شغل يد: الطرابيش

في إحدى أزقة شارع الغورية، يجلس عم ناصر الطرابيشي، في ورشته الصغيرة والتي يمكن سرها في حجمها، إذ أنها تحمل في طياتها تاريخ من نوع آخر، فعلى اليمين جدران مزينة بصور لعملاقة الشيوخ في الوطن العربي، وعلى اليسار صفوف مرصوصة بأشكال وأحجام مختلفة من الطرابيش، وفي منتصفها مكينة خياطة عتيقة في العمر، إلا أنها كالرفيقة، تصادق من يجلس بجوارها، خاصة إذا كان هذا الرجل هو عم ناصر.

هو راجل في الستينيات من عمره، حفرت الصنعة تاريخها على ملامحه “العجوز”، إلا أنها صغيرة في التعبير عن حبها للمهنة التي يعمل بها أكثر من 40 عامًا، فيحكي عم ناصر عن مهنته قائلًا: “أخذت المهنة من وأنا صبي فبدأت من عمر 8 إلى 16 سنة بتعلم أصول المهنة على يد عملاقة من الصنايعية الكبار”.
“الطربوش ده مش لبس دة وقار قبل أي حاجة” هكذا قيمة الطربوش في نظر عم ناصر، والذي يوضح أن الطربوش كان له قيمة كبيرة قديمًا إذ أنه لا يستطيع أي فرد أن يدخل أي مصلحة أو جهة حكومية إلا وهو لابس الطربوش، الذي كان يهب له وقار وشخصية واحترام من الآخرين، بعكس الآن يرتديه فئة معينة الأزهر “طول ما الأزهر فاتح أنا شغال”.
أما عن معنى كلمة الطربوش فيقول “كان اسمه شيشية عند دول زي تركيا والنمسا وجه مصر من أيام محمد علي وأصبح اسمه طربوش”.
وكأنه يحكي عن صديق عزيز عليه يكمل حديثه عن الطربوش قائلًا: الطربوش لم يجد لنفسه مكان في بلده وأصله إلا لما دخل على المصريين، وأصبح له هيبة وشكل آخر على أيدي المصريين والذين تميزوا بالحرف اليدوية والتي هي كنز لا يقدر بمال، فمصر كانت الدولة الثانية أو الثالثة في الحرف اليدوية على أيام عم ناصر.
خامات ومراحل
يمسك الطربوش في يده كالوردة الرقيقة التي يخاف عليها من تطاير أوراقها، ليشرح خامات وخطوات عمل الطربوش، ويقول الخامات المستخدمة، كانت زمان أكثر من نوع كالزفير والنسر وأبو فلة والوادي والتحرير، كانت مواكبة عصر الطبقات فلكل طبقة نوع معين من الخام “كل ما الطبقة تعلي كل مبتاخد الخامة الأفضل”.
وعن الشركة التي يصنع الخامة الحالية يوضح أنها خامة “صقر كوريش” تبع مشروع القرش، وعن مشروع القرش، قديمًا تم أخذ من كل واحد من الشعب قرش لعمل مصنع طرابيش سمى مصنع القرش.
الخوص
الخوص الخوص أساس الطربوش فيتم شرائه من الرشيد مضفرًا على أيدي حريم رشيد، لقدرتهم على التحمل لعمل الضفائر لما تحتاجه من صبر وطول بال ودقة أيضًا.
يقوم عم ناصر بوضع الخوص في المياه ليصبح لينًا ويستطيع أن يشكل منه مستطيلات على حسب حجم الطربوش ونوعه، ثم يخيطه على مكنة الخياطة لمدة حوالي 10 دقائق عمل.
الجمل
الجمل هي مكنة مربعة الشكل على سطحها العديد من القوالب، وفى قلبها عين للنار تحتها أنبوبة الغاز، وهي المكان الذي يشكل عليه الطربوش بعد تمكين الخوص على مكنة الخياطة، و”عمرها أكتر من 600 سنه مرسوم عليها تاج الملك، بيكون عليها قوالب زي العثماني والأسواني” هكذا يقول عم ناصر عن المكنة، مشيرًا إلى  أن القوالب مقاسات من عمر سنة إلى 100 سنه.
ولذلك يوضح العم أن لصناعة الطرابيش 3 مكونات أساسية هم الماء والنار والكهرباء، المياه للخوص ثم النار على الفرمة والكهرباء لتشغيل مكنة الخياطة.بسرعة فائقة يعمل عم ناصر على هذه المكنة فهو يضع الطربوش المنكمش على القالب ثم يضغط بيده بشدة حوالي 3 دقائق، ويسمى “المكبس” والذي يعمل كالمكواة يفرد الطربوش، ثم يأتي الزبون ويفصل عم ناصر الطربوش على وجهه ليخرج على هيئته المعروفة.
زبائن دائمين
“الأزهر والمقرئ” هما الشخصيتان الحاليتين اللذان يستخدمان الطربوش، وبالتالي هما زبائن عم ناصر الدائمين بالإضافة إلى طلاب الأزهر، مضيفًا بأن عظماء اشتروا منه الطربوش كمفتي الجمهورية الدكتور شوقي علام.

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر