حكاية الآباء اليسوعيين في 21 عامًا بقرية جراجوس

“جراجوس” اسمًا هي قرية تابعة لمركز قوص بمحافظة قنا، أما تاريخيًا هي دولة ذات كيان مستقبل يحمل في طياته مراحل مختلفة من الكفاح والعمل والجد لإحداث تنمية شاملة، بدأت منذ أن ساكنها الآباء اليسوعيين في عام 1946 حتى 1967، ليخرج معهم ومنهم راهب يقدر هذا المجهود بجمعه في كتاب،  استمر العمل عليه قرابة الـ4 سنوات، من جمع معلومات وصور وتفاصيل لم تكن من السهل العثور عليه، ليوضحها لنا الآب وليم سيدهم، مؤلف كتاب “جراجوس” قصة 21 عامًا للآباء اليسوعيين.
تَحول قرية جراجوس على يد الآباء اليسوعيين إلى كيان كامل ذات جانب اقتصادي واجتماعي وتعليمي قوي، جعل الآب وليم سيدهم، مؤلف الكاتب، أن يتخذ قرار توثيق التجربة صورة ونص، بالإضافة إلى إيمانه بأهمية التجربة اليسوعية في القرية، والتي كان لها نظير في أمريكا اللاتينية بالقرن الـ17 فضلًا عن تأثره بخبرة الآباء اليسوعيين والتي هي أهم تجارب الرهبانة في مصر.
تقع جراجوس على بعد 25 كيلو متر شمال محافظة الأقصر، وعلى بعد 30 كيلو متر جنوب محافظة قنا، وتبلغ مساحة القرية حوالي 1625 فدانًا، وتتكون من 7 نجوع.
6 أعوام هي فترة الكتابة بداية من الفكرة وحتى التنفيذ، فيقول الآب وليم: كل مره بقول أقفل لكن يظهر هناك داعي لاستكمال الفكرة، والتي ساعدني في تنفيذه أغلب العاملين بجمعية النهضة، نظرًا لمرور الكتاب بعدد من مراحل.
“العمل مع الفقراء” هي مسمى تجربة الآباء اليسوعيين في القرية، فالتجربة قوية تستحق تسجلها خاصة أننى عاصرتها بالكامل تقريبًا، وذلك لأن مؤسس الخبرة كان في الأصل فنان، ويهوي أن يصور كل المراحل للتوثيق، مما ساعدني كثيرًا.

مراحل العمل

“”الأرشيف” هو البداية الجوهرية للكتاب، حين عثر عليه الأب وليم في مكتبة الآباء اليسوعيين، وأصبح في غاية السعادة لما كان يحتوي عليه الكتاب من كل تفصيله من تفاصيل القرية، والتي شهدت تغيرات جذرية على يد اليسوعيين، ليصف ذلك “كانت مفاجاة كبيرة حين وجدت الأرشيف والذي عاد بي إلى قريتي منذ صغري، فمع كل صورة أتذكر كيف كانت وما حدث وكأنني أعيش حياتي التى مضت مرة أخرى”.
ضم الأرشيف أكثر من 1000 صورة حية توثقيه لكل مراحل العمل بالقرية،  وهو الأمر الذي يصعب ضمه فى الكتاب ليختار الآب وليم 250 صورة منهم، ويعمل عليهم على مراحل والتى كانت أهم تحويل الصور من الشكل القديم “النيجاتف” إلى ديجتتال.
النيجاتيف كان شكل الصور مما تتطلب إلى تحويلها إلى ديجتال، ليبحث الآب في الوسائل الحديثة ليستعين بالخبرات الشبابية المتواجدة في الجمعية، بالإضافة إلى الذهاب إلى جراجوس في الأماكن التي تم توثيقها في الكتاب.
أما عن فقرات الكتاب الرئيسية يشرح الأب أنه يتكون من ثلاثة أجزاء متكاملة، الجزء الأول: يتناول الصور التى تركز على المبنى الثقافي كما سماه حسن فتحي، والتى تضم مبنى الكنيسة وما يدور حولها من الأنشطة، ومبني المستوصف والأنشطة الملحقة، ومبنى المدرسة، أما الجزء الثاني هو مجمع مصنع الخزف وملحقاته، والثالث هو مظاهر الحياة فى القرية في الخمسينات من القرن العشرين.
يبدأ الكتاب بمقدمة يذكر فيها الأب وليم عن قصة مغامرة روحية تنموية قام بها الآباء اليسوعيين، في عام 1946 عندما وصل الأب أسطفان ديمونجلوفيبة إلى قرية جراجوس ليستقر بها، كانت القرية مهملة ومسيطر عليها الجهل والمرض والفقر، لقد تركت هذه الخبرة أثرًا في قلوب وعقول الأطفال والكبار.

حسن فتحي

يعتبر شيخ المعماريين حسن فتحي من أبطال التجربة، لما قدمه من رسم تخطيطي للقرية بأكملها مستغلًا الفخار وهي المادة والحرفة التي تشتهر بها القرية، لبناء المستوصف والمدرسة ومصنع الفخار وورشة للسجاد وخزان المياه وورشة نجارة وغيره.
عند تأمل مجموعة من الصور التي توثق بعضًا من تفاصيل مباني مشروع مجمع جراجوس على المستوي المعماري لا نلبث أن نخرج بانطباع عام، مفادة أن المقاصد الروحية والإنسانية التي تضمنتها رسالة الآباء اليسوعيين في جراجوس قد عبرت عن نفسها خير تعبير على المستويين الفراغي والبصري في التصميم البديع الذي وضعه المعماري المصري الفذ “حسن فتحي” خصيصا لهذا.
ولأن السمات المميزة لأعمال اليسوعيين بشكل عام قائمة على قيم المحبة والبساطة والتوضع، فإنه من الضروري إذن أن يستدعي هذا التوافق قالبًا معماريًا يجسد هذا التناغم بسلاسة بصرية.
عن أبرز المحطات التي ذكرت في الكتاب، بالمقدمة وضح الآب وليم أن تعاملهم كان بالفطرة والاستنارة الدينية، وحب الناس والعمل معهم في المواقع ومع كل الفئات عمال وشيوخ، فالعلاقات ممتدة بينهم وبين القري دون فارق، فمن صفتهم التفتح والبساطة فكانوا يمشوا في الأرض وكأنهم طاقة من نور.

أعمالهم

عمل الآباء اليسوعيين على التنوير والاهتمام بالعلم والثقافة والصحة والحرفة، فيحملون الآباء رؤية متكاملة، في تحرير المواطنين من الجهل والمرض والفقر، فالجزويت غير مقيدين بإطار معين كباقي الرهبانين بل هم على استعداد تام للعمل عمال أو مدير أو مدرس أو أي مهنة تخلق للإنسان كيان، ولكن لديهم أساس معين في الحياة وهو الثقافة ونشر الوعي الثقافي في المجتمع.
الآباء اليسوعين لديهم اهتمام خاص بالتاريخ، فمن عادة كل أب توثيق يومياته التي يمر بها، لأسباب مختلفة منها التقييم والتجديد والمحافظة على التراث.
هكذا أغلق الستار على أكبر خبرة تنموية روحية قام بها اليسوعيون في مصر ولزم مواقعهم الثابتة في مدرسة العائلة المقدسة في القاهرة وفي دير الآباء اليسوعيين بالمنيا ودير الآباء اليسوعيين في الإسكندرية.


 
 

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر