بالمستندات.. هل ينجو محلج محمد علي الأثري بفوه من الشطب؟

لسنوات طويلة ظل محلج محمد علي للقطن بمدينة فوه بمحافظة كفر الشيخ يعاني الإهمال. ومنذ تسجيله عام 1995م في عداد الآثار استمرت هذه المعاناة، نتيجة تعدد الجهات التي تولت عملية الإشراف عليه. فهو ملك للوحدة المحلية لمدينة فوه، والتي استخدمت بدورها بعض قاعات المحلج لعرض الأفلام. وبجانب ذلك فالمجلس الأعلى للآثار كان له دور “الإشراف” على المحلج حفاظًا على طابعه الأثري. ونتيجة لهذه المعارك التي استمرت لسنوات بين الجهة المالكة من جهة وبين الآثار من جهة أخرى بات المحلج في طريقه للشطب من عداد الآثار بعدما استجابت الآثار لطلبات المجلس المحلي لشطبه!

أنشى المحلج عام 1824م، ويتمثل مبنى المحلج في كتلتين معماريتين مميزتين وهو يعكس طرازا مميزا من المنشآت الصناعية القليلة المتبقية من عصر محمد علي.

تضارب التقارير

تعود بداية محاولة شطب المحلج من عداد الآثار لتاريخ 28-2-2016. إذ أصدر الدكتور مصطفى أمين، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار في ذلك الوقت قرارًا بتشكيل لجنة لمعاينة المحلج لأخذ قرار نحو ترميمه ونزع ملكيته، أو شطبه من عداد الآثار، وتسليمه لمجلس المدينة. وتقدم أمين عام المجلس الأعلى للآثار بحل ثالث يفيد بترميمه واستغلاله مشاركة من جانب وزارة الآثار والمجلس المحلي لمدينة فوه. وبتاريخ 28-8-2016 رشح الدكتور ضياء زهران وكان يشغل حينها منصب مدير عام التوثيق الأثري بقطاع الآثار الإسلامية والقبطية معاينة المحلج وإعداد تقرير له.

إمكانية الترميم

عاينت اللجنة المشكلة المحلج الأثري وخلص تقريرها التي قدمته للأمين العام للمجلس الأعلى للآثار في ذلك الوقت إلى أن محلج محمد علي بفوه يمثل قيمة أثرية هامة. كما ذكرت أنه يحوي الكثير من العناصر المعمارية وهي بحالة جيدة. وقد أشار العضو الهندسي باللجنة إلي إمكانية ترميمه ورفع كفاءته. وقد رأت اللجنة في نهاية الأمر عدم شطب المحلج من عداد الآثار الإسلامية والقبطية.

كما أفادت أن العضو الهندسي بدوره، لوجود دراسة استشارية من قبل المكتب الاستشاري، الاستشاريون العرب (محرم– باخوم) وهو جاهز للطرح وموجود لدى الإدارة العامة للشؤون الفنية والهندسية للوجه البحري بالإسكندرية.

متحف قومي

وفي نهاية تقريرها اقترحت اللجنة ترميم المحلج واستغلاله بالاشتراك مع مجلس المدينة وتوظيفه كمتحف قومي لفوه أو معرض لمنتجات المدينة من الصناعات التقليدية التي تشتهر بها المدينة، مثل صناعة الكليم والسجاد وخشب الخرط.

توصيات عام 2017 من اللجنة المشكلة بقرار من المجلس الأعلى للآثار برئاسة د. ضياء زهران، في خطاب لرئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية
توصيات عام 2017 من اللجنة المشكلة بقرار من المجلس الأعلى للآثار برئاسة د. ضياء زهران، في خطاب لرئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية

وبناء على ما خلصت إليه لجنة المعاينة، وعلى ما خلص إليه المستشار القانوني للوزارة أصدرت اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية والقبطية بتاريخ 26-6-2018 قرارها بالاحتفاظ بالمحلج كأثر وعدم شطبه من عداد الآثار.

محاولة جديدة للشطب

بعد أن تولى مصطفى وزيري منصب الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار الحالي خلفًا للدكتور مصطفى أمين، تم فتح الموضوع مرة أخرى! وذلك رغم رفض جميع اللجان المتخصصة بجانب اللجنة الدائمة ومجلس الإدارة شطب المحلج الأثري. إذ تقدم د. إسماعيل عبدالحميد طه، محافظ كفر الشيخ في ذلك الوقت، بطلب لوزارة الآثار لشطب المحلج من عداد الآثار. وذلك في إطار حصر المحافظة لأصول وأملاك الدولة غير المستغلة، وبهدف إقامة مشروعات بالمحافظة.

وقد تم بالفعل إسناد الأمر إلى وجدي عباس، المشرف على مكتب الوزير في ذلك الوقت، فجاء تقريره معاكسا للتقرير الذي صدر عن اللجنة السابقة التي عاينته، إذ إنه لم يشر إلى محضر معاينة اللجنة بتاريخ 28-8-2016، التي رفضت شطب المحلج نظرًا لما يحويه من عناصر معمارية “بحالة جيدة”. فضلًا عن إمكانية ترميمه ورفع كفاءته، بل إنه استند لمحضر سابق من المنطقة الأثرية بتاريخ 14-1-2015 يفيد بضرورة التدخل لترميم المحلج نظرًا لأنه يخشى من انهياره في أي لحظة!

دعوى بطلان

تحدث عباس خلال تقريره عن أن المبنى صدر له قرار من محكمة القضاء الإداري في عام 2013 يفيد بإلغاء قرار وزير الثقافة بتسجيل المحلج. وتحدث التقرير أيضًا عن أن وزارة الآثار قد رفعت دعوى بطلان على الحكم الصادر بإلغاء قرار. وأوضح في تقريره أنه لم يرد حكم المحكمة في دعوى البطلان (أي أن المبنى لا يزال أثرًا بحكم القانون طالما أن القضية لا تزال متداولة في المحاكم).

وبالفعل فقد أشار العضو القانوني داخل الوزارة وفقًا لـ”المستندات الرسمية” بضرورة التريث لحين صدور الحكم النهائي من جانب القضاء، حيث أشار في تقريره إلى أن محافظة كفر الشيخ بالفعل عرضت على وزير الآثار شراء المحلج. وأنها لا تمانع من بيع المبنى لهيئة الآثار، بناء على لجان التثمين. وإما شطبه من عداد الآثار.

الحالة الراهنة

تحدث عباس خلال تقريره عن أن المبنى في حالة سيئة من الناحية المعمارية والإنشائية. وقد أشار إلى تقرير أعده مدير مشروعات وسط الدلتا بقطاع المشروعات بالوزارة وأنه قد عاين المحلج. وأشار أنه يحتاج لترميم شامل وعاجل.

واعترف وجدي بدوره أن المحلج يمثل قيمة تاريخية هامة، إلا إنه بعكس التقرير السابق تحدث عن أن المبنى لا يحوي على أية زخارف أو كتابات أو وحدات تاريخية وأثرية. بالإضافة إلى أنه ذكر أن ما تم تسجيله من المحلج وقت قرار التسجيل هي المخازن الملحقة بالمحلج والتي استخدمت كقاعات للسينما.

وفي نهاية التقرير أشار إلى عرض الموضوع على اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية والقبطية. للموافقة على شطب المحلج من عداد الآثار. ونظرًا لم سيكلف مشروع الترميم من نفقات باهظة سيتم إنفاقها!

شطب المحلج

اتخذت اللجنة الدائمة في نهاية الأمر قرراها بشطب المحلج من عداد الآثار. طبقًا لما جاء في تقرير وجدي عباس المشرف على المكتب الفني للوزير. إذ إنها لم تستند في قرارها لأي لجان فنية. ولا لرأي قطاع الآثار الإسلامية والقبطية. ولا لرأي لجنة المراجعة عند اتخاذها قرار الشطب!

وبتاريخ 30-7-2019 وافق مجلس إدارة المجلس الأعلى للآثار على شطب محلج محمد علي بفوه من عداد الآثار بناء على مذكرة المشرف على المكتب الفني للوزير. وبناء على قرار اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية والقبطية.

الجدير بالذكر أنه لم يصدر حتى الآن قرار وزاري بشطب المحلج من عداد الآثار. ولم ينشر القرار في الوقائع المصرية. وبالتالي فهو لا يزال أثرًا مَحْمِيًّا بقانون حماية الآثار حتى وقتنا هذا.

محلج محمد علي الأثري
محلج محمد علي الأثري

ازدهار فوه

الدكتور حسام إسماعيل، أستاذ الآثار الإسلامية بجامعة عين شمس، تحدث لـ«باب مصر» عن أن مدينة فوه ازدهرت لقرون عدة خاصة في تجارة الأرز والسكر. وقد تبادلت الأهمية هي ومدينة رشيد لعدة عصور. وخلال العصر العثماني. وقد ظهر اهتمام فوه بالقطن تحديدًا في عصر محمد عليّ والذي حول القطن من مجرد زهرة، إلى نبات محصولي يمكن الاستفادة منه بصورة كبيرة. لذلك فقد بدأ يهتم بالمحالج بصورة كبيرة والتي ظهرت في فوه. إذ كان يصنع هناك الطرابيش. لذلك فقد أولى اهتمامًا كبيرًا بفوه. وقد انتعشت المدينة اِقْتِصَادِيًّا.

وما يؤكد ذلك هو أن المدينة قد كثرت وازدهرت بداخلها المساجد. وهذا معناه أن الحياة الاقتصادية انتعشت داخل هذه المدينة، لذلك تبرع الناس والتجار ببعض من أموالهم التي تربحوا منها في تجارتهم لبناء المساجد، ونتيجة أيضًا لأن المنطقة كانت قريبة من البحر فقد كانت معقلًا للمتصوفة هي والإسكندرية ورشيد إذ يعدان مناطق “رباط” نتيجة قربهم من ساحل البحر.

يضيف: ما أود قوله هو أن محمد علي قد اتجه للدلتا بشكل عام. وأنشأ داخلها الكثير من محالج القطن. لكن محلج محمد علي الموجود بفوه هو الوحيد المتبقي من عصر محمد علي في هذه المنطقة حتى الآن. إذ سجلته الآثار في نهاية القرن الماضي نظرًا لأهميته. لكن للأسف ما يحدث حَالِيًّا أن الوزارة تحاول شطبه من الآثار. وهذا أمر بالطبع غير صحيح فالمفترض أن نحافظ عليه ونرممه نظرًا لأنه يوثق فترة تاريخية مهمة من تاريخ مصر وتحديدًا فترة محمد عليّ. بالإضافة إلى أنه الأقدم من بين المحالج الموجودة في الدلتا. لذلك فشطبه من الآثار هو محو لذاكرة مدينة لطالما كانت غنية بالآثار، وبالتنوع والتفرد.

اقرأ أيضا

كيف قيم اليونسكو وضع القاهرة في اجتماعه الأخير؟

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر