بعد رصد الراويات الأدبية للأوبئة.. هل سيتم تدوين جائحة كورونا؟

تناولت العديد من الروايات الأدبية، الأوبئة والأمراض في العالم بأسره منها، “الديكاميرون ولبوكاتشيو ويوميات سنة الطاعون والموت في البندقية”، وغيرها من المؤلفات التي تطرقت لهذا الأمر.

وتألفت هذه الروايات سواء العربية أو الأجنبية منها خلال فترات زمنية معينة من دول مختلفة، كما أن تعامل أبطال هذه الروايات كان مختلفا أيضا، فمثلما لكل رواية أديب، فكل رواية بطل يجسدها بطريقته.. “باب مصر” يستعرض بعض الأعمال.

الحرافيش

تحدث نجيب محفوظ، الذي يعتبر من أكثر الروائيين توظيفاً للأمراض والأوبئة في أعماله، عن تفشي أمراض السل والطاعون وصورها في رواياته بأبعاد مختلفة، إلا أنه في ملحمة “الحرافيش”، استطاع أن يعكس ما دار حوله من انتشار الطاعون.

تناول الأديب الوباء الذي حل بالقرية وأصاب أهلها، حتى باتت البلدة خاوية بعدما استفحل المرض وقضى على كل ما فيها، ليجسد الحياة التي خلفها هذا الطاعون في “القرافة” من كثرة الجثث، إذ يسير فيها النعش وراء النعش كالطوابير التي لا تنتهي.

“دبت في ممر القرافة حياة جديدة.. يسير فيها النعش وراء النعش.. يكتظ بالمشيعين، وأحيانًا تتابع النعوش كالطابور في كل بيت نواح، بين ساعة وأخرى يعلن عن ميت جديد”.

“علينا أن نهاجر الحارة بلا تردد”، كان الهرب هي وسيلة عاشور الناجى، بطل الرواية، لكي ينجو من المرض، ليفر بأسرته إلى الخلاء، ويعود بعد زمن ويجد البيوت جميعها خالية فيختار منها، ويصير سيد البلدة، التي لم يكن فيها أحد يعرف تاريخه، بعدما جاء أناس جدد.

غلاف رواية الحرافيش
غلاف رواية الحرافيش

حكايات منسية 

يقول الكاتب المصري محمد أمير، في كتابه “حكايات منسية”، عن وباء الطاعون، “إن الطاعون الأسود في مصر حصد الكثير من أرواح المصريين، حتى أن الطرق امتلأت بجثث المصابين، وكان يخرج من القاهرة يومياً نحو 800 جثة لتدفن خارج العاصمة، حتى أن الأكفان نفدت من الأسواق، وأصبح الدفن من دون غسل أو صلاة أو تكفين”.

ويوضح الدكتور قاسم عبده قاسم، أستاذ التاريخ الإسلامي بكلية الآداب جامعة حلوان، في مقاله عن “الأوبئة”، أن كبار الروائيين في مصر والوطن العربي، تأثروا بالأحداث الضخمة التي واكبت انتشار الأمراض الوبائية في حقب تاريخية بعينها ووظفوا هذا الموضوع أدبيا لتأكيد رؤاهم الفلسفية.

فيبدو الأديب المصري العالمي الراحل نجيب محفوظ في مقدمة الأدباء الذين اهتموا بانعكاسات انتشار الأوبئة على تركيبة المجتمع، وتوظيف تلك الأحداث والتغيرات الاجتماعية المترتبة عليها في سياق أدبي.

وفي روايته “خان الخليلي” مات فيها البطل الشاب فجأة إثر إصابته بالسل برغم كل ما كان يتمتع به من حيوية وتفاؤل وقصة حب جمعته بابنة الجيران، مات الأخ الأصغر تاركا أخاه الأكبر الشاهد على تلك القصة والذي كان جزءا خفيا منها في صراع مع ذاته ومع بقية شخصيات الرواية، في محاولة لملء الفراغ الذي خلفه غياب تلك الشخصية المحورية المفاجئ إثر المرض الذي استشرى آنذاك.

الطاعون

رواية للكاتب الفرنسي “ألبير كامو”، صدرت بعد الحرب العالمية الثانية عام 1947، تدور أحداثها حول مدينة وهران وهى مقاطعة فرنسية على الشاطئ الجزائري،  في فترة الأربعينيات، وهذه المدينة بحسب المراجع الطبية لم تشهد هذا المرض الذي يسميه كامو “الطاعون المحرِّر” في تلك السنوات بل عدوى أخرى كانت انتقلت من العاصمة الجزائرية.

بدأت مدينة وهران تشهد انتشارا لوباء الطاعون الذي ضربها وأوقع فيها ضحايا، فعلى إثر هذه الظاهرة تقرر السلطات، بعد تردد، إغلاق المدينة وعزلها من أجل منع الوباء من التفشي.

“إن كل إنسان يحمل في جلده الطاعون، لأنه ليس ثمة في الدنيا من هو معصوم منه وأنه على الإنسان أن يراقب نفسه من غير انقطاع حتى لا يتنفس ذات لحظة من لحظات الشرود فى وجه إنسان آخر فيلصق به العدوى فالطبيعي هو الجرثومة أما الباقي، الصحة والكرامة و الصفاء إن شئت فهي نتيجة لإرادة ينبغي ألا تقف قط “.

يوضح الروائي أحمد إسماعيل، أن المؤرخون هم حملوا على عاتقهم  تسجيل تلك الأحداث الكبرى في تاريخ البشرية لتصبح فاصلا يفرق بين ما كان قبل هذه الأحداث وما بعدها، فقد عرفت البشرية ما يسمى بالموت الأسود أو الطاعون الذي هاجم البشرية في القرن الرابع عشر، ودفعت أوروبا والعالم الإسلامي ملايين الأرواح في تلك الفترة.

غلاف رواية الطاعون
غلاف رواية الطاعون

وسجل المقريزي ما حدث في مصر في ظل الطاعون الذي وقع في القرن الرابع عشر، وتولى “الجبرتى” وهو مؤرخ عاصر الحملة الفرنسية فسجل أحداث الطاعون الذي وقع في زمن الحملة الفرنسية.

وتابع: لما ظهر فن الرواية في أوروبا قبل مائة عام أصبح الروائيون يرصدون الأحداث الكبرى من أوبئة وحروب، ولما وقعت الحرب العالمية الثانية ظهر في أوربا عدد كبير من الروايات التي تصور المواقف الإنسانية التي وقعت أثناء تلك الحرب العظمى التي أهلكت ملايين البشر في أوروبا وآسيا.

الحب في زمن الكوليرا

رواية من تأليف الكاتب الشهير، “جابرييل ماركيز”، عام 1985، يحضر فيها الوباء حضورًا رومانسيًا، فوباء الكوليرا لم يكن إلا خدعة أو حيلة اعتمدها بطل الرواية ليستفرد بحبيبته على متن سفينة نهرية، بعدما طاردها لسنوات وعقود، وقد بلغ كلاهما سن الشيخوخة، إنها رواية حب بين فلورينتيو وفرمينا تبدأ منذ المراهقة، وتستمر إلى ما بعد بلوغهما السبعين.

“لقد عاشا معًا ما يكفي ليعرفا أن الحب هو أن نحب في أي وقت وفي أي مكان، وأن الحب يكون أكثر زخمًا كلما كان أقرب إلى الموت”.

بعد إعلان انتشار وباء الكوليرا على السفينة يفر الجميع خوفا، ويظل هو وحبيبته وحدهما، رافعين إشارة صفراء لتدل على وجود استمرار الوباء، ثم يخبرها بأنها خدعة ليكملا حياتهما معا في رحلة نهرية.

غلاف رواية الحب في زمن الكوليرا
غلاف رواية الحب في زمن الكوليرا

عام العجائب

رواية «عام العجائب» لمؤلفتها الأسترالية “جيرالدين بركس”، التي تتحدث فيها عن امرأة شجاعة وصبورة تدعي “آنا” تبذل كل ما تستطيعه من جهد لتواجه مرض الطاعون مع أهل قريتها، ولكن سرعان ما تظهر أنواع أخرى من الأوبئة في ذات العام الذي أسمته “عام العجائب”.

ويري الروائي أحمد جادالكريم، أنه على الرغم من تناول روايات عدة للأوبئة، إلا أنه ليس من الممكن تسمية ذلك بالأدب الوبائي، خاصة وأن أغلب الروايات تناولت الوباء بشكل مختلف، فمنها ما طرح الوباء كفصل من ضمن فصول الرواية، وأخرى كان الوباء قضية متداخلة مع قضايا أخرى، وهناك من تناولته بشكل هامشي، فلن يشكل الوباء قصة رئيسة إلا في روايات قليلة، وعليه كان أبطال هذه الروايات شخصيات جاءت تركيبتها بشكل يخدم جميع النصوص وليس فقط نص الوباء المتضمن داخل الرواية.

تدوين كورونا

يتوقع الروائي أحمد إسماعيل، أنه سيزدهر الأدب الواقعي في البلاد التي شهدت وقوع ضحايا بسبب “كورونا” فلن يمر هذا الوباء مرور الكرام على مبدعي الرواية في إيطاليا والصين وأمريكا، وسيكتب الروائيون عن هذا الوباء المستجد، الذي وضع البشرية كلها في مواجهة الفناء.

 

 

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر