«سفر المزامير» تحت رأس طفلة: لماذا دُفنت النصوص الدينية في قبور الأقباط؟

في أحد مدافن قرية المضل، جنوب بني سويف، وُجد جثمان طفلة صغيرة دُفنت في القرن الخامس الميلادي، وقد استوقف علماء الآثار ما وُضع تحت رأسها، وهو «سفر المزامير»، مصنوع من الجلد، ومحفوظ بعلامة مرجعية، وكأن القراءة لم تكن قد اكتملت بعد. كان ذلك في عام 1984، ويعرض هذا الاكتشاف الآن بالمتحف القبطي بالقاهرة.
جذب هذا الاكتشاف الباحثة الإيطالية باولا توتي، التي نشرت مؤخرا دراسة تتحدى من خلالها فكرة أن بعض الكتب المسيحية دفنت مصادفة. تقترح في دراستها أن هذه الكتب ربما كانت تستخدم كـ”أدلة روحية”، استمرارًا لتقليد مصري قديم يعرف بـ«كتاب الموتى»، لكن هذه المرة، بنصوص قبطية وأناجيل.
من سفر المزامير المدفون مع الطفلة، إلى طقوس «كتاب الموتى»، وبرديات نجع حمادي ومخطوطات أخميم، يتقاطع التاريخ مع العقيدة، ويتشابك السحر مع الشعائر، خلال فترة تحول مصر من معابد المصريين القدماء إلى أديرة الرهبان.
هنا نستعرض الدراسة اللافتة، التي تطرح العديد من الأسئلة حول طقوس الدفن المسيحية المبكرة في مصر. كما نحاور باحثًا متخصصًا في علم القبطيات ودراسات العصور القديمة المتأخرة، شارك في أبرز المشاريع البحثية الأوروبية، وكرّس سنوات لدراسة أثر الكتب والمخطوطات المدفونة.
نصوص قبطية مع الموتى
تحمل الدراسة عنوان: “كتب الموتى أم كتب مع الموتى؟ تفسير وضع الكتب في مصر القديمة المتأخرة”. وتعد باولا توتي باحثة مستقلة في علم القبطيات ودراسات العصور القديمة المتأخرة. عملت مؤخرًا ضمن مشروع ممول من مجلس البحوث الأوروبي، وتشمل اهتماماتها تطور المسيحية المبكرة والرهبنة في مصر في العصرين البيزنطي والإسلامي المتأخر، واستكشاف انتقال النصوص الدينية عبر الحدود الثقافية والاجتماعية.
تبدأ الدراسة بالعودة إلى عام 1984، حين عُثر خلال التنقيب في مقبرة رومانية متأخرة بقرية المضل، على قبر طفلة دفن معها سفر المزامير. تطرح توتي فرضية أن هذا الكتاب قد استخدم بشكل مشابه لـ”كتاب الموتى”، وهو نص شعائري مصري قديم كان يعتقد أنه يساعد الروح على العبور إلى الحياة الأخرى.
تساؤل مثير
تساءلت الباحثة: هل استخدام البعض سفر المزامير كنسخة مسيحية من «كتاب الموتى»؟ وهل استمرت هذه الممارسة بأشكال جديدة حتى أواخر العصور القديمة؟
واستعرضت تأييد بعض الباحثين لهذا الرأي، خاصة في ضوء المقارنة مع مخطوطات نجع حمادي، التي اكتُشفت عام 1945، ومكونة من مجموعة من النصوص المسيحية الغنوصية. وقد أثار هذا الربط فرضية مفادها أن تلك المخطوطات ربما كانت مخصصة في الأصل لأداء دور شعائري أو «سِحري»، لتسهيل الانتقال إلى الحياة الأبدية.
الدفنات القبطية مظلومة!
تحدثنا مع د. إبراهيم ساويرس، أستاذ اللغة القبطية وآدابها بكلية الآثار، لتحليل الدراسة وأهميتها. قال إن الدراسة- التي قدمتها الباحثة باولا توتي، رئيس الاتحاد الدولي لعلماء القبطيات – تطرح تساؤلات محورية تتجاوز واقعة بعينها، رغم أن الاكتشاف الذي تستند إليه يعود إلى ثمانينيات القرن الماضي.
وأوضح في تصريحات خاصة لـ”باب مصر” أن الواقعة نفسها حدثت في جبانة قبطية بقرية المضل، لكنها لم تثر اهتماما كبيرا، وبرزت أهمية الحدث لاحقًا عندما تبيّن أن نسخة سفر المزامير المدفونة مع فتاة صغيرة كُتبت بلهجة “مصر الوسطى”، وهي لهجة نادرة للغاية لا نملك سوى مصادر محدودة بها.
تقاليد مصرية قديمة
وأضاف أن الدراسة لا تكتفي بطرح تساؤل حول دفن كتب مقدسة مع الموتى، بل ترتبط هذه الممارسة بتقاليد مصرية قديمة، على رأسها “كتاب الموتى”، قائلا: «هي مش بس بتسأل إذا كان الأقباط اعتادوا دفن كتب مقدسة مع موتاهم، لكن كمان بتحاول تشوف ده في ضوء موروث مصري أعمق… ده بعد جديد بيفتح أسئلة كتير».
ويشير ساويرس إلى وجود معضلتين رئيسيتين تُعيقان البحث في هذا المجال: «أولًا أن الدفنات القبطية في الغالب فقيرة، ماديا وفي التوثيق، ولم يهتم بها الكثير، وبالتالي ممكن يكون في حالات دفن شبيهة لكن مش موثّقة أو ما وصلناش عنها معلومات كافية».

نماذج أخرى: من أخميم إلى جبل النقلون
يستشهد ساويرس بتجربة الباحث البريطاني إي. أ. واليس بدج، أمين المتحف البريطاني في أوائل القرن العشرين، الذي حفَر في مناطق قرب ملوي بالمنيا، وموّل عمليات بحث للوصول إلى اكتشافات مماثلة. وتم العثور حينها على أجزاء من أسفار الكتاب المقدس، مثل سفر يونان، مدفونة داخل مقابر قبطية فقيرة. ويضيف: «كمان في حالة تانية كانت في نواحي أخميم، لكن مش موثقة كويس».
المثال الوحيد مكتمل التوثيق، كما يؤكد ساويرس، يعود إلى دير رئيس الملائكة ميخائيل بجبل النقلون في الفيوم. «في الحالة دي، إحنا عارفين كل حاجة: اسم المتوفى، ورقم المقبرة، ومين مدفون حواليه، وشغله، والمحتوى الدقيق للكتاب الموجود في القبر.. وده نادر جدًا».
ويقول: “هذا المجال مهم لكن يتعرض للظلم، وتوجد جبانات كثيرة بها كنوز لكن لم نصل إليها بعد، ربما بسبب نقص التوثيق أو غياب الاهتمام”.
جذور عادة دفن الكتب المقدسة
يتحدث د. إبراهيم ساويرس عن اكتشاف أثري قامت به بعثة حفائر بولندية في إحدى جبانات دير في الفيوم. يقول: “البعثة عثرت على دفنة مزدوجة لرجل وسيدة، وعرفنا من طريقة الدفن وبعض التفاصيل أنهما زوجان، يبلغان من العمر نحو منتصف الخمسينات عند الوفاة. المفاجأة كانت وجود نسخة كاملة من إنجيل يوحنا باللغة القبطية، باللهجة الصعيدية، تحت رأس الرجل، تعود إلى القرن العاشر الميلادي. ويجري حاليا نشر هذه النسخة علميا على يد الباحث الهولندي جاك فان در فليت”.
واستكمل حديثه: “هذا الاكتشاف يضاف إلى ثلاث حالات مشابهة: واحدة في قرية المضل، واثنتان موثقتان جزئيا في المنيا والفيوم، وحالة واحدة فقط موثقة بالكامل في جبل النقلون. وأوضح أن القاسم المشترك بين هذه الحالات هو دفن نصوص دينية مع الموتى، ما يطرح سؤالًا مهمًا: هل كانت هذه ممارسة معتادة لدى الأقباط؟
ويجيب: “الكتب المقدسة كانت شيئًا ثمينًا جدًا في ذلك الوقت، ولا يمكن أن توضع مع أي شخص، بل مع شخص له مكانة خاصة. لكن المفارقة أن الدفنات لم تكن لأغنياء”.
الطفلة المدفونة فقيرة!
وعلى حد وصفه، فإن جبانة الطفلة المدفونة في قرية المضل، كانت فقيرة، ما يدل على أن الأسرة ليست غنية. والتفسير الأقرب أن الطفلة ابنة ناسخ مخطوطات، فأهداها والدها نسخة من عمله كنوع من الوداع. وهو ما تكرر في دفنة جبل النقلون، حيث عثر بجوار المتوفى على أدوات كتابة، من بينها أقلام ومقلمة جلد، مما يدل على أنه كان يعمل ناسخًا.
عن التفسير الأعمق للظاهرة، يوضح د. ساويرس أن الباحثة باولا توتي طرحت احتمال وجود صلة بين هذه الممارسة وما كان يحدث في مصر القديمة، خاصة في سياق “كتاب الموتى”، حيث كانت تُكتب نصوص معينة لحماية المتوفى في العالم الآخر. لكنه يرى أن هذا الربط غير مرجح، لأن “الكتاب المقدس نفسه بدأ يفقد مكانته الرمزية في نهاية القرن العاشر، ولم يعد التأثير المباشر لكتاب الموتى موجودًا كما كان في عصور سابقة”.
عادات متوارثة
ومع ذلك، يشير ساويرس إلى أن هناك “عادات عميقة في الوعي الجمعي للمصريين”، ما يجعل بعض عادات الدفن المسيحية حاليًا تضم عناصر لا تمت للمسيحية، بل إلى تقاليد مصر القديمة. ويقول: “مثلاً، عادة وضع عملة معدنية مع المتوفى لا تزال قائمة، وهي امتداد لفكرة رشوة حارس البوابات في العالم الآخر. وأيضا وضع أحجيات يُعتقد أنها تمنع السحر أو تبطل مفعوله، خوفًا من تعرض الميت لأعمال سحرية. بل حتى اتجاه الرأس في الدفن يرتبط بعادات مصرية قديمة، رغم غياب تعليمات كنسية واضحة عن ذلك”.
ويفسر استمرار هذه العادات بأنها جزء من الوعي الجمعي للمصريين، ويقول: “الناس يورثون العادات من جيل لآخر بدون معرفة أصل العادات، فتتحول إلى طقوس ثابتة. ومن أشهر الأمثلة أيضا عادة شاهد القبر، وترجع للمصريين القدماء قبل أن تتبناها الممارسة المسيحية الشعبية”.
ويرى د. ساويرس أن الاكتشافات الحديثة لدفنات قبطية تحتوي على نصوص مقدسة تفتح بابًا مهمًّا لفهم أعمق للفكر الديني في مصر، ويضيف: “ما نراه اليوم من استمرار دفن بعض الكهنة والشخصيات الدينية البارزة مع نسخة من الكتاب المقدس، وبملابسهم الكنسية الكاملة وصليب في اليد، ليس طقسا مسيحيا فحسب، بل هو امتداد لعادات مصرية قديمة كان يُدفن فيها المتوفى بكامل هيئته. هذه العادات، وإن تغيّرت أشكالها، إلا أنها ترسّبت في الوعي الجمعي، وظلت جزءًا من هوية الدفن القبطية حتى اليوم”.
كتابات أخنوخ
ويضيف: “الأمر لا يقتصر فقط على نصوص الكتاب المقدس. في إحدى الحالات بأخميم، عُثر على نص يرتبط بشخصية أخنوخ، وهي شخصية لم تذق الموت بحسب المعتقدات، بل صعدت إلى السماء بجسدها. هذا النوع من النصوص الغنوصية، التي تصف رحلات ما بعد الموت. قد يكون استُخدم لأغراض شعائرية، كنوع من التمني أو الرجاء بأن ينعم المتوفى بجنة الأبرار. وهي فكرة تتقاطع مع الممارسات الدينية الأخرى، كقراءة آيات تشير إلى النعيم للمتوفى في الإسلام”.
أما عن البعد الاجتماعي والثقافي، فيؤكد ساويرس أن الباحثين يتفقون على أن الفترة الممتدة من أواخر القرن الرابع حتى منتصف القرن التاسع تُعد العصر الذهبي للوجود القبطي. سواء من حيث عدد السكان أو النشاط الثقافي والديني.
ويوضح، “لا يمكن اعتبار دفن الكتب المقدسة نوعًا من الإخفاء أو التهريب. بل العكس، كانت بعض هذه الدفنات في جبانات مسيحية خالصة، وأحيانًا داخل نطاق الأديرة أو الكنائس. وربما حملت دلالة على الفخر، لأن الكتب المقدسة حينها كانت كبيرة الحجم وثمينة للغاية، ومن يملكها ويدفن معها لا بد أنه شخص له مكانة خاصة”.
مخطوطات نجع حمادي
في الدراسة، تطرقت باولا إلى آراء الدكتور جودت جبرة، مدير المتحف القبطي الأسبق وأستاذ الدراسات القبطية بجامعة كليرمونت بكاليفورنيا، الذي رأى أن المخطوط المكتشف يعود إلى القرن الرابع الميلادي. لكن مقارنة الخط المستخدم فيه مع مخطوطات نجع حمادي تفتح المجال لافتراض تأريخه إلى القرن الخامس أو حتى السادس. وهو ما تؤكده أيضاً نتائج تحليل الكربون المشع لمخطوطات مشابهة مثل Codex Glazier، التي ترجع إلى عامي 420 و598 ميلادية.
ويعزز الموقع الجغرافي هذه الفرضية. إذ تعد قرية المضل منطقة كبرى على الضفة الشرقية للنيل. عُرفت في الحقبة الرومانية باسم أنكيرونبوليس. وظلت مأهولة حتى أواخر القرن السادس الميلادي، بحسب بعثات أثرية حديثة.
واستعانت الدراسة بآراء جبرة إلى أوجه التشابه بين وضع الكتب داخل المدافن خلال أواخر العصور القديمة. وبين تقليد “كتب الموتى” في مصر القديمة، واستخدام الأقباط لسفر المزامير عبر العصور. أحيانًا كأدوات للحماية أو “أغراض سحرية” بحسب تعبيره. ومع ذلك، أوضحت الدراسة أن وجود المخطوط داخل القبر لا يعني بالضرورة استخدامه بشكل سحري أو طقسي. إذ أظهرت علامات واضحة على الاستعمال المتكرر، ما يشير إلى أنها كانت كتابًا يُستخدم فعليًا في الحياة اليومية، لا مجرد عنصر طقسي.
توصيات لاهوتيين
واستشهدت الدراسة بتوصيات لاهوتيين بارزين في تلك الفترة، مثل القديس أثناسيوس الكبير، الذي شدّد في رسالته إلى مارسلينوس على أهمية قراءة المزامير لما فيها من دعم روحي في مواجهة تقلبات الحياة.
وفي دعم لهذا التفسيريأ، وُجدت مخطوطة مزامير مماثلة (BL Or. 5000) في صعيد مصر عام 1896، وفقًا لما أورده الباحث إي. أ. واليس بدج، إذ اكتُشفت داخل صندوق حجري في أحد الأديرة، ملفوفة بقطعة كتان إلى جوار كتاب عظات، وتعود إلى القرن السادس، وقد أجرى لها ترميم لاحقا.
بين الموروث المصري القديم والنصوص الدينية
ربطت الباحثة بين النصوص الدينية في مصر القديمة، واعتبارها جزءًا من الطقوس الجنائزية، مع دخول المسيحية إلى مصر. وتطرقت في دراستها إلى دراسة سابقة تعود إلى عام 1990. حين أشار الباحث جورج نيكلسبيرج إلى هذه الفكرة أثناء تحليله لمخطوطات “كودكس بانوبوليتانوس”. معتبراً أن بعض النصوص الدينية لتلك الفترة قد تكون امتداداً لكتب الموتى.
كما استعرضت طرح الباحثتين نيكولا دينزي لويس وجاستين أرييل بلونت. والذي يفيد بأن بعض المخطوطات المسيحية، ومنها مخطوطات نجع حمادي الشهيرة، أُنشئت لأداء دور طقسي يرتبط بالدفن والموت.
وتقترح الباحثتان أن هذه المخطوطات ربما كانت ممتلكات شخصية لعائلات مسيحية مصرية ثرية. كُلف بنسخها فنانون ومُخطّطون، ثم دُفنت لاحقاً في مقابر أصحابها، كتقليد معدّل لعادة مصرية تعود لمئات السنين. وتشيران إلى أن ترتيب بعض المجلدات. بل حتى لغة كتابتها القبطية، يوحي بأن الغرض منها كان موجها للحياة الأخرى.
هل كانت هناك «كتب موتى» مسيحية؟
وقبل تبني أي استنتاج، عادت الباحثة إلى الجذور، ودراسة “كتاب الموتى” في مصر القديمة والدور الذي لعبه في الطقوس الجنائزية. وعرفت كتاب الموتى بأنه بمثابة دليل روحي وسحري للعالم الآخر. مليء بالتعاويذ والصلوات التي تساعد الروح على اجتياز العقبات والمخاطر في طريقها إلى الحياة الأبدية.
وتطرح تساؤلات عن امتداد هذه الممارسة إلى العصر المسيحي؟ وهل من الممكن أن يكون المسيحيون الأوائل في مصر قد ورثوا هذا التصور واحتفظوا بالفكرة؟
كما استعرضت آراء عديدة لباحثين يشككون في ذلك بشدة. مشيرين إلى أن الممارسات الدينية للمجتمعات المسيحية لا تدعم فرضية استمرار “كتب الموتى” في الشكل أو الوظيفة في ظل الإيمان المسيحي.
دفن الكتب المقدسة في مصر القديمة
أشارت باولا إلى أن طبيعة الكتاب الديني حمته من أي اتهامات تتعلق بالسحر. خاصةً أن المزامير كانت ذات شعبية كبيرة بين المسيحيين الأوائل.
وفي عام 1911، قاد الباحث البريطاني إي. أ. واليس بدج بحثا منهجيا في منطقة الأشمونين. واكتشف مخطوطة تحتوي على نصوص دينية متعددة- منها سفر التثنية، وسفر يونان، وسفر الأعمال، وبداية من سفر رؤيا إيليا- داخل مقبرة قبطية تعود لفترة متأخرة.
ورغم أن المتوفى أُحيط بعناصر مثل الصليب وسلسلة معدنية. فإن وجود المخطوط يدل على مكانة دينية أو شخصية خاصة له. ربما قد يكون ناسكًا أو راهبًا. كما افترض بدج.
اكتشاف نادر في أخميم
أوردت الدراسة اكتشافا مهما يعود إلى أواخر القرن التاسع عشر. وتحديدًا بين عامي 1886 و1887. عندما قادت بعثة أثرية فرنسية برئاسة الباحث يوجين غريبوت أعمال الحفر في مقبرة مسيحية بمنطقة أخميم (المعروفة قديمًا باسم بانوبوليس).
وفي أحد القبور، عُثر على مخطوطة من الرق تتضمن مقتطفات باللغة اليونانية من رؤيا بطرس، وإنجيل ينسب إليه. وهي نصوص مثيرة للجدل لقرون. وجدت هذه النصوص داخل الكارتوناج (غلاف الدفن). إلى جانب شذرات يونانية تتعلق بالمعابد والحمامات، وأسماء لآلهة مثل هيرمس وأفروديت. بالإضافة إلى لقب مسؤول حكومي لا يظهر في الوثائق المعروفة بعد عام 307م، ما أتاح تأريخًا تقريبيًا للدفن.
افترض الباحث هارولد بيل أن بعض أجزاء المخطوط تعود للقرن الخامس الميلادي. وقد عرف لاحقا باسم “مخطوط بانوبوليتانوس”، وتضمن أيضًا نصًا من كتاب “أخنوخ الأول”، وأجزاء من “استشهاد القديس جوليان”. وتشير الدراسات الحديثة إلى أن هذا المخطوط المؤلف من 33 ورقة رق مغطاة بجلد قد يعود إلى الفترة ما بين القرنين الثامن والثاني عشر، رغم أن القبر ذاته ظل مستخدمًا حتى بدايات القرن العشرين.
قصة استشهاد القديس جوليان
لفت الباحث فان مينين النظر إلى أن إحدى صفحات المخطوط، -المأخوذ من قصة استشهاد القديس جوليان- كتبت على الأرجح بخط يعود إلى القرن السابع. مما قد يشير إلى أن وضعها في القبر حدث في فترة لاحقة. وبحسب الدراسة، تكمن أهمية هذا المخطوط في كونه من الأمثلة القليلة التي تستُشهد بها. كدليل محتمل على وجود “كتب موتى” مسيحية. مثل كتاب رحلات أخنوخ إلى السماء والعالم السفلي.
وترى باولا أن هذا النوع من المحتوى قد يعكس استخدامًا جنائزيًا مماثلًا لما كان معروفًا في مصر القديمة. ويعزز هذا التفسير – وفق مؤيديه – مظهر المخطوط المهترئ، مما يشير إلى إعداده لغرض طقس جنائزي.
ويضيف فان مينين أن هناك ورقة إضافية مأخوذة من نص “استشهاد يوليوس العنازي”. تم لصقها على الغلاف الخلفي، وربما أضيفت لاحقًا بهدف تعزيز شكل المخطوطة أو توثيق استخدامها. مما يفتح الباب أمام فرضية أنها لم توضع في القبر فورا. أما قصة الاكتشاف نفسها، فتثير مزيدًا من الغموض. فوفقًا لما ورد في وصف الباحث “بيليه” للبردية المصاحبة. فإن هذه الوثيقة لم تصل إلى أيدي مدير البعثة الأثرية يوجين غريبوت إلا في الشتاء التالي لعملية الحفر. وقال إنه لا توجد معلومات دقيقة عن موقع العثور عليها أو هوية من اكتشفها.
غموض المخطوطات في مدافن مصر
أشارت الباحثة أيضا إلى المخطوط المعروف باسم “Codex Papyrus Berolinensis 8502”. والذي اشتراه كارل رينهاردت في عام 1896 من تاجر آثار في القاهرة. ورغم أن الباحث كارل شميت افترض أنه جاء من مقبرة في أخميم. إلا أن التاجر نفسه أشار إلى أنه وجد في جدار منزل، داخل تجويف محشو بالريش أو وسادة متحللة، مما يبقي أصل المخطوط غامضا.
وسلطت الباحثة الضوء على المعلومات الدقيقة المتعلقة بمحتوى مخطوطات مجموعة “هامولي”. المحفوظة اليوم في مكتبة بيربونت مورجان، وتتكون من حوالي ستين مخطوط، معظمها من القرن التاسع. وتشمل نصوصًا من العهدين القديم والجديد، واستشهادات.
وتحتوي بعض هذه المخطوطات على بيانات نسخ تظهر أنها كتبت خصيصًا لدير رئيس الملائكة ميخائيل، أو نقلت إليه لاحقًا. وهذا يعزز الرواية التي نقلها هنري هيفرنات. والتي تشير إلى العثور على المجموعة عام 1910 داخل حوض حجري في موقع الدير نفسه، قرب قرية الفيوم.
اقرأ أيضا:
«التطوير» يصل مقبرة الإمام «المراغي»: نقل رفاته تمهيدا للهدم| خاص