سلسلة عاشت الأسامي| في حب ماري وزقاق المخايش

لا تستطيع أن تضع قدميك في ذلك المكان، الذي يعج بالمحلات والدكاكين التجارية، ومع ذلك تنتابك حالة من الهدوء النفسي بعيدًا عن زحام السيارات، ومغالطة المعلومات، لترجع بعمرك أزمنة بعيدة وتعيش معهم في “حارة اليهود”، ولنتذكر قصة ماري.. فمن هي؟

هناك في منطقة الحسين بالقاهرة، حيث المساجد التاريخية والأضرحة الدينية والقصور العربية، في ممر طويل ضيق يسع فردين يسيران جنبًا إلى جنب بالكاد، يصطف على جانبيه محلات أقمشة وفضة وإكسسوارات.

ووسط عدد من الأزقة، توجد حارة مدفونة، تحمل بداخلها قيمة تاريخية وتراثية ذات طابع مختلف عن ما يحمله حولها تحمل اسم “حارة اليهود”.

حكاية ماري في حارة اليهود

على ناصية الحارة يجلس رجل وقور، هو عبده المنصور، 56 عامًا، صاحب محل بازارات، يقول كانت الحارة قديمًا يطلق عليها “سوق المصاريف” قبل اسم حارة اليهود، لانتشار تجارة الأقمشة بها، وبعد أن جاء اليهود الحارة سكنوا بيوتًا تسمى بـ”الدوش”، وبدأت التجارة تنتعش، خصوصًا إنهم من اخترعوا تجارة “الميني فاتورة”.

ويوضح المنصور أن أكثر ما تغير هو اختفاء الجو الأسري، الذي كان يعم قاطني الحارة، وانقراض تجارة الأقمشة لتحل محلها الإكسسوارات.

إحنا ولاد الحارة

توجهنا إلى زقاق ضيق ذي أرضية متعرجة مفروشة بالبلاط الأسود، الذي اختفى منذ زمن، وجدران قديمة متهالكة، هناك يجلس رجل يبدو عليه الهدوء على مقهى، وما إن سألته عن نفسه حتى قال “إحنا ولاد الحارة”.

“شعب نظيف ومعاملته نزيهة” بهذه الكلمات يصف فتحي عبدالعزيز، عضو لجنة المحافظة على آثار الجمالية، أحد أهالي الحارة، اليهود الذين عاصرهم ومن قبله والده، الذي توفي قبل 86 عامًا.

يوضح أن والده منذ صغره كان يرى اليهود، الذين كانوا يقطنون الحارة، يرتدون المناديل “البوية”، ,يتميزون بالنظافة والرائحة العطرة، “البلاط اللي في الشارع عيني لم تر مثله بعد ذلك”، فضلًا عن حبهم للتجارة فكانوا يتاجرون مع جميع البلاد ويفضلون السفر للأقاليم للتجارة بالأقمشة والحرير ولكنهم تميزوا أكثر في البقالة، وآخر بقال غادر الحارة كان منذ 20عامًا تقريبًا، بحسب قوله.

مغادرة الحارة

يوضح عبدالعزيز أن اليهود  قرروا ترك الحارة سواء ببيع أملاكهم أو التنازل عنها، مفضلين ألا يعرف أحد عنهم شيئًا، وقد جاء ذلك في سياق تاريخي ارتبط بيهود العالم، بعد عام 1948، واحتدم الأمر بعد اكتشاف شبكة جواسيس مشهورة عرفت باسم سوزانا، مهمتها الكبرى تفجير العديد من المنشآت الحيوية المصرية عام 1954.

الضربة الثالثة كانت فترة العدوان الثلاثي على مصر، بعد قرارات تأميم قناة السويس في عهد جمال عبد الناصر عام 1956، كل ما سبق كان صاحب الدور الأكبر في خروج اليهود من مصر.

حكاية ماري

يشير عبدالعزيز إلى أن آخر يهودي خرج من حارة اليهود كانت “ماري” تلك السيدة الأصيلة التي عرفت بصديقة جميع ساكني الحارة ورفيقة القطط، ليطلقوا عليها “ذات الاتصال الروحاني بينها وبين القطط”.

ماري أقدم يهودية بمصر، بلغت من العمر أكثر من 100عام، كانت تسكن حارة اليهود مع والدتها، وتزامن وقت وفاتها مع ذكرى خروج اليهود من مصر بعد عام 1952، إلا أن ماري تشبثت بالحارة ورفضت الخروج منها، رغم عرض اليهود عليها أموال ومنزل بإسرائيل إلا أنها ظلت بمصر حتى رحلت قبل نحو 7 سنوات.

زقاق التل

بشارع دودة نجد زقاق التل، الذي يتوسط منزلين، كان أحدهما قديمًا معبد يهودي.. وعرفت بذلك الاسم، لأن يهود الحارة جميعا كانوا يخزنون القمح علي هيئة تلال لتوزيعه وبيعه فسمى “بزقاق التل”.

أطلق ذلك الاسم على الزقاق، لأن اليهود كانوا يخزنون الجبنة في صفائح، ثم يلفونها في “خيش”. بينما الآن فهو عبارة عن مساحة ضيقة جدًا بداخله بعض محلات الفضة والإكسسوارات.

درب محمود

في زقاق صغير يقل عن مساحة الحارة كثيرًا يطلق عليه “الدرب”.. يوجد معبد موسى ابن ميمون- المغلق حاليًا- بأسواره العالية، والجدران المحفورة بأيدي عباقرة، وكتابات تاريخية وحكايات وأساطير اليهود.

معبد موسى بن ميمون هو معبد يهودي للعلامة اليهودي المتبحر موسى بن ميمون في شارع درب محمود في حارة اليهود في القاهرة القديمة. وكان يقام فيه الشعائر الدينية  حتى عام 1960.

ينقسم المعبد إلى ثلاثة أقسام:

قسم للصلاة والشعائر الدينية اليهودية.

وقسم يشمل المدفن حيث دفن فيه موسى بن ميمون.

بينما القسم الثالث عبارة عن غرف مخصصه لرجال الدين اليهودي والمشرفين على إدارة المعبد.

عم سامي

عم سامي أقدم حلاق بحارة اليهود، يحتفظ بداخل محله بـ”نجمة اليهود”.

يقول سامي عبدالمقصود، 69 عامًا، صاحب صالون الحلاقة، “قديما كان الصالون عبارة عن مخزن مخلفات الجيش الإنجليزي، يمتلكه الخواجة ينا يونان.. فاستأجره والده وحوله إلى صالون حلاقة.. وكان عبارة عن خشب قديم وبعض المرايات البلجيكية.. وبعد خروج اليهود من مصر تركه الخواجة لولده ثم سافر إلى فرنسا.

يضيف عبدالمقصود “بعد وفاة والده ورثه هو ليحوله إلى صالون حلاقة على طراز أحدث.. فأجرى فيه بعض التجديدات ليتناسب مع أذواق المصريين”.

حمام قلاوون

يحمل بداخله لوحة “اللي اختشوا ماتوا” يرجع أصل المثل هذا إلى أيام الملك قلاوون.. وذلك عندما اندلع حريق بالحمامات وكان بداخلها حريم السلطان.. فمن استحيت فضلت الموت حرقًا على أن تخرج في الشارع.. ومنهم من خشيت على نفسها الموت فخرجت عارية من الحمام هربًا من النيران.. ليطلق أهالي الحارة مثل “اللي اختشوا ماتوا”.

عن الملك قلاوون

هو الملك المنصور سيف الدين أبوالمعالي قلاوون، سابع ملوك الترك بمصر، تولى عرش مصر سنة 678هـ (1276م).. وذلك بعد أن عزل سلامس بن الظاهر بيبرس، الذي كان قلاوون يقوم بالوصاية عليه.. وهو أيضًا من مماليك الصالح نجم الدين أيوب.. اشتراه بألف دينار، لذا كان يلقب بالألفي.. وأخذ يتقلد المناصب العليا حتى ظفر بحكم مصر.. ويعتبر المنشئ الثاني لدولة المماليك البحرية.. فقد ظل الحكم في بيته نحو مائة عام، وقد كان قلاوون أعظم شخصية بين المماليك بعد بيبرس.

مشاركة
المقالات والآراء المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة، بل تعبر عن رأي أصحابها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر