حوار| الكاتب «محمد أيوب»: القصة القصيرة فنّي وعشقي.. والثقافة لا تُدار بعقلية الجزر المعزولة

في زمن تتراجع فيه المساحات الممنوحة للأدب الحقيقي، وتتزايد فيه ضوضاء الاستهلاك الثقافي، تظل للقصة القصيرة عشّاقها ومبدعوها، الذين يدافعون عنها بكل شغف وإيمان. ومن بين هؤلاء الكاتب «محمد أيوب»، أحد أبناء مدينة السويس، الذي ارتبط اسمه بفن القصة القصيرة، كتابة ودفاعًا وتطويرًا، لأكثر من عشرين عامًا.

وفي هذا الحوار الخاص، نتوقف معه عند محطات من تجربته الإبداعية، ونستمع لرأيه في حال الأدب المصري والعربي، وعلاقته بمدينة السويس التي تسكن كتاباته كما يسكنها هو. يتحدث بصراحة عن المشهد الثقافي، عن الجوائز، وعن المؤسسات، ولا يخفي قلقه على بيوت الثقافة التي تمثل في نظره القلب النابض لأي نهضة فكرية. حوار يحمل بين سطوره مزيجًا من الحب والقلق، الأمل والنقد، الحنين والموقف.. مع قاص يؤمن بأن “القصة ليست عدد كلمات، بل لحظة صدق”.

  • بدايةً، كيف تقدم نفسك للقراء؟

أنا مجرد عاشق للقصة القصيرة، أتابعها وأكتبها وأتنفسها منذ أكثر من عشرين عامًا. لم أكتب بحثًا عن شهرة أو جوائز، بل لأنني وجدت فيها صوتًا داخليًا لا يكف عن الهمس، يدفعني لأخط بقلمي معبراً عن أفكاري.  فالقصة القصيرة ليست مجرد فن أمارسه، بل هي نمط حياة.

بدأت علاقتي بالكتابة مبكرًا جدًا، ونُشر أول نص لي وأنا دون الرابعة عشرة من عمري. كانت لحظة فارقة لا تُنسى، منحتني ثقة ومسؤولية مبكرة تجاه الكلمة.

  • ما الدور الذي لعبته الصحافة المحلية في تشكيلك الأدبي؟

الصحف الإقليمية والمحلية كانت مدرستي الأولى، وكان لها فضل كبير عليّ شخصيًا، أتمنى عودتها بقوة، لأننا فقدنا مصدرًا مهمًا لاكتشاف المواهب. هذه الصحف كانت تنشر دون وساطة، تشجع وترشد، وتعطيك الإحساس بأن ما تكتبه يستحق أن يقرأ، لذا كانت محفزاً قوياً لي في بداياتي.

  •  لماذا القصة القصيرة بالتحديد؟ وما الذي يميزها عن غيرها من الأجناس الأدبية؟

في رأيي المتواضع، القصة القصيرة هي أصعب الفنون الأدبية وأجملها في الوقت نفسه. صحيح أن الشعبية الأكبر اليوم للرواية، لكن القصة القصيرة تملك سحرًا خاصًا، لأنها تقوم على التكثيف، والدهشة، والدقة. هي كالموسيقى القصيرة التي تبقى في الذاكرة رغم قصرها، وتجذب قارئها بما تمنحه من متعة دون إطالة.

  • حدثنا عن أعمالك المنشورة، وكيف تميزت؟

أصدرت حتى الآن أربع مجموعات قصصية، إلى جانب رواية واحدة. كل عمل يمثل جزءًا من رحلتي وتطوري ككاتب. أكتب من الواقع، ومن الذاكرة، ومن تفاصيل الحياة اليومية، وأحاول دائمًا أن تكون القصة نابعة من لحظة صدق، صدق في التصور، وصدق في التعبير، وصدق في الكلمات.

  • يبدو أن لمدينة السويس حضورًا قويًا في كتاباتك، حدثنا عن ذلك؟

السويس ظهرت في كتاباتي رغمًا عني. ليست مجرد خلفية مكانية، بل حضور حي ونابض. أكتب عنها لأنها تعيش في داخلي، بكل تفاصيلها ومقاومتها وشوارعها ولهجتها. هي مدينة ملهمة، وكل من عاش فيها لا بد أن يكتبها بطريقة ما، حتى لو لم يقصد.

  •  من الأدباء الذين أثّروا فيك على المستوى الشخصي أو الفني؟

الراحل محمد الراوي، رحمه الله، هو أستاذ أجيال وأهم أديب سويسي في نظري. تأثرت به كثيرًا، وأعماله كانت نواة فهمي لفن القصة. يسعدني أن يقال عني إنني خليفته، لكن هذا تكريم كبير لا أظن أنني أستحقه بعد، فأنا تلميذ يجوب في محراب أستاذه.

ولا يمكنني أن أنسى الأستاذ عزت المتبولي، رئيس نادي الأدب المركزي بالسويس، الذي له فضل كبير في حياتي الثقافية، قدمني وساعدني كثيرًا، وكان أول من آمن بي. ولا أنسى الكابتن غزالي، الذي في أول حفل توقيع لي عام 2013 قال أمام الحضور: “محمد أيوب مبدع وأمل السويس”. كانت لحظة تاريخية ستظل محفورة في ذاكرتي.

  • ماذا تحتاج السويس ثقافيًا؟

نحتاج استكمال مشروع تأهيل قصر ثقافة السويس، فقد طال كثيرًا. ونحتاج إلى نادٍ أدبي في حي الجناين وآخر في عتاقة. من غير المعقول أن نكون أقل محافظة من حيث عدد أندية الأدب على مستوى الجمهورية. السويس تستحق أكثر.

كتاب بدون إبداء أسباب
كتاب بدون إبداء أسباب
  • هل فزت بجوائز أدبية؟

نعم، فزت بأول جائزة عام 2012 من الهيئة العامة لقصور الثقافة، وكانت دافعًا مهمًا لي للاستمرار. الجوائز ليست الهدف، لكنها أحيانًا تمنحك دفعة معنوية تحتاجها في لحظات الشك أو الإرهاق. ومؤخرا تم تكريمي لفوزي بالمركز الرابع للمواهب.

  • هل ترى أن القصة القصيرة تراجعت؟

أسمع هذا الرأي كثيرًا، لكنه -في رأيي- غير دقيق. الأدب المصري لا يزال بخير، بل هو رائد، وهناك حراك حقيقي في العالم العربي في مجال السرد. لا يصح أن نتجاهل التجارب المتميزة التي تخرج من الخليج، والمغرب، وبلاد الشام.

  • كيف ترى تطور القصة القصيرة؟

تطورت كثيرًا من حيث الشكل والبنية والمحتوى، دخلت مضامين جديدة، وتغيّر الإيقاع، وظهر جيل جديد مظلوم إعلاميًا، لكنه يكتب بإبداع حقيقي، علينا كقراء ومؤسسات أن نسلط الضوء عليهم.

  • ما رأيك في فرض قوالب على القصة القصيرة؟

أنا ضد هذا تمامًا. الإبداع لا يمكن تقييده بعدد كلمات أو شكل معيّن. لا أفهم مسابقات تشترط ألا تتجاوز القصة 1000 كلمة مثلاً، من يقرر ذلك؟ القصة تكتب بالحاجة، وبالحالة، وليس بالتعليمات.

  •  كيف ترى دور المؤسسات الثقافية الرسمية؟

أحيي اتحاد كتاب مصر وهيئة قصور الثقافة، ومراكز الشباب، فدورهم عظيم رغم التحديات. نحن بحاجة إلى دعمهم أكثر، لأنهم يمثلون خط الدفاع الأول عن الثقافة الحقيقية.

  • ما تعليقك على الحديث عن إغلاق بيوت الثقافة؟

كارثة حقيقية إن حدث ذلك. هذه البيوت هي حضانات الإبداع. يجب أن نؤهلها لا أن نغلقها. وإذا كانت صغيرة أو متهالكة، فعلينا دعمها لا هدمها. معظمها تابعة للوحدات المحلية، وهي جزء من الدولة، فلا داعي لفكرة الانفصال بين الجهات. لا نعيش في جزر معزولة.

  • هل ترى أن على المبدعين دورًا في المناصب التنفيذية؟

نعم، المبدعون يمكن أن يحدثوا فرقًا في الوظائف التنفيذية، خصوصًا الثقافية منها، لأن لديهم رؤية ووعيا مختلفا، الكثير من القرارات المصيرية تتخذ دون استشارة أهل الثقافة، وهذه فجوة خطيرة يجب سدّها.

  • ما رسالتك في النهاية؟

رسالتي للدولة: الثقافة ليست ترفًا، بل ضرورة. ولا تقل أهمية عن الصحة والتعليم. ورسالتي للقراء، القصة القصيرة ما زالت تنبض بالحياة، وتنتظر من يقرؤها بصدق، لا تحكموا على الإبداع بالأرقام أو الجوائز، بل بالحسّ الحقيقي.

اقرأ أيضا:

بعد 40 عاما في البحر.. «محمد دياب» يصنع مجسمات تنبض بحياة الموانئ

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر
إغلاق

Please disable Ad blocker temporarily

Please disable Ad blocker temporarily. من فضلك اوقف مانع الاعلانات مؤقتا.