“سيبرج”: كيف دفعت المباحث الفيدرالية نجمة السينما العالمية إلى الانتحار

كانت الممثلة الأمريكية جين سيبرج واحدة من أيقونات الستينيات، مثل بريجيت باردو وجين فوندا وصوفيا لورين وكلاوديا كاردينالي. نساء رسمن ملامح جديدة للأنوثة وللمرأة المتحررة القوية تعكس التغيرات السياسية والاجتماعية الهائلة التي حدثت في العالم والسينما. ومنذ أن لعبت سيبرج دور الفتاة الأمريكية الساذجة التي تبحث عن إقامة في باريس وتضطر لخيانة حبيبها اللص الفرنسي جان بول بلوموندو في فيلم “على آخر نفس” لجان لوك جودار (1960)، تحول الفيلم إلى علامة فارقة في تاريخ السينما دشنت مولد “الموجة الجديدة” في فرنسا، وتحولت سيبرج بشعرها القصير “آلا جارسون” (يعني على طريقة الأولاد) إلى أيقونة لجمال أنثوي جديد، حر، وفاتن، ومخيف.

جين سيبرج

استقرت جين سيبرج في باريس، وانضمت إلى الحراك الثقافي الهائل الذي أسفر عن ثورة الشباب في 1968. واعتنقت أفكار هذه الثورة التي نادت بالحرية والمساواة والسلام العالمي، وناصبت العداء للمؤسسات والحكومات الاستعمارية والعنصرية والديكتاتورية، وامتدت الثورة لبلاد عديدة أخرى، وامتزجت في الولايات المتحدة بحركات مناهضة الحرب في فيتنام وحركة الحقوق المدنية التي تطالب بإلغاء أشكال الاضطهاد والتمييز ضد السود. وفي هذا المناخ العالمي المضطرب جاءتها دعوة للعودة إلى هوليوود للمشاركة في عدة أفلام تقليدية تجارية، وكانت الدعوة بمثابة إعلان عن فصل ختامي عاصف ومأساوي في حياة الممثلة الشابة.

هذا الفصل الأخير من حياة جين سيبرج هو موضوع الفيلم الأمريكي Seberg، الذي أنتجته استديوهات “أمازون” بدأت منصة “نتفليكس” في بثه الأسبوع الماضي. ورغم أن إنتاجه يعود إلى ثلاث سنوات مضت لكنه لم يشاهد على مستوى عالمي من قبل.

لحظة فارقة

وصلت جين سيبرج إلى أمريكا في لحظة فارقة من تاريخها، كانت فيه حركة الحقوق المدنية للسود قد وصلت إلى ذروتها، وتحولت إلى حرب حقيقية بين الناشطين من مختلف الحركات السياسية والحكومة الأمريكية ممثلة في جهاز المباحث الفيدرالية بقيادة مؤسسها إدجار هوفر. لا عمل لها سوى مراقبة وملاحقة وقتل الناشطين السياسيين. كان قد تم اغتيال مارتن لوثر كينج في إبريل 1968، ومن قبله مالكوم إكس في 1965، وكان أحدثهم فريد هامبتون رئيس حزب الفهود السوداء الذي اغتيل في الرابع من ديسمبر 1969. هذه الوقائع كانت مادة ثرية لعدد كبير من الأفلام الروائية والوثائقية التي ظهرت خلال العامين الماضيين منها: “يهوذا والمسيح الأسود”، “ليلة في ميامي”، “محاكمة السبعة من شيكاغو”، “من قتل مالكوم إكس” وغيرها.

في الطائرة التي تقلها إلى نيويورك التقت سيبرج بحكيم جمال أحد أبرز الناشطين في حركة الفهود السوداء، وفي المطار. حيث كانت عيون المباحث الفيدرالية تراقب حكيم وأرملة مالكوم اكس والحشد الذي ذهب لاستقبالهم. انضمت سيبرج إلى  حكيم ومستقبليه، ورفعت قبضتها في علامة القوة السوداء، رمز الحزب، وعشرات الكاميرات التي ذهبت لتصوير لحظة وصولها باعتبارها نجمة سينمائية عالمية التقطت لها الصور وسط حشد المتظاهرين السود.

المباحث الفيدرالية

لم تكتف سيبرج بذلك. ولكنها راحت تدعم الحزب ونشاطاته التعليمية ماليا ومعنويا، ودخلت في علاقة جنسية مع حكيم جمال رصدتها المباحث الفيدرالية يالصورة والصوت، واستغلتها في الوقت المناسب لتدمير حكيم جمال، ثم لتدميرها شخصيا. من خلال تسريب معلومات وصور عن علاقتها بحكيم جمال. ثم بث شائعات غير صحيحة عن حملها منه، مما تسبب في اكتئابها وانهيارها نفسيا، وعودتها إلى باريس مرة أخرى ومحاولة الانتحار أكثر من مرة إلى أن ماتت في ظروف غامضة (انتحار غالبا) في 1979 وهي لم تزل في الأربعين من عمرها!

يتتبع فيلم “سيبرج” ما حدث للممثلة الشابة من خلال عيون المباحث الفيدرالية نفسها. وبالتحديد العميل جالك سولومون، المتخصص في هندسة الصوت، والذي كلف بمراقبتها وتسجيل أدق تفاصيل حياتها، قبل أن يبدأ في الشعور بالذنب ومحاولة التدخل لانقاذها. ثم يذهب إليها في باريس لإخبارها بالحقيقة واطلاعها على ملفها في المباحث. وبغض النظر عن مدى صحة هذا الخط الدرامي. فإن تفاصيل المراقبة والملاحقة والتشهير وتدبير المؤامرات ضد الناشطين وقتلهم إذا لزم الأمر. كلها حقيقية وتعكس فترة سوداء في تاريخ المباحث الفيدرالية استمرت منذ تأسيسها وحتى عام 1971 عندما تم إلغاء برنامج ملاحقة الناشطين السياسيين نتيجة الجرائم والفضائح التي تسبب فيها.

فيلم “سيبرج” من إخراج بيندكت أندروز وبطولة كريستين ستيوارت في دور جين سيبرج. وجاك أوكونيل في دور العميل جاك سولومون. ورغم أنه يعاني من ضعف بعض عناصره الفنية إلا أنه يستحق المشاهدة على الأقل لمعرفة التاريخ وأخذ العبر منه!

اقرأ أيضا

«أمهات متوازيات» لألمودوفار: عندما يلتقي حسن الإمام بأوليفر ستون!

مشاركة
المقالات والآراء المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة، بل تعبر عن رأي أصحابها
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر