بين التطوير والتراث.. شارع «أبوقير» بالإسكندرية يفقد أشجاره المعمَرة

رغم الجدل الواسع الذي تثيره أعمال قطع الأشجار في شارع أبوقير بالإسكندرية، تواصل المحافظة تنفيذ مشروع التطوير والتوسعة بالشارع الرئيسي الذي يعد من أكثر المحاور الحيوية بالمدينة. وتشمل الأعمال إزالة عدد من الأشجار والنخيل المعمر الممتد على جانبي الطريق منذ عقود. بهدف تحسين السيولة المرورية وفق ما أعلنته المحافظة، في حين يرى السكان ومهتمون بالبيئة أن ما يحدث إهدارا للتراث الذي ارتبط بهوية الإسكندرية القديمة.
إزالة نخيل تاريخي ليلا في سبورتنج
صباح الجمعة 17 أكتوبر، انتشرت صور ومقاطع فيديو تُظهر عملية قطع نخيل مميز في منطقة سبورتنج المطلة على شارع أبوقير، تم تنفيذها ليلا، حيث ظهرت أشجار النخيل ملقاة على الأرض بعد قطعها.
وأثار ذلك موجة واسعة من الجدل والاستياء على منصات التواصل الاجتماعي وفي المجتمع السكندري. خصوصا بعد تداول صور قديمة للمنطقة يظهر فيها النخيل نفسه على مدار عقود طويلة، ما جعله جزءا من تراث وهوية الشارع. ومن اللافت أن الجزء الجاري العمل فيه حاليا لا يشهد ازدحاما مروريا ملحوظا مقارنة بمناطق أخرى في الإسكندرية.
شكل الإسكندرية القديم
تقول سماح عبدالله، إحدى سكان منطقة سبورتنج: “تفاجئنا ليلا بعملية قطع النخيل، خصوصا أنه نخيل ملوكي نادر. فمنطقة سبورتنج كانت تاريخيا من أرقى مناطق الإسكندرية، وسكنتها الجاليات الأجنبية. وما زالت تحتفظ بعدد من العقارات على الطراز القديم. وجود النخيل كان يحافظ على جزء كبير من شكل الإسكندرية القديم. ولو ألقينا نظرة على صور شارع أبوقير منذ 60 أو 70 عاما، سنجد الشكل نفسه لم يتغير إلا اليوم”.
فيما طالبت ريهام رفعت، إحدى سكان منطقة رشدي المطلة على شارع ابو قير، بضرورة إعادة تشجير الشارع وتعويض سكان المنطقة عن الأشجار المعمرة التي تمت إزالتها حفاظا على المظهر الجمالي للشارع وهويته التاريخية.

ضرورة تقييم التأثير البيئي قبل التنفيذ
يقول الدكتور محمد عادل دسوقي، أستاذ الهندسة المعمارية لـ«باب مصر»: “قبل تنفيذ أي مشروع في العالم، لا بد من تقييم التأثير البيئي له لمعرفة تأثيره على البيئة. وكذلك مناقشة رأي الجمهور، خاصة في مدينة كبيرة مثل الإسكندرية التي تضم ملايين السكان المتأثرين بأي مشروع ينفذ فيها”.
وتابع: “من الضروري النظر للمصلحة العامة من جميع النواحي: المشاة، وسكان المنطقة، والبيئة الطبيعية، والسيارات أيضا. لا يجب إعطاء أولوية لطرف على حساب آخر. وتوسعة جزء من شارع أبوقير لن تنهي الازدحام المروري. بل هي حل مؤقت في منطقة محدودة، وسرعان ما سيعود الاختناق المروري في باقي الشارع”.
ويرى دسوقي أن الحل الأمثل لتخفيف الازدحام هو تطوير وسائل النقل العام وتوسيع شبكتها لتغطي أكبر جزء من المدينة. مما يقلل الاعتماد على السيارات الخاصة ويخفض كثافة المرور. أما توسعة الشارع على حساب الأشجار وأرصفة المشاة، فهي في رأيه مجرد مسكن مؤقت. وله آثار جانبيه تفوق فائدته.
توسعة أبوقير.. ضرورة لا بد منها
على صعيد آخر قال النائب أحمد مهني، عضو مجلس النواب، في تصريح خاص لـ«باب مصر»: “محافظة الإسكندرية مضطرة لتنفيذ هذا المشروع بشدة. نظرا لتكدس الشارع مروريًا والازدحام الشديد به، فكان لا بد من اتخاذ قرار حاسم. والجزء الذي تم الانتهاء منه من سيدي جابر حتى محطة ترام الوزارة شهد بالفعل انفراجة مرورية واضحة”.
وأضاف: “بعد استكمال التوسعة في باقي المناطق، سيظهر الفارق في السيولة المرورية، وهو الهدف الأساسي للمشروع. أما الأشجار والنخيل التي أزيلت، فقد كانت متآكلة من الأسفل. وسيتم زرع نخيل وأشجار بديلة في المناطق المناسبة بعد انتهاء الأعمال. وقد بدأ ذلك بالفعل في الجزء المنتهي منه. التوسعة أهم للمواطن من كثافة الأشجار”.
وعن تقليص مساحة الرصيف، أوضح مهني: “مساحة الرصيف القديم كانت كبيرة أكثر من اللازم. وكانت تستغلها المحال التجارية ومعارض السيارات أكثر من المشاة. أما الآن فسيبلغ عرض الرصيف بعد التوسعة مترين، وهي مساحة كافية للمارة”.
وأكد أن المشروع تمت دراسته فنيا ومروريا وزراعيا قبل التنفيذ، بمشاركة متخصصين من الجامعة والمرور ومستشار زراعي للأشجار. موضحا أن هذه المشروعات تستند إلى احتياجات ملحة وليست مجرد قرارات ارتجالية.

ردود أفعال وانتقادات
أشار الدكتور دسوقي إلى أن تجربة توسعة شارع أبو قير في الجزء المنتهي منه ساهمت في تخفيف أزمة الدخول إلى منطقة سموحة جزئيا، لكن ذلك جاء على حساب المشاة. حيث ألغيت إشارة المرور عند تقاطع شارع سوريا مع أبو قير. مما جعل عبور المشاة أكثر خطورة. “كيف يعبر سكان العقارات المطلة على الشارع بعد تقليص الرصيف؟ وكيف يواجهون سرعة السيارات المتزايدة؟
وأكد سكان المنطقة أن السرعة الزائدة وعدم وجود ضوابط مرورية باتت تمثل خطرا حقيقيا على المارة. وأن الازدحام في أوقات الذروة لم يختف تماما بعد التوسعة.
وفي الجزء الذي تم توسعته وقطعت أشجاره المعمرة، لن يجد المشاة في فصل الصيف ما يستظلون به، كما ستزداد درجة حرارة الشارع، وفقا لما أشار إليه المهندس مجدي صباغ، المتخصص في التراث المعماري. مضيفا أنه من الغريب زراعة الأشجار الجديدة في الجزيرة الوسطى بين السيارات، لتلقي بظلها على المركبات بدلا من المشاة.
هل تعوض الأشجار الجديدة ما فُقد؟
أعلنت محافظة الإسكندرية في بيان رسمي مساء أمس: “تم البدء في زراعة الجزيرة الوسطى بشارع أبو قير، نطاق المشروع. بداية من أمام مدرسة الشهيد شريف محمد عمر بمصطفى كامل. وجار استكمال زراعة باقي الجزيرة الوسطى بنطاق المشروع”.
وأضاف البيان: “تمت زراعة 43 شجرة ونخلة بنطاق المنطقة التي تم الانتهاء من توسعتها. بالإضافة إلى إنشاء 123 حوض لزراعة الشجيرات في الجزيرة الوسطى. ومن المقرر زراعة 861 شجيرة من أنواع (تويا – جهنمية- ليكوفيليم- مسك الليل)، إلى جانب 6 آلاف من مغطيات التربة من أنواع (ريحان – بتونيا- إيفوربيا)”.
اقرأ أيضا:
«مذبحة أشجار أبوقير».. مشروع توسعة مرورية يُثير الغضب في الإسكندرية
بلا فعاليات أو ندوات.. كيف أضاع معرض الإسكندرية العاشر للكتاب فرصته؟