«خبيئة كهنة آمون».. التاريخ الأوكراني لهدية الخديوي عباس حلمي المفقودة

«في عام 1894 تلقت الإمبراطورية الروسية 6 صناديق تحتوي على كنوز مصرية من بينها 5 توابيت و49 قطعة أثرية، مرفقة بوثيقة تثبت شراءها ولكن حتى الآن لم يتم عرض هذه الوثيقة سواء في المتحف أو عبر أي جهة أوكرانية. تمت ترجمة وإعداد الوثيقة للنشر والتعليق عليها في الثمانينيات من قبل عالم المصريات السوفيتي أود بيرلف ولكنها محفوظة في أرشيف ولاية أوديسا ولم يتم نشرها بعد».

هذا الجزء المدون في التقرير العلمي الأخير الصادر عن اجتماع هيئة رئاسة الأكاديمية الوطنية للعلوم في أوكرانيا بتاريخ الرابع من ديسمبر 2019، لمدير متحف أوديسا د.بروياكو إيجور فيكتوروفيتش حول إشكالية أوراق ثبوت ملكية الآثار المصرية، كان محل بحث «باب مصر» في قصة خروج الصناديق الستة من مصر، وبالبحث على مدار عدة أسابيع اتضح أنها قصة شبه بوليسية أو لغز لم يتم ذكره مسبقًا.

لغز الكنز المفقود

هذا اللغز عن إهداء الخديوي عباس حلمي الثاني كنوز 200 مقبرة أثرية إلى 17 دولة أوروبية. بالطبع البحث في مصير الآثار المصرية في 17 دولة يحتاج إلى كتاب كامل. وفي هذا التحقيق الاستقصائي سيتتبع «باب مصر» مصير الجزء الذي أهداه الخديوي عباس حلمي الثاني إلى الإمبراطورية الروسية ومنها إلى أوكرانيا – موطن الحرب الروسية حاليًا – التي كانت جزءا من الإمبراطورية الروسية حتى استقلالها في أغسطس 1991، وتحتفظ أوكرانيا بعدد من هبة الخديوي باعتبارها كانت جزءا منها.

يُطلق على هذا الكنز «خبيئة كهنة آمون» وكنز «باب الجسس» وهي أكبر مقبرة سليمة تم اكتشافها في مصر وأحد أثمن الكنوز، بل ويعد أعظم اكتشاف أثري في القرن التاسع عشر. ولكن في الوقت نفسه أسراره لغز غير معروف حتى الآن. خاصة لوجود جزء من هذا الكنز مجهول التاريخ في مخازن أوكرانيا و17 دولة أوروبية أخرى، ورغم أهميته الكبيرة لدراسة تاريخ مصر القديمة إلا أنه ما زال غامضا.

عرض لأول مرة

تم عرض قطع من هذه المجموعة لأول مرة في مؤتمر صحفي في الخامس من مايو عام 2017. إذ عُرضت مومياوات لامرأة وتمساح في العاصمة كييف، والتي تم العثور عليها بالصدفة في محمية كييف-بيشيرسك التاريخية والثقافية الوطنية. ووفقا لموقع “أبوستروف” الأوكراني، تم العثور عليها في أوائل عام 2017، أثناء البحث بين مقتنيات المحمية وتم اكتشاف مومياء مصرية قديمة بالصدفة.

بعد ذلك، اتضح أنها ترجع إلى المجموعة التي جاءت إلى كييف في مطلع القرنين التاسع عشر والعشرين وكانت في البداية ضمن المجموعات الخاصة للأسقف بورفيري أوسبنسكي وبودان وفارفارا خانينكو. وفي وقت لاحق، تم الاحتفاظ بالآثار في المتحف الأثري للكنيسة. ثم في متحف حتى تم العثور عليها مخفية.

والذي يؤكد على أنها تابعة لهدية الخديوي، بحث العلماء إذ وجدوا أن التوابيت تنتمي إلى الفترة الحديثة لمصر القديمة (1085 – 656 قبل الميلاد)، وتتكون المجموعة من مومياوات، واثنين من التوابيت الملونة والعديد من الأواني الجنائزية.

خبيئة «باب الجسس»

بدأت قصة هدية الخديوي عن طريق الصدفة في ديسمبر عام 1891، حين وجد عالما المصريات الفرنسيان «جورج دريسي» و«يوجين جريبو» والعالم المصري أحمد كمال باشا في منطقة الدير البحري بالقرب من معبد حتشبسوت بالأقصر، دفنًا كبيرًا لكهنة الإله آمون. كان الاكتشاف غامضا بالنسبة لهم لم يتضح محتوياته وتاريخه إلا بعد فترة طويلة من البحث.

تردد الباحثان الفرنسيان على الموقع عدة مرات، في كل مرة يتضح معلومة جديدة عن هذا الكنز، اللذان أطلقا عليه أعظم اكتشاف في القرن التاسع عشر. وتوصلا إلى أن هذا الكنز يرجع إلى الدفن الجماعي خلال الأسرة الحادية والعشرين (1069-945 قبل الميلاد). وكانت فترة سياسية صعبة لمصر القديمة، عندما تم تقسيمها إلى قسمين: مصر السفلى، ومصر العليا المعروفة بصعيد مصر حيث يحكم كهنة آمون.

كانت العاصمة طيبة، وخلال هذه الفترة الصعبة، ابتكر العديد من المصريين أعمالًا جميلة من الفن الجنائزي شملت التوابيت والبرديات الجنائزية المعروفة باسم «كتاب الموتى» ذات الأيقونات المميزة. وكل هذه القطع التي عثرا عليها بنفس حالتها كانت كنز حقيقي لهما. وجد العالمان الفرنسيان في هذا الكنز الفرصة لمعرفة المزيد عن ثقافة وحياة المصريين القدماء في العالم خلال تلك الفترة. وبالطبع تم العثور على مدافن جماعية لملوك وملكات مصر القديمة قبل وبعد هذا الاكتشاف، ولكن حتى وقتنا هذا، كانت أكبر مقبرة جماعية تم العثور عليها على الإطلاق.

توابيت ومومياوات

وتضمن الاكتشاف العثور على توابيت ومومياوات 153 من الكهنة مدفونين مع مجموعة متنوعة من مقتنياتهم. بالإضافة إلى العثور على أكثر من 250 تابوتًا معظمها مزدوج، وأكثر من 50 غطاء مومياء غير مستخدم، مئات القطع من الأوشبتي. بالإضافة إلى مومياوات بشرية من العامة، والتي وفقًا للمصريين القدماء، كانت لخدمة الموتى في الآخرة، والعديد من التماثيل الخشبية للإله أوزوريس بداخلها ورق بردى، وتماثيل الآلهة إيزيس ونفتيس. بالإضافة إلى سلال ومزهريات وأباريق وأشياء أخرى.

والأهم من ذلك، وجد علماء الآثار أن كل شيء لم يتم لمسه من قبل، ولكن الزيارة المستمرة للعالمان كانت سببا في ذيع صيتها بأنها “أرض غنية بالكنوز” في أرجاء مصر. وفي ذلك الوقت كان الطلب على الآثار المصرية في السوق السوداء ضخمًا، لذلك ليس من المستغرب أن اللصوص كانوا يبحثون بقوة عن مثل هذه المدافن.

الخوف من سرقتها في غيابهما، كان سببا في قيام الباحثين بإبراز جميع النتائج التي توصلوا إليها أمام الجميع، ولجئوا إلى المكوث في معسكر بجانب مكان الاكتشاف. وفي غضون أسبوع واحد فقط تم إخراج المجموعة كاملة وإرسالها إلى الخديوي عبر النيل إلى القاهرة، خوفا من سرقتها بواسطة اللصوص.

هبة الخديوي 

لم يتم الإعلان عن الاكتشاف إلا في عام 1892، بعد تنصيب الخديوي الجديد، عباس حلمي الثاني، سلطانا على مصر، وحضر حفل تتيجه عدد من الملوك والزعماء من حول العالم. تم الاحتفال بالتنصيب على مراحل. وفي عدد جريدة الأهرام بتاريخ 26 يناير عام 1892 ذكرت الصحيفة: “تم الاحتفال في الحلف، فقد رأى في ساحاته الأوروبية استعراض جيوش أوروبا وحضرها مع ملوكها وأبناء ملوكها وسيحضر قريبا استعراض الحرس السلطاني الشاهاني وهي مدارس عظيمة”.

وفي عدد 29 يناير 1892، ذكر أنه كان موعد وصول الأسطول الفرنساوي والأسطول الروسي في المياه المصرية لتهنئة الخديوي عباس باشا. وكان موكب حافل بالعلماء والشيوخ ومن بينهم الشيخ بسيوني، والشيخ البنا، الشيخ الرفاعي وغيرهم من مشايخ الطرق وسار الموكب إلى سراي عابدي، وتكريما للتتويج. قرر القيام بلفتة دبلوماسية كانت التبرع ببعض الكنوز القيمة لحُكام سبع ولايات اختارها للحفاظ على العلاقات الجيدة معها.

أثمن القطع

ولكن كان هناك ما يصل إلى 17 دولة صديقة تتوق إلى هذه الهدية. شكّل الخديوي فريقا لاقتناء أثمن القطع من الاكتشاف، من مومياوات الكهنة ونصف التوابيت وتماثيل أوزوريس وغيرها. وتم تقسيم باقي الاكتشاف الضخم كهدايا إلى 17 مجموعة شبه متماثلة، ولعب الحظ دورا في تقسيمها على البلاد.

ووفقا لموقع “هرودماسك” الأوكراني، كان للإمبراطورية الروسية النصيب الأكبر للحصول على الكثير منها. ورغم اعتراض الكثير على مهاداة العالم بتاريخ وتراث الحضارة المصرية، كان هناك افتراضا آخر يقترح أنه لا يمكن وضع مثل هذا العدد الكبير من الاكتشافات الفعلية في متحف الجيزة حيث يتم تخزينها. وقام بنقل محتويات المقبرة كل من “أوجين جريبو” رئيس مصلحة الآثار المصرية ومدير المتحف المصري، وجورج دارسى، أوربان بوريون وأحمد كمال باشا.

حاول «باب مصر» تتبع رحلة هذا الكنز ومعرفة مصيره. وعلى وجه الأخص تلك التي حصلت عليها الإمبراطورية الروسية، خاصة أنه لم يعرف أحد حتى الآن بالضبط التكوين الكامل للقطع الروسية. أو أين الكثير منها، مصيرها إذ كانت نجت حتى الآن.

مصير الصندوق

خلال عام 2003، استطاع عالم المصريات، ميكولا تاراسينكو، من معهد الدراسات الشرقية لأكاديمية القرم الوطنية للعلوم في أوكرانيا، الاهتمام ودراسة مصير هذه القطع. وبحسب المعلومات التي توصل إليها في ورقة نادرة، ووفقا لكتاب «الآثار المصرية للأسرة الحادية والعشرين في متاحف أوكرانيا»: “في عام 1894 وصلت هذه الآثار – الصناديق الستة – عن طريق البحر إلى أوديسا، وتم تسليم صندوق منهم به تمساح محنط ليتم إرساله إلى سان بطرسبرج”.

وبحسب ما رواه العالم ميكولا لـ«باب مصر» كان قد بدأ بحثه عن لغز كنز «باب الجُسس» في عام 2003. عندما انضم إلى فريق العمل الميداني كرسام في بعثة “بيلجورود – تيراس” الأثرية عبر تنظيم رحلات منتظمة إلى أوديسا الأوكرانية للعمل على ترميم وثائق من أرشيف المخطوطات التابع للصندوق العلمي لمتحف أوديسا الأثري.

في ذلك الوقت، ظهر اهتمامه بآثار «باب الجُسس» ضمن مجموعة هذا المتحف، والذي تم عرضه لأول مرة في تقرير مؤتمر عام 2007. وكانت نقطة التحول في دراسة هذه الآثار اكتشاف وثائق مهمة في الدولة تحديدا أرشيف منطقة أوديسا، في عام 2015، استُكملت لاحقًا بوثائق من أرشيفات أخرى. وقدمت هذه الوثائق بيانات جديدة فيما يتعلق بتوزيع آثار 6 صناديق ممتلئة بالقطع الأثرية من «باب الجُسس» بين مختلف مؤسسات المتاحف في الإمبراطورية الروسية السابقة في 1894-1895 عندما كانوا في أوديسا.

لغز الصناديق الستة!

الآن بات من المعروف أن نصيب الإمبراطورية الروسية كان ستة صناديق مُحملة بالآثار. وصلت إلى أوديسا، الأوكرانية حاليا. ولكن لاحقا اختفت الإمبراطورية الروسية. وتشكل الاتحاد السوفيتي. ثم اندلعت حربان عالميتان. أُحرقت خلالها المتاحف، وسُرقت الأموال والأوراق والمخطوطات والوثائق الهامة. ووصف علماء المصريات أن القطع الروسية المفقودة من هدية عباس حلمي الثاني هي الأكثر صعوبة في دراسة مصير هذا الكنز العظيم.

لم تُقدِم أي تقارير سابقة في القرن التاسع عشر والعشرين معلومات دقيقة عن مصيرها. ولكن وفقا للوثيقة التي توصل إليها ميكولا، وصل إلى أوديسا 4 توابيت و3 صناديق دفن، و46 تمثال جنائزي. هذا بخلاف مومياء التمساح التي يُقال أنها كانت ضمن الهدية الروسية.

ولكن لماذا لم يتم الاحتفاظ بالهدية كاملة في متاحف أوديسا حيث وصلت لأول مرة. خاصة أنه كان من المفترض أن تكون هدايا الخديوي موجودة مؤقتا في متحف جمعية أوديسا للتاريخ والآثار؟

كان البروفيسور “أوليكسي ميكولايفيتش ديريفيتسكي” المؤرخ الأثري وأستاذ فقه اللغة الكلاسيكية، هو المسؤول الروسي حينها في التعامل مع هدية الخديوي. ورأى أن المتحف غير قادر على استيعاب هذا الكم من القطع الأثرية. لهذا فضل نقلها إلى مكان آخر. هو “جامعة نوفوروسيسك” في أوديسا من بين المتاحف الجامعية المختلفة في الإمبراطورية الروسية.

وثيقة أساسية

حتى وقت قريب كان يُعتقد أنه لم يُترك أي وثائق حول كيفية تقاسم هدايا الخديوي بين الجامعات الروسية المختلفة. ولكن وفقا لموقع “هرومادسك” الأوكراني اتضح أن دور البروفيسور ديريفيتسكي في هذا التقسيم كان غير معروف تقريبًا. وفي عام 2015 وجد عالم المصريات الأوكراني “ميكولا تاراسينكو” وثيقة في أرشيف الدولة لمنطقة أوديسا لعبت دورًا رئيسيًا في هذه القصة البوليسية.

تضمنت الوثيقة تقرير ديريفيتسكي حول كيفية توزيع الآثار من المجموعة. اتضح من خلالها أن المجموعة الروسية تضمنت 6 توابيت، 4 أغطية مومياوات و92 كيسا مليئا بالقطع الآثار، و3 صناديق أثرية، و3 مومياوات.

وتم تقسيم هذه المجموعة بين 10 مؤسسات تعليمية في 9 مدن من الإمبراطورية الروسية، بعضها لأوديسا. الباقي أُرسل إلى “نوفوروسيسك”. وقطع أخرى في جامعة “ديريفيتسكي”. ومجموعة منها في موسكو، وكازان، وسانت جورج، وهلسنكي، ووارسو. بالإضافة إلى مؤسستين في سانت بطرسبرج، هما: جمعية الفنون والمدرسة المركزية للرسم الفني.

تابوت أو غطاء

وبالعودة إلى المجموعة التي ظلت في أوكرانيا، فبالإضافة إلى أوديسا. تم تقسيم باقي القطع عن طريق القرعة. بعضها إلى جامعة كييف. وأخرى في جامعة خاركيف. بحيث حصلت كل مؤسسة إما على تابوت أو غطاء وقطع صغيرة. وصلت إلى احتفاظ كل مكان بحوالي 12 تمثال وصندوق أو تابوت.

الآن بات معروفا مصير هذه القطع ولكن أين هي؟ وما شكلها؟ ولماذا لم يتحدث عنها أي شخص طوال هذه الفترة؟

وبحسب ما أوضح الكاتب “ديمتري سيمونوف” فإن غياب الحديث عنها بعد مرور ما يزيد عن مائة عاما على وجودها في أوكرانيا وروسيا أمرا طبيعيا. خاصة بسبب عدم وجود أي من المتاحف التي تم نقل هدايا الخديوي إليها اليوم. إذ تم إغلاقها جميعًا وتحويل أموالها إلى مؤسسات أخرى.

أين هدية الخديوي في أوكرانيا؟

بالبحث عن مصير القطع، اتضح أن متحف الفنون الجميلة في جامعة “نوفوروسيسك” تسلم تابوتا وصندوقين و8 تماثيل أوشبتي ومومياء واحدة. ولكن في عام 1924 تم تفكيك متحف الجامعة ونُقلت مجموعته المصرية إلى أخرى تسمى الآن متحف أوديسا الأثري التابع للأكاديمية الوطنية للعلوم في أوكرانيا.

هذا التابوت، وجزء من القطع وغطاء المومياء لا يزالون محفوظين هناك. لكن مصير الصناديق وتماثيل الأوشبتي لا يزال مجهولا. ولا يحتوي معرض متحف أوديسا الأثري على صندوق واحد.

بالانتقال من مدينة «أوديسا» الأوكرانية إلى «كييف» كان قد استقبل المتحف الأثري بجامعة القديس فلاديمير. تابوت و10 تماثيل أوشبتي ولفائف مومياء. ولكن خلال العقود الأولى من الحقبة السوفيتية. انتقلت هذه القطع أكثر من مرة من متحف في كييف إلى مكان آخر بحجة حمايتها.

نقل القطع

في عام 1941، لم يكن لديهم وقت لنقل القطع هذه المرة قبل أن يحتل النازيون «كييف» وفي عام 1943، أثناء الهجوم السوفيتي. تم ترحيلهم إلى ألمانيا، وفي عام 1947 عادوا إلى أوكرانيا. هذه المرة تم الاحتفاظ بهم في متحف الدولة التاريخي في شارع «فولوديميرسكا». والذي يسمى اليوم المتحف الوطني لتاريخ أوكرانيا.

في عام 1959، تم نقل التابوت مع الآثار المصرية الأخرى غير التابعة لهدية الخديوي، من كييف إلى متحف أوديسا الأثري. حيث كانت هناك بالفعل عناصر من نفس المجموعة في ذلك الوقت، وللترويج إلى الثقافة الأوكرانية كان يتم المعارض من حين لآخر في متاحف عواصم الجمهوريات السوفيتية. ولكن حتى الآن ما زال سر اختفائهم مجهولا خاصة التوابيت.

حريق متحف «خاركيف»

بتتبع مصير هدية الخديوي في أوكرانيا، والانتقال من مدن «أوديسا» و«كييف» إلى مدينة «خاركيف». كان قد أرسل البروفيسور «ديريفيتسكي» تابوتًا واحدًا و9 شواهد قبور إلى متحف جامعة خاركيف. ولكن في عام 1920 تم نقلهم إلى متحف التاريخ الأوكراني. ويحمل الآن اسم “متحف خاركيف التاريخي”.

ولكن خلال الحرب العالمية الثانية، اندلع حريق في المبنى خلال هجوم الألمان. حيث دُمرت العديد من العناصر من هذا المتحف، واستمر الحريق في متحف خاركيف عدة أيام. نتج عنه تدمير جزء من القاعة الأثرية في خاركيف في الحريق. وتم إثبات هذه الخسائر من خلال وثائق من أرشيف متحف خاركيف التاريخي. ولم يتم العثور على آثار المتحف في أي مكان آخر.

بالحديث بشكل متخصص عن جزء منهبة عباس حلمي الثاني في أوكرانيا بالتحديد. فإن أحد التوابيت الثلاثة وبعض القطع الصغيرة احترقت خلال الحرب العالمية الثانية أو تم نهبها. وبعض القطع مازالت في متحف أوديسا، ولا تزال هناك 6 مدن أرسل فيها البروفيسور ديريفيتسكي كنوزًا من هدية الخديوي.

نجت «قازان» من الاحتلال والدمار خلال الحرب العالمية الثانية. وبالتالي نجت الآثار المصرية ومنها التابوت الحجري وتماثيل الأوشبتي دون حوادث تُذكر حتى عصرنا وتم حفظها في المتحف الوطني لجمهورية «تتارستان». مع إجلاء الآثار المصرية من سانت جورج خلال الحرب العالمية الأولى إلى «فورونيج»، حيث بقيت حتى الآن.

وثائق مفقودة!

ولكن وفقا لجرد “بروغش ودريسي” بات مصير تابوت «جدخونس إيو إف عانخ» مجهولا فقد كان جزءا من مجموعة “القاهرة جي إي – 29620/29626”. ولا توجد معلومات حول هذا التابوت بهذا الرقم في تقارير جرد الصناديق الستة. ولم يتم إرساله إلى روسيا أو أي مكان آخر. كذلك بالبحث في فهرس توابيت المتحف المصري بالقاهرة فإنه غير موجود أيضا. وتم العثور على غطاء التابوت خارج البلدين. إذ تم إرساله إلى متحف اللوفر بفرنسا، ومتحف ليون.

وعن «جدخونس إيو إف عانخ» هو رئيس كهنة لآمون في طيبة يعتقد أنه كان في منصبه من 1046-1045 قبل الميلاد. واقترح علماء المصريات أنه من المحتمل أنه مات بشكل عنيف خلال فترة حكمه القصيرة. ومن المرجح أن تكون زوجته هي “جدموت عنخ”، مغنية آمون، التي دُفنت في مقبرة الدير البحري.

الإمبراطورية الروسية

وبحسب تقارير “فيليب فيري” بين عامي 1892 و 1893. فإن الاستنتاج الواضح هو أن التابوت الداخلي لـ«جدخونس إيو إف عانخ» لم يغادر مصر أبدًا. وأن البحث عنه في باريس أو إيركوتسك. وكذلك في أي جزء آخر من سيبيريا، لن يُقدم معلومات. والغريب في الأمر هو أن توزيع الآثار على الإمبراطورية الروسية كان أكثر تكلفة من نقلها من الإسكندرية إلى أوديسا. إذ تنص وثائق أوديسا الأرشيفية على أن التوزيع الكامل للقطع الأثرية تم بواسطة البروفيسور ديريفيتسكي في 23 مارس 1895 من قبل وكالة أوديسا التابعة لشركة النقل “ناديجدا”. وبلغت التكلفة التقديرية لجرد الآثار وتوزيعها 160 روبل 45 كوبيل وبالمقارنة. كانت تكلفة نقل القطع الأثرية من الإسكندرية إلى أوديسا 33 روبل 20 كوبيل فقط.

وتظل باقي صناديق الإمبراطورية الروسية حيث تقع في روسيا حاليا محل تساؤل عن مصيرها. إذ اكتشف ميكولا تاراسينكو أنه تم حفظ منها في موسكو الروسية تحديدا في متحف الدولة للفنون الجميلة. مع حفظ قطع أخرى في سان بطرسبرج انتهى بها الحال في متحف «هيرميتاج». هذه القطع ذات تاريخ مجهول. وبحسب الموقع الرسمي للمتحف. لم يعرف أيا من علماء المصريات الروسيين وآخرين من متحف «وارسو» الوطني في بولندا التعرف على تاريخ هذه القطع المصرية. لأن وثائقهم ضاعت.

تم نقل عدد منهم إلى متحف «هلسنكي» الفنلندي ولحسن الحظ نجا منها غطاء تابوت. و9 تماثيل بحالتهم الأصلية. ولكن حتى الآن لم تعني فنلندا هذه القطع أهمية كبيرة وتم عرضهم مرة واحدة فقط في معرض مؤقت. ولم يعرف الباحثون الأجانب عن وجودهم إلا عن طريق الصدفة.

اقرأ أيضا

500 قطعة مخفية.. ما مصير آثار مصر القديمة في أوكرانيا؟

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر