حلم «سمر» يتحول إلى مكتبة.. «بيان» نافذة ثقافية في قلب الأقصر

اعتادت مدينة الأقصر استقبال الزوار من مختلف دول العالم للاستمتاع بآثارها العريقة. وفي تلك المدينة التي تكاد تخلو من المكتبات، برزت تجربة شابة قررت أن تقدم وجها ثقافيا آخر لمدينتها. إنها «سمر محمد»، خريجة كلية الآداب- قسم اللغة الإنجليزية، التي حولت شغفها بالقراءة إلى مشروع ثقافي يخدم أهالي الأقصر. فكانت «بيان» مكتبة لبيع الكتب الثقافية، تناضل من أجل البقاء في ظل ضعف الإقبال على شراء الكتب وقلة العائد المادي .
بداية القصة
تحكي سمر عن بدايتها وتقول: “كانت الفكرة بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، حين لاحظت أن الاهتمام بالقراءة عاد إلى الواجهة، خصوصًا الروايات والقصص. كان حلمي الأول تأسيس مكان صغير على هيئة مقهى مخصص للبنات للقراءة، لكن مع الوقت تطورت الفكرة وتحولت إلى مشروع مكتبة تبيع الكتب وتتيحها للجمهور”.
وتضيف: “الأقصر محافظة لا يوجد بها أي مكتبة حقيقية لبيع الكتب، فكنت أشعر أن تأسيس المكتبة سيكون خطوة مختلفة وملهمة”.
بداية متواضعة وتجربة أولى
في عام 2014، قررت سمر خوض التجربة بشكل عملي، فأنشأت مكتبة صغيرة في شارع جانبي غير معروف. ورغم حماسها الكبير، لم تحقق المكتبة النجاح المتوقع بسبب موقعها غير المناسب وقلة الزبائن.
لكنها لم تيأس، بل اعتبرت التجربة الأولى تدريبًا عمليًا أعاد ترتيب أولوياتها، فبحثت عن موقع أكثر حيوية. وبالفعل، افتتحت فرعا جديدا في شارع علي بن طالب الشهير وسط الأقصر. ومع هذا التغيير، بدأت المكتبة تعرف طريقها للانتشار، وساعدتها وسائل التواصل الاجتماعي على جذب الانتباه وتوسيع دائرة المتابعين والعملاء.
جمهور محدود لكن وفيّ
رغم ندرة المكتبات في الأقصر، إلا أن سوق الكتب ما يزال محدود الإقبال. تعترف سمر بذلك وتقول: “جمهوري الأساسي هم هواة القراءة الحقيقيون، الذين يأتون باستمرار، هؤلاء يعرفون قيمة الكتاب ويحرصون على اقتناء الإصدارات الجديدة، لكن عددهم ليس كبيرًا بما يكفي لتحقيق أرباح واسعة”.
وتتابع: “أنا ضد استغلال القارئ، الكتاب لازم يفضل متاح لكل الناس بنفس السعر اللي الناشر بيحدده”.
تميزت مكتبة “بيان” بشفافية في التعامل مع الزبائن، حيث تحرص سمر على بيع الكتب بالسعر المحدد من دور النشر في القاهرة دون أي زيادة مقابل مصاريف النقل، على عكس بعض المكتبات التي ترفع الأسعار بحجة شحن الكتب إلى محافظات الصعيد.
دعم وفرص دولية
لم تكن رحلة سمر سهلة، لكن الأقدار منحتها فرصًا مهمة ساعدتها على الصمود. ففي أحد الأيام، قرأت إعلانًا عن منحة يقدمها معهد جوته لدعم رواد الأعمال الثقافيين، فتقدمت بمشروعها وفازت بالمنحة. هذا الفوز فتح أمامها أبوابًا جديدة، إذ سافرت إلى السويد وألمانيا لتلقي تدريبات حول إدارة المشاريع الثقافية والتبادل الثقافي.
وعن هذه التجربة تقول: “زادت من ثقتي بنفسي، وأمدتني بأفكار جديدة لتطوير مشروعي. كما علمتني أن الثقافة ليست رفاهية، بل أساس تقدم المجتمعات. وأدركت أن ما أفعله في الأقصر مهم، حتى لو كان بسيطًا”.
فعاليات وأنشطة متنوعة
لم تكتفِ سمر ببيع الكتب، بل جعلت من مكتبتها منبرًا للنشاط الثقافي. فقد شاركت في 16 معرض كتاب في الأقصر وقنا، ونظمت العديد من الفعاليات، أبرزها:
(نادي القراءة الشهري لمناقشة كتاب يختاره المشاركون، نادي اللغة الإنجليزية لتطوير مهارات اللغة عبر الحوار والمناقشات، ورش عمل وندوات ثقافية متنوعة، تستهدف الشباب بالأساس. هذه الأنشطة جعلت من مكتبتها مساحة تفاعلية يلتقي فيها عشاق القراءة ويتبادلون الأفكار في أجواء ودية.
تحديات مستمرة
رغم النجاحات الصغيرة، ما زالت التحديات قائمة، تؤكد سمر أن المشروع لا يحقق الربح المتوقع، لأن سوق الكتاب يعاني أصلًا في معظم المحافظات، فكيف بمحافظة صغيرة مثل الأقصر، كما أنها تدير المكتبة بمفردها لعدم قدرتها على تعيين موظفين إضافيين.
لكنها تقول بابتسامة: “الحلم أكبر من الصعوبات. طول ما في قارئ بيشتري كتاب، لازم أكمل”.

السوشيال ميديا.. نافذة للتوسع
ترى سمر أن الفضل في نجاحها النسبي يعود إلى وسائل التواصل الاجتماعي، التي أبقتها على تواصل دائم مع جمهور القراء، وساعدتها على معرفة أحدث الكتب المطلوبة في السوق. وقد أصبحت صفحتها على فيسبوك “بيان Book Store” منصة للتسويق والتواصل مع القراء من مختلف المحافظات.
الأمل في المستقبل
رغم التحديات، تواصل سمر تمسكها بحلمها. فالمكتبة بالنسبة لها ليست مجرد مشروع تجاري، بل رسالة لنشر ثقافة القراءة في مدينة سياحية عظيمة مثل الأقصر.
وتختتم حديثها بقولها: “مؤمنة إن الكتاب هيفضل ليه جمهوره مهما تغير الزمن. ومهما كانت الصعوبات، هكمل عشان أسيب أثر في مدينتي”.
اقرأ أيضا:
«العوامية» بالأقصر.. مئة عام وطقوس المولد النبوي لم تتغير
«ليلة الملوخية».. عادة متوارثة للاحتفال بالمولد النبوي بنجع العقاربة
«إحياء إسنا التاريخية».. مشروع يحصد جائزة «الآغا خان» للعمارة 2025