تعّرف على دير القديس “أبو الليف” الأثري بنقادة

يقع دير القديس “أندراس” أو “أبو الليف” كما يعرفه أهالي قرية نقادة مسلمين وأقباط، وسط منازلهم بالقرب من قرية حاجر دنفيق، على بعد 70 مترًا تقريبًا من دير الصليب المقدس بجنوب قنا، ويتبع الدير مطرانية نقادة للأقباط الأرثوذكس بقنا.

 الأنبا أبو الليف

الأنبا أندراس كان رئيسًا لدير الصليب في القرن السادس الميلادي، وتلميذًا للقديس بسنتاؤس أسقف مدينة قفط لفترة دامت 33 سنة رئيسا لكهنة الرب، ورسمه قمصًا، ثم رئيسًا لدير الصليب المقدس.

وترجع نشأة الأنبا أبو الليف إلى قرية شنهور التابعة لمركز قوص بمحافظة قنا، الذي عرف بصلاحه منذ طفولته، بحسب الروايات المذكورة عنه في سير القديسين والشهداء في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، حيث ينتمى لوالدين بسيطين، الأب فلاحًا، وفي أحد الأيام كان بصحبة والده فرأى أباه يقطف سنبلة من حقل جاره، فنظر إليه في عتاب، وصار يؤنبه كيف يمد يده على مال غيره، فدُهش الأب وبقيّ صامتًا، لا يعرف بماذا يجيب.

كما ذكر في كتاب سيرة القديس الأنبا أندراس وقديس جبل الأساس المقدس 1970م، وقاموس آباء الكنيسة وقديسيها مع بعض شخصيات كنسية، أنه عندما بلغ الـ12 من عمره كان والده يتركه ليرعى غنمه القليل، وكان الصبي يفرح ويقبل على هذا العمل إذ يوزع طعامه على المحتاجين ويبقى صائمًا حتى المساء، كما كان يجد في رعاية الغنم فرصته للاختلاء مع الله والحديث معه في الطبيعة الجميلة والهواء الطلق.

وفي العشرين  من عمره كان شوقه للرهبنة قد التهب جدًا، فتسلل إلى النهر ليعبر النيل وينطلق إلى الجبل الغربي، ويطرق باب دير بجبل الأساس حيث تدرب على الحياة الديرية ولبس الإسكيم المقدس.

زيارة القديس بسنتاؤس 

عن علاقة الأنبا أبو الليف يالقديس بيسنتاؤس، بدأت منذ أن كان الأخير أسقف فقط حينها في زيارة إلى الدير ليلتقي بهذا الراهب “أبو الليف” حينها، وصارا يتحدثان معًا عن الرب، شاكيًا الراهب قائلًا: “أغفر لي يا أبي، لما كنت في العالم ما كنت آكل من طعام الصدقة، ولما صرت راهبًا كلفوني أن آكل من الصدقة” فأجابه الأسقف: “حقًا يا ولدي إنها نار لمن يأخذها بغير احتياج”.

ومن هذا الحديث رغم بساطته لكنه أوضح به الراهب أبو الليف حينها أن الرعاة والرهبان يبذلون كل الجهد لكي يقدموا للآخرين من تعب أيديهم عمل محبة، ويشعرون بثقل شديد أن يعيشوا من مال الكنيسة، هذا هو إحساس كل خادم، إنه حتى وإن كرس كل حياته بكل طاقاته للخدمة مقدمًا الروحيات فمتى نال الزمنيات يتقبلها بنفس عفيفة للغاية، مشتاقًا أن يعطي أكثر من أن يأخذ.

تلمذته

وفق ما ذكر بالسيرة، فإن صداقة ربطت الراهب بالأسقف، وحبًا شديد ضم الروحين معًا، وكأن الله بهذا كان يُعد هذا الراهب للتلمذة لهذا الأسقف القديس، وبعد فترة مرض رئيس الدير “الأنبا يعقوب”، فكان أندراس يخدمه بحب شديد، حتى جاءت اللحظات الأخيرة بارك يعقوب ابنه وطلب منه أن يترك الدير بعد رقاده ويذهب إلى الأسقف.

ونفذ أبو الليف الأمر، وفرح الأسقف بالراهب جدًا خاصة أن الاثنين كانا يميلان إلى حياة الوحدة، فكثيرًا ما كانا ينطلقان إلى البرية ليقضيا فترات خلوة طويلة في الصحراء، كمل الراهب القديس حياته بنسك شديد، و أتت الجموع  إليه تطلب إرشاداته وصلواته وبركته.

التسمية 

وحول سبب تسميته باسم أبو الليف يتردد أنه عند نياحته أوصى بوضع جسده على عربة تجرها الخيول وأن يكون كفنه من الليف، وبعد أن فات روحه فعل الآباء كما أمرهم فظلت العربة تسير دون قائد حتى توقفت شرق دير الصليب، وهناك دفنوه بعد أن وجدوا قبرًا جاهزًا “مغارة تحت الأرض”، وبنيت فيما بعد كنيسة على قبره المقدس، ومن المرجح أنها بنيت في نهاية القرن الـ7 أو منتصف القرن الـ8 الميلادي، وجسد القديس أسفل مذبحه الآن.

الشجرة

تقع شجرة الـ”لالوب” أو “تمر العبيد” بدير القديس أندراوس الشهير بـ”أبو الليف”، التي يكاد يزيد عمرها عن الألف و300 سنة، ويتوافد إليها الأهالي والمرضى من المسلمين والاقباط لأخذ البركة، أملا في أن تطيب أوجاعهم.

هي شجرة تدعى الـ”لالوب” تشبه في شكلها وحجمها وأوراقها شجرة “النبق” ولكن تنتج ثمرة تشبه البلح، طعمها شديد المرارة في البداية يشبه قمر الدين.

يقول الباحث محمود عبدالوهاب مدني، مدير عام  قطاع الشؤون الآثارية بمنطقة آثار نجع حمادي لـ”ولاد البلد”، إن دير أبو الليف هو دير القديس أندراوس الشهير بـ”أبو الليف”، وهو ضمن الأديرة الـ7 التابعة لهيئة الآثار الإسلامية والقبطية بقنا، الذي يزيد عمره عن الألف و300 عام، مضيفًا أن الشجرة التي تتوسط ساحة الديرة معمرة.

فيما يقول الدكتور أحمد فخري علي، أستاذ الأشجار الخشبية والغابات بمعهد بحوث البساتين للبحوث الزراعية ومدير محطة البحوث الزراعية بالمراشدة، في تصريحات لـ”ولاد البلد”، إن شجرة “اللالوب” هي شجرة خشبية طبية، مصرية الأصل، وتنمو لدى بعض الصحاري بصورة برية بدون تدخل أحد وتوجد بالوادي العلوي وسيناء، مسماها العلمي Balanites aegyptiaca وتسمى في السودان الهجليج وأيان أخرى “تمر العبيد”، لثمنها الرخيص ونموها غير المكلف.

ويستخدم خشبها في صناعة بعض الأدوات الزراعية القديمة، مثل المحراث الزراعي وغيره، كما أن لثمرتها الشبيهة بثمرة التمر فوائد إذ يستخدم في تخفيض نسبة السكر في الدم، وبها مواد راتيجينة عالية تساعد على علاج مرض القولون أو امراض المعدة والكحة.

الجدير بالذكر أنه تنيح القديس في 18 طوبة، وَدُفِنَ في قبر أٌقيمت عليه كنيسة لازالت قائمة في الدير الذي حمل اسمه “دير أبو الليف”.

شجرة بدير المقدس أبو الليف- تصوير: مريم الرميحي
شجرة بدير المقدس أبو الليف- تصوير: مريم الرميحي

اقرأ أيضا

 

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر