بين الترميم والسرقة.. من المسؤول عن اختفاء سوار الملك «بسوسنيس» الذهبي؟

تستمر التحقيقات في قضية اختفاء «سوار ذهبي» نادر يعود للملك «بسوسنيس الأول»، أحد أبرز ملوك الأسرة الحادية والعشرين، من المتحف المصري بالتحرير. ورغم تداول أحاديث عن خضوعه للترميم تمهيدًا لسفره إلى إيطاليا لعرضه ضمن معرض دولي، لم يصدر حتى الآن بيان رسمي يوضح ما إذا كان السوار قد فُقد، أم سُرق، أم أن ما حدث مجرد خلل إداري في سجلات العهدة.
ويثير غياب التوضيح الرسمي تساؤلات حول كيفية اختفائه، والمسؤول عن متابعته داخل معامل الترميم. كما يطرح سؤالا آخر لا يقل أهمية: هل يؤثر اختفاء السوار على سمعة مصر دوليًا؟
الظهور الأخير لسوار الملك بسوسنيس الأول
حتى الآن، لم تنشر أي صور رسمية للسوار المختفي. خاصة أن المتحف المصري يضم مجموعة متنوعة من حُلي الملك بسوسنيس الأول، بينها أكثر من سوار.
ومن بين مجوهرات “الملك الفضي”، كما يُلقَب، السوار الذهبي الأشهر، الذي أعلنت إدارة المتحف المصري بالتحرير في مارس 2024 عرضه. ووصفته بأنه مصنوع من الذهب ومطعم بالعقيق واللازورد والفلسبار الأخضر.
وبحسب البيان الرسمي الصادر حينها عن المتحف: “يصل ارتفاع القطعة إلى 7 سم. وتعود إلى الأسرة الحادية والعشرين، عصر الانتقال الثالث”. وتم العثور على السوار في منطقة تانيس بمحافظة الشرقية. وكان يُعرض في قاعة كنوز “تانيس” بالدور العلوي بالمتحف، ضمن مجموعة تضم 2500 قطعة أثرية من مقابر ملوك الأسرة الحادية والعشرين. وتم الإعلان عنه رسميا في بيان المتحف بتاريخ 28 مارس 2025.

سوار آخر للملك بسوسنيس الأول
كما يضم المتحف المصري بالتحرير سوارا ثانيا للملك، مصنوعا من الذهب والعقيق واللازورد. ومزينا بعين أوجات من العقيق، مثبتة على السوار لتمثل جزءا من لقب آمون – رع. بالإضافة إلى سوار ثالث من المجموعة نفسها.
سوار مفقود
تحدث د. عبدالحميد معروف، رئيس قطاع الآثار المصرية الأسبق، عن السوار المفقود، والإجراءات المُتبعة في مثل هذه الحالات وتأثيرها على سمعة مصر دوليا. بالتزامن مع تنظيم أكثر من معرض خارج مصر.
وقال في تصريح لـ«باب مصر»: “السوار المفقود كان ضمن 130 قطعة أثرية أعدت داخل معمل الترميم بالمتحف المصري للسفر إلى إيطاليا للعرض في روما. ضمن معرض كنوز الفراعنة”. وأضاف: “تم اكتشاف السوار على يد العالم الفرنسي بيير مونتيه لمقبرة الملك بسوسنس الأول بمدينة تانيس بمحافظة الشرقية عام 1940. وكان السوار من بين كنوزها”.

مسؤولية من؟
أشار معروف إلى أن المسؤول عن هذه القطع داخل معمل الترميم هو الشخص الذي تسلمها عند وصولها للمعمل. وعن الإجراءات المتبعة بعد اكتشاف اختفاء قطعة أثرية، أوضح: “يتم على الفور إخطار الجهة الإدارية ومباحث السياحة والآثار. والبدء فورا في أعمال التحريات والفحص الدقيق واستجواب كل من له صلة بالمعمل أو يتردد عليه”.
وبخصوص دور كاميرات المراقبة، قال: “إذا كانت الكاميرات مثبتة بالمعمل يتم تفريغها ودراستها بمعرفة المباحث. أما إذا كانت لا تعمل أو غير موجودة فهذا إهمال وتقصير جسيم تتحمل مسؤوليته الجهة الإدارية”.
جرد المتاحف
عن تكرار مثل هذه الحوادث، أوضح الخبير الأثري: “هذه الحالات أصبحت نادرة جدا بعد إنشاء مخازن متحفية بمواصفات تأمينية عالية، مزودة بكاميرات. إلى جانب حراسة من شرطة السياحة والآثار”.
أما عن مسألة الجرد، فقال: “نظرا للأعداد الكبيرة للآثار داخل المتاحف. يتم إجراء جرد كل قسم عند عمليات التسليم والتسلم للعهدة، أو حسب ما يتطلبه الأمر”.

دفتر حركة
أضاف معروف: “عند نقل أي قطعة أثرية من المخازن إلى معامل الترميم أو قاعات العرض. يتم ذلك بمحاضر رسمية ولجان مختصة. كما أن لكل قطعة أثرية دفتر حركة يسجل جميع تحركاتها”.
وأشار إلى أنه لا توجد رقابة خارجية على العهد الأثرية، إذ تقتصر المسؤولية على وزارة السياحة والآثار.
بصمة خاصة
أما عن آلية الوزارة لضمان عدم استبدال أو تقليد أي قطعة أثرية، أوضح معروف: “يتم وضع بصمة خاصة لكل قطعة قبل سفرها إلى الخارج. ويتم مطابقتها عند السفر وبعد العودة لضمان سلامتها”.
واختتم حديثه مؤكدا أن الحادث سيؤثر على سمعة مصر دوليا، قائلا: “أعتقد أن هذا الحادث سيثير انتباه العالم. خاصة لما لآثار مصر القديمة من شهرة واسعة”.
كنوز الفراعنة
كان من المقرر عرض السوار ضمن مجموعة المجوهرات الملكية في معرض “كنوز الفراعنة”، المزمع إقامته خلال الفترة من 24 أكتوبر 2025 حتى 3 مايو 2026. ويستضيف “سكوديري ديل كويرينالي” في إيطاليا هذا المعرض. الذي سيضم قطعا تُعرض لأول مرة هناك. وهو ثاني معرض بهذا الحجم تقيمه مصر في البلاد بعد معرض أوائل الألفية في قصر غراسي بمدينة البندقية.
ويمتد المعرض عبر ستة أقسام، من بينها: الدور الإلهي للفراعنة، التنظيم الاجتماعي، وطقوس الحياة بعد الموت. ويضم 130 قطعة أثرية مُعارة من أشهر المتاحف المصرية مثل المتحف المصري بالقاهرة ومتحف الأقصر. بالإضافة إلى مساهمة من المتحف المصري في تورينو.

أبرز قطع المعرض
من بين الأعمال المقرر عرضها:
- التمثال الضخم لـثالوث منكاورع (عصر الدولة القديمة).
- التابوت الذهبي للملكة أعح حتب (عصر الدولة الحديثة).
- عقد الذباب الذهبي الخاص بالملكة أعح حتب.
- القناع الجنائزي الذهبي للملك أمينيموبي.
- التابوت الذهبي للملكة تويا، جدة الفرعون إخناتون.
- الغطاء الجنائزي الذهبي للفرعون بسوسينيس الأول (العصر المتأخر). بالإضافة إلى مجوهراتهم الملكية وأدوات من الحياة اليومية وتوابيت مزينة.
كنوز بسوسنيس.. تنافس توت عنخ آمون
يرجع اكتشاف مقبرة الملك بسوسنيس الأول إلى عام 1940، على يد عالم الآثار الفرنسي بيير مونتيه، في مدينة تانيس بمصر. بحسب موقع “إنشنت أوريجنز” ، فإن هذا الاكتشاف كان مماثلاً لاكتشاف هوارد كارتر لمقبرة الفرعون توت عنخ آمون بحالتها السليمة. لكن، وعلى الرغم من ضخامة هذا الكشف الاستثنائي، لم يُثر الخبر ضجة كبيرة في أوروبا المنشغلة آنذاك بالحرب العالمية الثانية.
وكان العثور على مقبرة بسوسنيس الأول – الحاكم الثالث في أسرته التي صعدت إلى الحكم مطلع الفترة الانتقالية الثالثة – حدثا غامضا نسبيا-. إذ جاءت هذه الحقبة في ظل اضطرابات سياسية أدت إلى انقسام مصر بين ملوك مصر العليا والسفلى. وقد حكم فراعنة الأسرة الحادية والعشرين من تانيس. لكن امتدت سيطرتهم على دلتا مصر السفلى.
الفرعون الفضي
أبرز ما عُثر عليه في المقبرة تابوتًا من الفضة الخالصة، ما أدى إلى إطلاق لقب “الفرعون الفضي” على بسوسنيس.
وفي الثقافة المصرية القديمة، كان الذهب يعد لحم الآلهة، بينما كانت الفضة تعتبر عظامهم. ورغم وفرة الذهب في مصر القديمة، إلا أن الفضة كانت أكثر قيمةً، نظرًا لاستيرادها من غرب آسيا ومنطقة البحر الأبيض المتوسط. وكان التابوت الفضي في مقبرة بسوسنيس شاهدًا على ثروته وسلطته.
تلف المومياء
غير أن بسوسنيس دُفن في بيئة رطبة نسبيا مقارنة بالصحراء في الأقصر. ما أدى إلى تدمير موميائه، وتلف معظم القطع الخشبية داخل المقبرة.
اقرأ أيضا:
خريطة تهريب آثار مسروقة من مصر إلى مطار «جون كينيدي» الأمريكي|مستندات رسمية
طبيب مصري يعترف بتهريب 590 قطعة أثرية في مطار أمريكي| مستندات