دليل الفعاليات الثقافية فى مصر

الدليل - تعالى نخرج

«ترام الإسكندرية».. سلام لمن يمشي على مهل في زمن الاستعجال

في سبتمبر من عام 2022، أعلنت وزارة النقل مشروع إعادة تأهيل «ترام الرمل» بالإسكندرية. شمل توريد عربات جديدة وإنشاء كباري في مناطق التقاطعات المرورية لتخفيف التكدسات. وفي مايو الماضي، أعلنت الوزارة في بيان رسمي التعاقد مع شركتين لإعادة تأهيل خط ترام الرمل بطول 13.2 كم. مقسم إلى 24 محطة (5.7 كم سطحي – 7.3 كم علوي – 276 مترا نفقيا). دون تحديد موعد واضح لبدء مشروع التأهيل، المقرر له النصف الثاني من عام 2025.

حتى كتابة هذا التقرير، لم تصدر وزارة النقل، أو ديوان محافظة الإسكندرية، أو الهيئة العامة للأنفاق، أو الهيئة العامة لنقل الركاب بالإسكندرية، أي بيانات رسمية توضح موعد بدء التطوير. رغم تداول وسائل إعلام محلية لموعد 27 ديسمبر الجاري.

الترام بين التاريخ والتطوير

خرجت «شيماء سعيد»، مصورة فوتوغرافية، في جولة تصوير بمحطة ترام الرمل، لتوثيق ما قد تكون الرحلة الأخيرة لـ«التروماي»، بعد قرار تنفيذ المرحلة الأولى من تطويره.

تقول شيماء: “لما عرفت إن الترام هيتم تطويره أو هيتشال أو يتغير شكله، أيا كان المسمى، وبدعوة من أصدقاء مصورين، قررنا ننزل نوثق الترام قبل ما يتشال. كان تركيزي في التصوير إني أوثق ذكريات عشتها ومحفورة جوايا، وممكن ما أشوفهاش تاني، وحقيقي مش ببالغ. ده أكتر خبر حزين أثر فيّ”. وتضيف: «الترام كان بيعلمنا إزاي نستمتع بالنهارده، خطوة بخطوة، ومحطة بمحطة. مش مهم نوصل بدري، المهم نوصل وإحنا لسه فاكرين الحكاية».

بحسب الصفحة الرسمية لهيئة نقل الركاب بالإسكندرية، يعد “الترام” أو “الترامواي”، أول وسيلة نقل جماعية في مصر وإفريقيا، وأكثرها شعبية. بدأ تشغيله عام 1860، ويعتبر أقدم ترام في إفريقيا. ومن بين الأقدم في العالم. وعلى مدار تاريخه الطويل، ظل الترام يمثل نزهة يومية لسكان المدينة والسياح. عبر عرباته الصفراء المكونة من عربتين، في قلب المناطق الشعبية بالإسكندرية.

وبحسب خطة وزارة النقل، يستهدف المشروع تقليل زمن الرحلة من 60 دقيقة إلى 35 دقيقة. نتيجة زيادة سرعة التشغيل من 11 كيلومترا في الساعة إلى 21 كيلومترا في الساعة. إلا أن هذا البطء النسبي، المستهدف تغييره، يعد في نظر كثيرين الميزة الأساسية للترام ومستخدميه من سكان الإسكندرية وزوارها.

ترام الإسكندرية.. تصوير: حمدي يوسف بإذن لـ"باب مصر"
ترام الإسكندرية.. تصوير: حمدي يوسف بإذن لـ”باب مصر”
قيمة اقتصادية تفسر تقبل البطء  

يفسر مينا ذكي، مؤسسة مجموعة «سيرة الإسكندرية»، تقبل بطء حركة الترام بجدواه الاقتصادية، لقرب مواقع محطاته من المنشآت الحيوية. وقيمة التذكرة بالنسبة لمستخدميه الأساسيين من تلاميذ المدارس وكبار السن وأصحاب المعاشات.

ويقول: “الترام شريان رئيسي يجمع ذكريات مدينة الإسكندرية. ورغم شكاوى بعض مستخدميه من بطء الحركة. فإنه يظل خيارا براجماتيا بسعر تذكرته (5 جنيهات). مقابل ما يقرب من ضعف السعر لوسائل النقل العاملة على كورنيش البحر”.

ويضيف: “عمر الترام يقارب 160 عاما، وحوله تنامت المدينة والمنشآت الأساسية. من مدارس ومستشفيات وكنائس ومساجد ومناطق تجارية، ما يجعله الوسيلة الأقرب للأماكن الحيوية. بخلاف المواصلات التي تعمل على الكورنيش، والتي قد تضطر للسير مسافات تصل إلى 1500 متر للوصول إلى شريط الترام”.

ويشير إلى أن “نسبة مستخدمي الترام باعتباره وسيلة نقل ترفيهية قليل جدا مقارنة بالمستخدمين الأساسيين، فهو ليس مثل (طفطف المنتزه). رغم مروره بجوار مبان تراثية وآثار تعكس التاريخ الإنساني للمدينة”.

الترام والبطء الجمالي في الذاكرة الثقافية

تضع خطة تطوير الترام مفهوم السرعة وزيادة عدد الرحلات في الصدارة. فيما يستمر “البطء الجمالي” لحركة الترام كأحد ملامح تميز الإسكندرية في كتابات أدبائها وحكايات سكانها. فالمسافة القصيرة بين محطتي الرمل والمنشية، أو الرمل والأزاريطة، تمثل رحلة عبر الزمن، تتيح تأمل المنازل القديمة وحكاياتها.

يصف الشاعر والروائي علاء خالد نفسه، في مقال سابق، بأنه “راكب ترام” منذ أن كان يتنقل من منزله بمحطة بولكلي إلى مدرسته الابتدائية ومحاولته إقناع والده باستخراج “أبونيه”. وفي المرحلة الثانوية، اختار مدرسة تبعد 12 محطة، بحثا عن إيقاع جديد للحياة.

وفي أرشيفه ومجلته “أمكنة” وكتابه “وجوه سكندرية”. يظهر الترام كرابط بين البشر والأماكن في ذاكرة الإسكندرية. وخصص فصلا في كتابه “وجوه سكندرية” بعنوان “خط النصر و خط باكوس” لرصد الفوارق الطبقية والشخصية بين ركاب الترام والأحياء التي يمر بها. في رحلة بطيئة تسمح بالتأمل في المدينة وتحولاتها.

ويقول علاء خالد: “كان هذا الوصف في السبعينيات، أما الآن فقد أصبح الترام  وسيلة مواصلات للبسطاء، وتغيرت مستويات الأحياء، ولم يعد هناك فارق كبير بين  خط باكوس وخط النصر. ولا تشعر بأي ميزة أو رائحة خاصة وأنت تستقل خط النصر. فهناك أحياء جديدة تناثرت في كل مكان يخرج منها الآلاف يوميا بحثا عن لقمة العيش. ولكن رغم كل هذا ما زلت أشعر بانجذاب لهذا الكبرياء القديم والرفيع لخط النصر”.

ترام الإسكندرية الأزرق بمحطة الرمل.. تصوير: محمد عوض
ترام الإسكندرية الأزرق بمحطة الرمل.. تصوير: محمد عوض
الذاكرة على قضبان متحركة

في نهاية عام 2023، خصص علاء خالد حلقة “أمكنة -7” بعنوان “ترام الإسكندرية.. ذاكرة حية”، اجتمع خلالها المشاركون أسبوعيا لمناقشة الدور الاجتماعي للترام وأثره في حياة المدينة وحياة الناس الشخصية. بوصفه أحد أماكن تشكيل الذاكرة الجمعية، وتخيل شكل الحياة بدونه مستقبلا. وخرجت الحلقة بكتاب جماعي لقصص شخصية من المشاركين، ومعرض صور فوتوغرافية حول علاقة الإسكندرية بالترام. 

وتتذكر شيماء علاقتها الأولى بالترام قائلة: “خلال الدراسة الابتدائية كانت مدرستي بالقرب من محطة ثروت. وكان ممكن الوصول بمواصلات من طريق البحر، لكن الترام كان أكثر وسيلة أمان بالنسبة لي. أنا وأصحاب الدراسة كنا نتسابق من يجلس بجوار الشباك، نشاهد المدينة ونعد المحطات. وكل مرة كانت الحكايات تسرقنا بين ضحك وهزار. من ابتدائي لحد ثانوي، ولحد ما دخلنا الكلية وكل واحد دخل كلية مختلفة، مكنش بيجمعنا غير الترام وإننا نتقابل فيه”.

وسيلة آمنة وهينة

تضيف شيماء: “الترام كان جزء كبير من الطفولة، وآمن وسيلة وسعره كويس جدا. أنا ركبته لما كان نص جنيه، وبعدين جنيه، وبعدين جنيه ونص، وبعدين اتنين جنيه، لحد ما وصل خمس جنيه. ويمكن سعره سبب من أسباب التطوير، لأنه مواصلة تذكرتها بسيطة لكن صيانتها والعمالة تكلفة كبيرة. وعشان كده عايزين يطوروه ويرفعوا سعره”.

وتحكي عن يوم جولة التصوير الأخيرة قائلة: “الركاب استغربوا عدد المصورين وسألونا بنصور إيه وليه. حكينا لهم عن خطة التطوير، قابلنا ناس مؤيدة إن السرعة تزيد ويبقى أحسن من حاله دلوقتي. وناس تانية زعلت جدا وقالت لنا: صوروا واكتبوا وقولوا إحنا مش عايزين تطوير، إحنا عايزينه زي ما هو. لو اتطور هيغلى علينا، وإحنا غلابة، دي المواصلة الوحيدة اللي سعرها على قدنا بنروح بيها شغلنا ومشاويرنا، غير إن عدد المدارس على محطات الترام كبير”.

الترام والتعليم وربط المدينة

في كتابه “ترام القاهرة“، يشير المؤرخ محمد سيد كيلاني، إلى أن دخول الترام القاهرة عام 1896 قرَّب المسافات، وسمح بانفتاح الحياة. و”نقل مجتمع القاهرة من عصر البداوة والبغال والحمير إلى عصر الحضارة والمدنية، وربط الأحياء وكسر عزلتها. بحيث يستطيع التلميذ الذي لا يجد مدرسة في حيه الالتحاق بمدرسة في حي آخر”.

وفي الإسكندرية، بدأ الترام قبل القاهرة عام 1860، وأنشأت على جانبيه المدارس والمستشفيات. وأصبح واحدا من أفضل وسائل المواصلات وأكثرها أمانا لتلاميذ المدارس وطلاب جامعة الإسكندرية. خاصة بمحطتي سوتير والجامعة.

رحلة التذكرة الأخيرة

يسكن حمدي يوسف، فنان تشكيلي، بمنطقة المندرة خارج نطاق خدمات محطات الترام، ويرتبط أكثر بقطار أبو قير المتوقف حاليا لتطوير محطاته. ويتذكر فترة توقف القطار قائلا: “كانت فترة عصيبة، تخيل آلاف الركاب المعتادين على القطار اضطروا للانتظار لساعات طويلة حتى تتوفر عربات على خط البحر. وهذا سبب زحام شديد للسيارات”.

ويضيف: “الأمر نفسه متوقع مع وقف الترام، لأن عدد المدارس القريبة من شريط الترام كبير، وإغلاقه سيتسبب في زحام سيارات ضخم في مساحة لا تحتمل الحركة”.

درس يوسف بكلية الفنون الجميلة القريبة من محطات ترام النصر- فيكتوريا، ويهوي تصوير حركة الترام، خاصة في الشتاء حين تخضر أرضيات المحطات بالزرع الخفيف مع موسم الأمطار، ويقول: “كنت بستنى الجمال ده، ودائما الترام جزء من تراث وتاريخ المدينة”.

مجموعة سيرة الإسكندرية

خرجت مجموعة “سيرة الإسكندرية” يوم الخميس الماضي، في جولة “التذكرة الأخيرة” للترام، في رحلة إلى محطة النصر – فيكتوريا. وبحسب منشور على الصفحة الرسمية للمجموعة: “خرجت جولة التذكرة الأخيرة في وداع ترام المدينة، كرحلة مختلفة على خط الترام من محطة الرمل إلى محطة فيكتوريا. الرحلة ما كانتش مجرد انتقال من مكان لمكان، لكنها كانت جولة في قلب الإسكندرية وذاكرتها. شوفنا المباني العتيقة، والمدارس اللي شهدت أجيال متعاقبة، وكل محطة كان ليها حكاية، وكل شارع شاهد على زمن مختلف. التذكرة الأخيرة ما كانتش نهاية مشوار، قد ما كانت وداع لجزء أصيل من تراث الإسكندرية”.

ويقول مينا ذكي مؤسس “سيرة الإسكندرية”: “كان الاتفاق على مشاركة 10 أفراد  في الجولة، لكن طلبات الحضور وصلت إلى 30، ومع بدء الجولة تجاوز العدد 70 مشاركا، وانضم إلينا آخرون في الطريق. كنا بنحكي عن تاريخ الترام وعلاقته بالمدينة والمباني حوله وأثره الإنساني والثقافي”.

ويختتم حديثه بقوله: “الترام جزء أساسي من الهوية السكندرية، وبسبب شهرته ظهر في أفلام عدة صُورت بالإسكندرية، مثل “صايع بحر” و “بلطية العايمة”، وكذلك في إعلانات غنائية، وكان الترام حاضرا باعتباره ذاكرة المدينة نفسها قبل سكانها”.

اقرأ أيضا:

«السمسمية» في البحر الأحمر.. موسيقى لا تشبه مدن القناة

«القلوب البيضاء» و«قناة السويس».. فرق من ذوي الهمم تضيء مهرجان الإسماعيلية للفنون

لحن صعيدي ودبكة فلسطينية.. مهرجان الإسماعيلية للفنون يحتفي باليوبيل الفضي

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر
إغلاق

Please disable Ad blocker temporarily

Please disable Ad blocker temporarily. من فضلك اوقف مانع الاعلانات مؤقتا.