة أبوتيج في أسيوط، حيث تختلط رائحة الخشب بصدى المطارق، تتجدد الحكاية وتبقى صناعة المراكب الخشبية شاهدا على تاريخ طويل من الصبر.

هناك، يواصل الحرفي الخمسيني «محمد بخيت» عمله محافظًا على مهنة توارثتها عائلته لأكثر من مائة عام. يقاوم بتفانٍ تراجع الإقبال على المراكب وهجرة الصيادين وندرة الأسماك، ليحافظ على واحدة من أقدم الحرف اليدوية في صعيد مصر. وتبقى عائلة «أولاد بخيت» رمزا لإصرار الحرفيين على البقاء رغم تغير الزمن.

ورشة أولاد بخيت

داخل الورشة المطلة على مجرى النيل، تتكدس الأخشاب بأنواعها، وتعلو أصوات المناشير والمطارق في إيقاع مألوف. يشرح محمد بخيت تفاصيل عمله وهو يتنقّل بين الأخشاب، يختار الأنسب لبناء القاعدة. ويشير إلى أدواته التي ورثها عن والده وجده، ورغم تغير نمط الحياة، احتفظت الورشة بطابعها الأصيل.

يقول بخيت: “ورثنا المهنة والورشة من أجدادنا، حيث بدأت الورشة عملها منذ عام 1924. وكنا قديما نصنع المراكب ذات الشراع. وهي المراكب الكبيرة، لكننا الآن نصنع المراكب الصغيرة فقط، وتحديدا منذ بداية الثمانينات”. وأضاف: “نحن نعمل في الورشة كعائلة، نحن وأبناء عمي، ولم يمنعنا العمل فيها من التعليم. كما حرصنا على الحفاظ على إرث الأجداد وتطويره”.

تطور صناعة المراكب

يقول بخيت عن تطور صناعة المراكب: “نستخدم في الصناعة نوعين من الخشب: خشب الكافور، ونصنع منه “الملل” أو الألواح الخاصة بالمراكب. والنوع الآخر هو خشب الموسكي، لكنه مستورد وغالي الثمن، ويستخدم في تصنيع جسم المركب الخارجي”.

ويضيف: “تطورت المهنة عبر السنين، فبعد أن كنا نستخدم خامة الكتان والبوتامين، وهو البلاك الأسود. أصبحنا الآن نستخدم الفايبر، وهو نوع مصنع من مادة البوليستر لدهان المراكب من الخارج. هذه المواد عالية الجودة وتمنح المركب عمرا أطول”.

ويتابع: “قديما كانت الورشة تخدم معظم محافظات الصعيد مع ورشة أخرى في سوهاج. أما الآن فقد بدأت المهنة تنتشر، فهناك ورش بالمنيا وطهطا. كما بدأ بعض التجار باستقطاب مراكب من محافظات وجه بحري مثل الدقهلية والمنصورة، التي تمتاز بانخفاض أسعارها مقارنة بما نصنعه، رغم أن مراكبنا أعلى جودة”.

ورشة بخيت لتصنيع المراكب.. تصوير: جاسمين مهني
ورشة بخيت لتصنيع المراكب.. تصوير: جاسمين مهني
ارتفاع أسعار المواد الخام

يتحدث بخيت عن أبرز التحديات قائلا: “من أكبر المشاكل التي نواجهها ارتفاع أسعار المواد الخام التي نستخدمها في الصناعة، فأغلبها مستورد. ما يزيد من تكلفة الإنتاج. وحده خشب الكافور هو البلدي، أما باقي الخامات فمستوردة”.

ويضيف: “مع ارتفاع الأسعار، أصبحت تكلفة شراء المركب على الصياد مرتفعة جدا. فبعد أن كان يشتري مركبا كل عامين أو ثلاثة، أصبح الآن لا يشترى إلا كل عشر سنوات تقريبا”.

خطوات تصنيع المركب 

عن مقاسات وأنواع المراكب يوضح بخيت: “لكل مركب مقاس ونظام خاص يتناسب مع استخدام صاحبه. فكل بلد تختلف في طريقة استخدام المراكب عن الأخرى. فمثلا مقاسات المراكب المطلوبة في بحيرة ناصر بأسوان تختلف عن تلك المطلوبة في أسيوط. لذلك نصنع المراكب حسب الطلب ونبيعها لأكثر من محافظة”.

ويتابع: “تمر صناعة المركب بعدة مراحل أساسية، تبدأ بتجهيز الأخشاب وقصها باستخدام المنشار الكهربائي حسب الحجم المطلوب. ثم مرحلة تجميع الأجزاء والنجارة، وبعدها المعجون والصنفرة والفايبر والتبطين. وأخيرًا تأتي عملية الدهان والتشطيب لتسليم المركب الجاهز للعمل”.

الحداثة في صناعة المراكب

يشير بخيت إلى أنه تم إدخال المواتير في المراكب التي أصبحت منتشرة حاليا، قائلا: “قمنا بتطوير أنفسنا، وأصبحنا نصنع المراكب التي تعمل بالمواتير الحديثة داخل الورشة. بعد أن ننتهي من تصنيع المركب، نقوم بتركيب الموتور له. مع العلم أن بعض أنواع المواتير غير مسموح باستخدامها في محافظات معينة”.

ويضيف: “الحداثة لا تقتصر على المواتير فقط، بل تشمل الأدوات أيضًا. إذ نستخدم الآن المعدات الكهربائية في نشر وتقطيع الأخشاب. عكس الماضي حين كنا نعتمد على الأدوات اليدوية فقط، وهو ما وفر الكثير من الوقت والجهد”.

هجرة صيادي أسيوط

يقول بخيت: “الطلب على المراكب من الصيادين في أسيوط قل كثيرًا بسبب قلة الأسماك. ما دفع أغلب الصيادين إلى الهجرة للعمل في أسوان وبحيرة ناصر ومفيض توشكى”.

ويتابع: “نحن ورشة مرخصة وملتزمون بدفع الضرائب والتأمينات. لكن الكثير من التجار أصبحوا يشترون من محافظات وجه بحري لأن أسعار المراكب هناك أقل. رغم أن جودتها أقل. ذلك لأن بعضهم لا يدفع ضرائب ولا تأمينات. ما يؤثر سلبا على عملنا”.

تراجع أحوال الصيادين

تراجعت الأحوال الاجتماعية والاقتصادية للصيادين في أسيوط، كما يروي مصطفى محمد، أربعيني من مركز صدفا، يعمل في حرفة الصيد. وقد ارتسمت ملامح الحزن على وجهه قائلا: “نستيقظ منذ الثالثة فجرا في محاولة لصيد أكبر كمية من الأسماك، فهي مصدر رزقنا الوحيد، لكن بكل أسف أصبحت الأسماك قليلة في النيل نتيجة إلقاء المخلفات فيه. بالإضافة إلى الفنادق العائمة التي تلقي بمخلفاتها في النيل أيضا. ما أدى إلى تراجع كمية الأسماك”.

ويضيف مصطفى: “أحوالنا الاجتماعية أصبحت صعبة في ظل الغلاء الذي يطاردنا يوميا. ونحتاج إلى إجراءات حقيقية لحماية المسطحات المائية وتنمية الثروة السمكية. ليس فقط في أسيوط بل في أغلب محافظات الصعيد”.

الأوضاع تحت الصفر

في كل لوح خشب على ضفاف النيل حكاية حرفة تقاوم لتبقى حية. هكذا بدأ صياد خمسيني من أسيوط، حديثه عن معاناة الصيادين قائلا: “أوضاع الصيادين أصبحت تحت الصفر، فكل واحد منا له حكايته. كثيرون اضطروا لإخراج أطفالهم من المدارس لعدم قدرتهم على تحمل نفقات التعليم، ليساعدوهم في العمل بحثا عن الرزق. وبعضهم غير مهنته التي ورثها عن والده لأن الصيد لم يعد مجديا”.

وأضاف: “تكلفة شراء مركب جديد أصبحت عائقا كبيرا أمامنا، فنضطر للعمل بمراكب متهالكة نحاول من خلالها سد احتياجاتنا العائلية، ما يعرضنا لمخاطر أثناء الصيد. حتى شباك الصيد متهالكة ونقوم بترقيعها وربطها أحيانا. أتمنى أن تتحسن الأوضاع قريبا، فقد اضطر كثير من الصيادين إلى السفر لأسوان أو محافظات الوجه بحري للعمل. بينما ترك آخرون المهنة تماما بسبب حالة العوز التي نعيشها في القرى”.

الصيادون في مصر

جدير بالذكر أن الصيادين يمثلون شريحة كبيرة من المجتمع المصري. إذ يبلغ عددهم نحو 5 ملايين صياد على مستوى الجمهورية، فيما يبلغ عدد الصيادين المسجلين في جمعية الصيادين بأسيوط نحو 5360 صيادا. بالإضافة إلى عدد آخر غير مسجل رسميا.

الإنتاج السمكي في أسيوط

أما بالنسبة للإنتاج السمكي بمحافظة أسيوط، فقد بلغ الإنتاج من نهر النيل 564 طنا، بينما بلغ إنتاج المزارع السمكية 40 طنا فقط، وفق بيانات الجمعية التعاونية لصائدي الأسماك بأسيوط. ويعد هذا الإنتاج ضئيلاً مقارنة باحتياجات السكان، حيث بلغ متوسط نصيب الفرد من الإنتاج السمكي بالمحافظة 0,14 كيلوجراما سنويا، أي ما لا يتجاوز 0.008% من متوسط نصيب الفرد من الإنتاج السمكي على مستوى الجمهورية.

وتكشف هذه الأرقام عن قصور واضح في الإنتاج السمكي بالمحافظة، ما يفسر تدهور أحوال الصيادين وتراجع نشاطهم.

اقرأ أيضا:

من بين الأزرار والكُلف.. حكاية «ويصا» أقدم بائع خردوات في شارع الأفراح بالمنيا

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر
إغلاق

Please disable Ad blocker temporarily

Please disable Ad blocker temporarily. من فضلك اوقف مانع الاعلانات مؤقتا.