بورتريهات متخيلة (8): محسن محي الدين.. أريج الشباب الأبدي

لا يولد مثل محسن محي الدين مرتين، إلا كحلم داخل كل قلب، كل خيال، حيث يمكن في مرايا وحدتنا أن نغني ونرقص ونمثل مقطعا لـ هاملت، دون خجل، أن نُغوى ونُفتن دون إثم، أن نستعيد براءة مفقودة، أن نكتشف في كل تكرار دهشة جديدة، أن تكون كل قبلة هي الأولى وكل حب هو الأخير وكل جرح صغير بحجم فاجعة، أن يكون الموت بعيدا، محض فانتازيا وخرافة، أن نصير ولو للحظات حدوتة حتتنا.

مثلنا فعل يوسف شاهين، أعاد اختراعه من عمق روحه، وصدى خياله، ما تمنى أن يكونه، لا ما كان عليه. ما عبأه شاهين في قارورة السينما، كان أريج الشباب الأبدي.

**

رأى صورته في صفحة نهر فارتد مذعورا من هول الجمال. لم تكن مجرد صورة سطحية منعكسة لمفتون وقع في غرام ذاته، بل غور عميق، خطر، للحرية التي لا تتفتح داخلنا إلا في لحظات خاطفة.

ما الذي تمناه؟ أن يكون أكثر قبحا، ثقلا؟ فظاظة؟ لو أخفته الأرض عن الأعين داخل النسخ المكرورة؟ بقعة الضوء تطارده ككابوس، كان عليه أن يبدد صورته، أن يخمد حرارته في برودة العتمة، أن يربط خفته بحجر، ويلقيها في قاع نهر، أن يواصل فرارا أبديا من نفسه.

**

كل فتنة تمتحن.

**

وشاهين كان نارسيس الذي عشق صورته في الماء، حب كهذا لابد أن يكون سيء الطالع، وبدلا من أن يلبي شرط العشق بأن يسمح لنفسه أن يذوب، أن يُلتهم، أعاد – كشأن كل مستبد- تخييل محبوبه على شاكلته.

كان حقا على شاهين أن يضيع بحثا عن الوجه نفسه في عشرات الوجوه الزائفة والمصطنعة، مدعيا في كل مرة أنه وجد بغيته، بينما قلبه مسكون بنافذة زجاجية، مطفأة كثقب معتم.

**

أي نداء لبى في فراره الطويل؟ إمعان في الاغتراب؟ أم الرضا بسلام ساذج فقد كل رغبة في فك مغاليق النار؟ لا يمكننا لومه، حسرتنا تخصنا، لأن ما نحبه فيه لم يكن هو، بل سرابنا الضائع. أن يعود عاديا مثلنا، أن يلتزم الجدار كظل، أن يختبئ من الوجود، ألا يعانق أشباحه. ما الثمن؟ ألا يكتمل؟ يا للجريمة!

**

ربما أدرك هشاشة الوعد، أو شله شك هاملت، هزمه الحب، روعته الكوليرا، طواه الرعب أمام سفينة الأحلام الهائلة الذاهبة إلى “ألذ مكان”.

**

عندما عاد أمير الغيوم من دروب مظلمة، لم يتبق منه سوى نظرة حائرة، دفتر حكايات قديمة، بلا حرارة، بلغ هاملت اليقين، فقد طيف الأمير والصعلوك والبهلوان، صار مملا كالمدينة المضجرة التي لم تر في الرغبة سوى “حركة خطرة”، فقد وجهه في بحثه عن الراحة ضوءه العميق. لأن لا حياة ربما إلا عبر دم مراق.

اقرا أيضا:

بورتريهات متخيلة(7): سمير غانم.. الضحك كلغة للحب

مشاركة
المقالات والآراء المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة، بل تعبر عن رأي أصحابها
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر