حوار| المصور الفلسطيني أسامة سلوادي: عين على المعاناة والتراث الفلسطيني

ثلاثون عاما من العمل المستمر في توثيق كل ما يحدث في فلسطين، من خلال الكاميرا التي لا تفارق يديه استطاع تدشين أرشيف ضخم من الصور التي تروي قصة فلسطين منذ بداية التسعينات حتى الآن عن الصراعات، الموت، الطبيعة، والتراث والفلكلور الفلسطيني من خلال 11 كتاب، وتتسم صور أسامة سلوادي المصور الفلسطيني وكاتب الحكايات البصرية والفلكلورية بمنظور مختلف لقصة فلسطين برؤيته الخاصة ومجهود شخصي، رغم قضاءه 15 عاما على كرسي متحرك بسبب إصابته برصاصة طائشة خلال إحدى التغطيات الميدانية، ويتحدث لـ«باب مصر» في حوار خاص عن الألم والجمال الفلسطيني من خلال عدسة الكاميرا الخاصة به ومشروعه لتوثيق التراث والفلكلور الفلسطيني..

يتجدد الألم مع كل انتفاضة فلسطينية.. ما أبرز التغطيات التي شاركت بها للصراعات في فلسطين؟

بدأت هوايتي في التصوير في سن مبكرة، وكنت مولعًا بحب تصوير الطبيعة والحياة البرية والزهور، لكن أخذتني أحداث انتفاضة الحجارة عام 1987 من عالم الطبيعة إلى عالم الأخبار وتصوير الأحداث التي كانت تحدث في فلسطين، وبعدها انخرطت في عالم التصوير الإخباري لمدة 20 سنة تقريبا، قمت خلالها بتغطية أحداث كبيرة مثل انتفاضة 1996 عندما افتتح نفق تحت المسجد الأقصى وسُميت وقتها انتفاضة أو هبة النفق.

وبعدها انتفاضة الأقصى التي اندلعت عام 2000 واستمرت حتى عام 2005 واجتياح الضفة الغربية ومحاصرة أبوعمار سنة 2002 وجنازة أبوعمار سنة 2004 وأحداث كثيرة لا يمكن حصرها، حتى أصبت برصاصة طائشة خلال مظاهرة في رام الله يوم 7 أكتوبر 2006 تسببت لي بشلل في الأطراف السفلية جعلتني غير قادر على المشي.

 كيف يتذكر«أسامة سلوادي» هذا الحادث.. وكيف انعكس علي حياتك؟

في مساء رمضاني يوم 7 أكتوبر 2006 خرجت إلى مكتبي بعد الإفطار لإرسال صور من القدس للصحف فسمعت صوت إطلاق نار في الشارع أسفل مكتبي فخرجت للشرفة لمشاهدة ما يحدث، وأصبت برصاصة جعلتني في غيبوبة لمدة شهر و صحوت على واقع جديد، حيث فقدت القدرة على المشي وأخبرني الطبيب إني كنت أقرب للموت من الحياة، ما زال الحادث يؤثر على حياتي حيث حد من قدرتي على العمل الإخباري وأصبحت أتنقل على كرسي متحرك، ولم أتوقف عن العمل رغم الكرسي المتحرك والشلل ولكن أخذت حياتي منحنى آخر.

قبل الرصاصة الطائشة.. بالطبع واجهت العديد من المخاطر خلال التغطية الميدانية للصراعات.. لم تفكر في التراجع؟

عندما يقرر أي شخص أن يصبح مصورًا صحفيًا فإنه اختار مهنة من أصعب وأخطر المهن على الإطلاق، خاصة إذا كان يعمل في منطقة مشتعلة طوال الوقت مثل فلسطين التي تواجه الاحتلال مند عقود طويلة، لذلك عليه أن يتوقع أنه معرض للإصابة وحتى الموت أثناء العمل، فلا مجال للتفكير في التراجع أو التوقف، وحتى بعد إصابتي هذه الإصابة الخطيرة القاتلة لم أفكر بالتخلي عن الكاميرا، بل عملت في إتجاه جديد أو ربما دعيني أقول إني عدت للبدايات عدت إلى عالم الطبيعة والجمال والتوثيق.

في إطار السيطرة على المشاعر.. حدثنا عن المواقف المؤلمة خلال التغطية الميدانية؟

قمت بتغطية أحداث كثيرة ومخيفة خلال حياتي المهنية وكان أخطرها هو أحداث انتفاضة الأقصى حيث استخدم الاحتلال الدبابات والطائرات الحربية في قصف بيوت مدنية في وسط المدن الفلسطينية، وكانت مشاهد القتل والدمار مرعبة وتبقى ألم في النفس وخاصة عندما يكون الضحايا من الأطفال الأبرياء.

أذكر أني قمت بتغطية حادث إطلاق قذيفة مدفعية على سيارة مدنية كانت تقل أم وأطفالها عائدة بهم من المدرسة فقتلت هي وأطفالها وقد كان الحدث قريب من مكتبي ووصلت قبل سيارات الإسعاف وكانت أشلاء الأطفال متناثرة في كل مكان، ومواقف كثيرة ما زالت راسخة في الذاكرة تسبب ألم في القلب عندما تخطر على البال من جديد.

ماذا عن مشروع التوثيق البصري للتراث الفلسطيني.. وسلسلة الكتب الصادرة عنه؟

كانت الإصابة نقطة تحول في حياتي المهنية، وبعد أن خرجت من المستشفى بدأت كـ«أسامة سلوادي» المصور حياة مهنية مختلفة وفريدة من نوعها ولم تكن معروفة في بلادنا، تحولت من التصوير الإخباري إلى التوثيق عن طريق الصورة وعمل مشاريع فوتوغرافية طويلة تستغرق سنوات طويلة، أسست مجلة “وميض” المختصة بالتصوير.

ثم أطلقت مشروع التوثيق البصري للتراث الفلسطيني، وكانت باكورة المشروع هو توثيق الأزياء الشعبية الفلسطينية المطرزة وهي مشهورة جدًا وعريقة وجميلة، وأطلقت اسم «ملكات الحرير» على هذا الجزء من المشروع وسميت الكتاب بنفس الاسم، وكان هذا الكتاب علامة فارقة في عودة الاهتمام بالتراث الفلسطيني، نجاح هذا الكتاب وحصولي على الميدالية الذهبية للتميز والإبداع شجع كثيرين على السير بهذ الاتجاه، وأعطاني دفعة جديدة للاستمرار والعمل على مشاريع أخرى، فكان بعده عدة مشاريع وكتب منها «بوح الحجارة» الذي يوثق التراث المعماري، و«أرض الورد» لتوثيق الزهور البرية، و«زينة الكنعانيات» الذي يوثق الحلي والمجوهرات، وكتب  أخرى وصلت حتى الآن 11 كتابًا.

 تستمر في خطة توثيق التراث الفلسطيني في ظل غياب دعم المنظمات العالمية أو الاعتراف به.. صف لنا المصاعب؟

عملي في التوثيق مستمر ويتطور يومًا بعد يوم وقد اتخذت منحنى جديد، حيث بدأت مشروع كبير يبحث في تاريخ الزراعة والطعام في فلسطين منذ بداية عصر الزراعة حتى اليوم وهذا ما دعاني للعودة للدراسة من جديد حتى أنجز مشروعًا محكمًا أو إذا جاز التعبير أصبح المشروع هو موسوعة الأرض والزراعة والطعام، حتى نعيد كتابة جزء رئيسي من تاريخنا من زاوية جديدة، وقلة الدعم المحلي لهذا النوع من الدراسات يعيق سرعة إنجاز المشروع حيث أتحمل أعباء المشروع وحدي حتى الآن.

 وماذا عن المشاريع الخاصة بـ«أسامة سلوادي» لحفظ التراث الفلسطيني مثل أرشيف صور ياسر عرفات أو بنك صور فلسطين وغيرها؟

ما زلت أعمل وحدي في اتجاهات متعددة مثل الأرشفة والتراث وإنشاء بنك صور فلسطيني حديث، عملت مع مؤسسة ياسر عرفات في بناء أرشيف المؤسسة، وكذلك أعمل على بناء بنك صور فلسطيني الذي يغطي مختلف مناحي الحياة، إلى جانب مشروعي التوثيقي الرئيسي وهو مشروع «موسوعة الأرض والزراعة والطعام».

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر