تصفح أكبر دليل للفعاليات الثقافية فى مصر

الدليل - تعالى نخرج

حوار| الفنانة «فاطمة المرسي»: السمسمية قالتلي غني.. وسمعت كلامها

على أوتار السمسمية، كتبت الفنانة «فاطمة المرسي» تاريخًا نسائيًا فريدًا، متحدية التقاليد في مدينة اعتادت الغناء للمقاومة. ومن قلب بورسعيد، تروي أول عازفة سمسمية حكاية آلة تُغني للوطن، وتُورّث التراث بنغمة لا تشبه إلا البحر.

  • بدايةً، نودّ أن نتعرّف عليكِ أكثر.. من هي فاطمة المرسي؟

أنا فاطمة المرسي، أول سيدة تعزف على آلة السمسمية البورسعيدية التراثية، وقائدة فرقة “صوت البحر” للفنون الشعبية والتراثية. أنتمي لعائلة فنية عريقة، فوالدي هو الريس مرسي، أحد أبرز صانعي آلة السمسمية ومدون كلمات أشهر أغانيها في مدن القناة.

نشأتُ وسط بيئة يملؤها الفن، وأصبح الفن الشعبي جزءًا لا يتجزأ من حياتي اليومية منذ الطفولة. تعلّمت العزف بسهولة، لأن آلة السمسمية كانت دائما حاضرة في المنزل. إحدى شقيقاتي كانت تعزف الطبلة، والأخرى تعزف على الملاعق، وكنّا نشكّل فرقة منزلية صغيرة. عشت وسط هذا المناخ الإبداعي الذي صنع مني أول امرأة تعزف على السمسمية في مصر، وربما في العالم.

  • كيف بدأت رحلتك مع آلة السمسمية؟ ومتى كانت أول تجربة حقيقية على المسرح؟

بدأت العزف في سن مبكرة، قبل فترة التهجير من بورسعيد، حيث كنت أشارك والدي وأصدقاءه العزف في المقاهي والشوارع. ومع التهجير وغياب إخوتي لانشغالهم بالخدمة العسكرية، أصبح والدي في حاجة لمرافقة فنية خلال العزف، فطلب مني أن أشاركه. كنت حينها في الثالثة عشرة من عمري، وسألني: “تقدري تعزفي لوحدك؟ مش هتخافي؟”، أجبته بحماس: “مش هخاف”.

وبالفعل، عزفت في أحد الأفراح لأول مرة بشكل رسمي، وغنيت أمام الجمهور، رغم أن الأغاني كانت وطنية الطابع. في تلك الليلة، كان أدائي مفاجئًا للجميع، حتى أن الجمهور تفاعل بشكل كبير مع العزف والغناء، وكان ذلك بداية انطلاقتي الحقيقية.

  • ماذا عن والدك الريس مرسي؟ وكيف ساهم في تشكيل مسيرتك ومسيرة الأسرة الفنية؟

والدي كان فنانًا بالفطرة، توفي مبكرًا عن عمر 55 عامًا، لكنه ترك أثرًا لا يُمحى في عالم الفن الشعبي، خاصة في مدن القناة. امتلك مقهى شعبيًا في بورسعيد، كان ملتقى للفنانين وعازفي السمسمية، ومنهم العازف القدير إبراهيم خلف، أحد الرواد في هذا المجال.

في ذلك الوقت، كانت السمسمية فنا شعبيا يمارس في الشارع بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. لم تكن هناك أجهزة صوت، ولا قاعات مجهزة، بل كنا نعزف على الأرصفة وفي الميادين، وسط جمهور حي ومتفاعل. كنت أصغر العازفين، والفتاة الوحيدة وسط رجال، لكنها كانت بيئة خصبة لصقل موهبتي.

فاطمة المرسي أول عازفة على آلة السمسمية
فاطمة المرسي أول عازفة على آلة السمسمية

 

  • كيف تأسست فرقة “صوت البحر”؟ ومن حمل رايتها عبر الأجيال؟

أسّس أخي الأكبر، عبد القادر مرسي، فرقة “صوت البحر”، وكانت امتدادًا لمشروع والدي الفني. تولّى شقيقي حمّام مرسي تأليف الأغاني وتلحينها، وكان عازفًا بارعًا أيضًا، وكذلك شقيقي إبراهيم الشهير بـ”الايتش”، وأخي جابر مرسي الذي تولّى قيادة الفرقة بعد وفاة عبد القادر، ثم انتقلت القيادة إليّ بعد وفاة جابر منذ عامين.

الفرقة لم تكن فقط عائلية، بل أصبحت جزءًا من هوية بورسعيد الثقافية. استمررنا في دعمها بجيل جديد من الأبناء والأحفاد، مثل ابني وابن أخي أحمد جابر، الذين تعلموا العزف معنا ليحملوا الشعلة.

  • ما الدور الذي لعبته السمسمية خلال فترات الحروب والتهجير؟

السمسمية لم تكن فقط آلة موسيقية، بل كانت صوتًا وطنيًا مقاومًا. خلال الهجرة القسرية التي استمرت ست سنوات، حملنا السمسمية معنا في الترحال، وكانت تغني للوطن والمقاومة والجيش. فغنينا في حرب 1973، ولحظة العودة من الهجرة.

من الأغاني التي ما زالت محفورة في ذاكرتي:

مهما طال الليل علينا
مهما نار الشوق تقيد
بكرة شمس الدنيا تطلع
لما نرجع بورسعيد

كتب كلماتها والدي، الريس مرسي، مثل أغنية “بورسعيد الوطنية” التي ألهبت مشاعر المقاومين، وجعلت السمسمية تُعانق السلاح، وتُترجم مشاعر شعب عاش النصر والهزيمة، لكنها دائمًا كانت تبعث الأمل.

  • حدثينا عن تطور آلة السمسمية، وما يميزها فنيًا؟

السمسمية هي آلة وترية ذات أصل فرعوني، تتكون تقليديًا من خمسة أوتار، تمثل سلّمًا موسيقيًا خماسيًا. تطورت عبر الزمن ليزيد عدد أوتارها إلى 6 ثم 7، وحتى أكثر من 10 أوتار في بعض النماذج الحديثة.

وقد طوّر أخي جابر آلة موسيقية فريدة سمّاها “المرسيّة”، تمزج بين أوتار السمسمية والعود والمندولين والجيتار، لكنها تحتفظ بجوهر السمسمية وصوتها الساحر.

فاطمة المرسي أول عازفة على آلة السمسمية
فاطمة المرسي أول عازفة على آلة السمسمية

 

  • هل مرّت عليكِ فترة ابتعدتِ فيها عن العزف؟

نعم، بعد التهجير مارستُ رياضة الكرة الطائرة، وتألقت فيها حتى انضممت إلى نادي بورسعيد، ثم النادي الأهلي، وشاركت مع المنتخب في بطولات دولية بألمانيا.

ورغم انشغالي بالرياضة، كانت السمسمية ترافقني في السفر، أغني لزملائي، وأعزف لهم. ظلّت جزءًا من روحي رغم الابتعاد المؤقت.

  • ماذا عن فترة إقامتك في مدينة رفح؟ وكيف أثرت في تجربتك الفنية؟

بعد مشاركتي في مسرحية بشمال سيناء، أحببت مدينة رفح، وعشت فيها لمدة 20 عامًا. تلك المرحلة كانت ثرية فنيًا، وجعلتني أتفاعل مع ثقافات ومجتمعات مختلفة.

وعندما عدت إلى بورسعيد، كان شقيقي جابر قد أعاد إحياء فرقة “صوت البحر”، بعد أن فرّق الموت والسفر بين أعضائها. وانضم إلينا جيل جديد، منهم أصغر عازف لدينا: عمرو، الذي بدأ معنا بالعزف الإيقاعي على الطبلة في سن العاشرة، وتعلّم مؤخرًا السمسمية.

  • ما الذي يميز فرقة “صوت البحر” عن باقي الفرق؟

ما يميزنا حقًا هو الأصالة والتنوع. نحن عائلة فنية متكاملة، لدينا تراثا خاصا بنا، وأغانٍ أصلية لا تقتصر على التراث، بل نبتكر الجديد. وجود امرأة عازفة للسمسمية أعطى للفرقة طابعًا فريدًا، وكسر النمط السائد بأن السمسمية للرجال فقط.

بالإضافة لذلك، فإن فرقتنا تضم كل الأعمار، من الصغار إلى الكبار، مما يخلق مزيجًا فنيًا رائعًا بين الخبرة والحيوية، وهذا سر استمراريتنا.

فاطمة المرسي أول عازفة على آلة السمسمية
فاطمة المرسي أول عازفة على آلة السمسمية

 

  • هل واجهتم تحديات في الاستمرار كفرقة مستقلة؟

بكل تأكيد. نحن فرقة حرة لا تتبع وزارة الثقافة، ولا نتلقى أي دعم مادي أو معنوي. نشارك في فعاليات ومناسبات على مستوى الجمهورية، نُعرض على الفضائيات ونحضر افتتاحات مهمة، لكن لم نتلقّ حتى دعوة رسمية من وزارة الثقافة للمشاركة في مهرجاناتها.

نأمل أن تنال الفرق الحرة مزيدًا من الاهتمام، لأن فيها طاقات ومواهب قادرة على تمثيل مصر في أفضل صورة.

  • ما حلمكِ اليوم؟

أحلم أن تسود المحبة بين جميع فرق السمسمية، فنحن لا نتنافس بل نكمل بعضنا. نُمثل بورسعيد، واجهتها الثقافية، فلا يليق بنا أن نحارب بعضنا البعض. أتمنى أن نورّث السمسمية للأجيال القادمة، وأن نُعلّم الصغار والكبار حب هذا الفن، وأن نواصل المشوار الذي بدأه من سبقونا.

  • هل ستقودين يومًا فرقة نسائية كاملة لعزف السمسمية؟

الوقت لا يسمح لي بتأسيس فرقة نسائية خاصة، فمسؤولية “صوت البحر” كبيرة، لكنني أرحب بتعليم أي فتاة تودّ تعلّم العزف، وسبق أن شاركتُ بالعزف مع فرقة “طبلة الست”، وأضفنا فقرة سمسمية ضمن برنامجهم رغم تخصصهم في التراث الشرقي.

  • ماذا تقولين للفتيات اللواتي يحلمن بتعلّم السمسمية؟

أنصح كل فتاة لديها شغف حقيقي ألا تتردد. تعلم السمسمية ليس سهلًا، لكنه ممكن بالإصرار والممارسة، وأنا على استعداد لتعليم أي فتاة تملك أذنًا موسيقية وموهبة. الباب مفتوح، والتراث لنا جميعًا، والسمسمية تستحق أن تُعزف بأيادٍ ناعمة وقوية في آن واحد.

اقرأ أيضا:

السمنية فن وذكريات.. حكاية عم «أحمد السقا» أشهر حلواني في بورسعيد

«الممشى السياحي لقناة السويس».. التاريخ مكانًا للتنزه

«فنار بورسعيد».. أول صرح خرساني في العالم على ناصية التاريخ والملاحة

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر
إغلاق

Please disable Ad blocker temporarily

Please disable Ad blocker temporarily. من فضلك اوقف مانع الاعلانات مؤقتا.