تصفح أكبر دليل للفعاليات الثقافية فى مصر

الدليل - تعالى نخرج

امتلكها أمير عربي.. القصة الكاملة لبيع قطعة أثرية يُرجح سرقتها من مقبرة توت عنخ آمون

«الجندب المصري» يثير الجدل في مزاد بلندن

نظمت دار مزادات «أبولو» مزادا في 27 يوليو بلندن، لبيع إناء تجميل مصري نادر يُعرف باسم «جرادة جينول»، مصنوع من الخشب والعاج. وانتهى المزاد ببيع القطعة مقابل 340 ألف جنيه إسترليني (455 ألف دولار أمريكي)، أي ما يعادل ثلث قيمتها عند بيعها في عام 2007.

ورغم تأكيد دار المزادات أنها «قطعة من عصر توت عنخ آمون»، أشار العديد من الخبراء إلى أنها تعود في الأصل إلى مقبرة توت عنخ آمون، مما أثار تساؤلات حول شرعية بيعها، وكيفية خروجها من المقبرة التي اكتشفها هوارد كارتر كاملة في عام 1922، فضلا عن مكان وجودها طوال قرن من الزمان، خاصة بعد رفض دور مزادات كريستيز وسوذبيز عرضها.

دار أبولو

تحمل القطعة رقم 462 في المزاد، وقد عرضت تحت عنوان: “الفنون القديمة الجميلة والآثار – مجموعة الأمير”. وتعد “أبولو” دار مزادات حديثة نسبيا في تجارة الآثار القديمة.

يصف الموقع الرسمي لدار المزادات القطعة بأنها: “تتيح لهواة الجمع والمؤرخين لمحة عن الفن الراقي في عصر الدولة الحديثة في مصر. يعود تاريخ القطعة إلى أواخر الأسرة الثامنة عشرة (حوالي 1350-1340 قبل الميلاد)”.

أما عن مواصفاتها، فوزنها أقل من 20 جراما، ومنحوتة من العاج المطلي مع تطعيمات خشب، وتزين عيناها باللونين الأزرق والأسود. وتدور أجنحتها المزخرفة بنقوش تشبه رقعة الشطرنج إلى الخارج، لتكشف عن تجويف داخلي صغير كان يستخدم لحفظ الكحل أو العطور.

مزاد مشبوه

بحسب مجلة “لوكشري لونشيز“، فإن هذه القطعة على هيئة جندب -نوع من الجراد – يُقدر ثمنها بحوالي 1.2 مليون دولار.
وقد عرضت أولا في مزادي كريستيز وسوذبيز، لكن كليهما رفضا عرضها دون إعلان السبب.

وأشارت المجلة إلى احتمال أن تكون القطعة منهوبة من مقبرة توت عنخ آمون. ويبلغ طولها أقل من 9 سم (ثلاث بوصات ونصف)، وتعود لفترة ما بين 1350 و1349 قبل الميلاد.

معلومات متضاربة

نفت دار “أبولو أن تكون القطعة قد نُهبت من المقبرة. وقالت: “الصلة بمقبرة توت عنخ آمون هي فرضية علمية حديثة، وليست حقيقة ثابتة. وبالتالي لا تشكل دليلا قانونيا أو تاريخيا”.

وبررت موقفها بعدم وجود صورة للقطعة ضمن حفريات المقبرة، أو إدراجها في قوائم الجرد التي وضعها كارتر. ولا توجد وثائق تثبت صلتها بالمقبرة.

لكنها ذكرت في الكتالوج المطبوع للمزاد (صفحة 8): “يعتقد أن الجندب من بين القطع المعروفة أو المحتملة من مقبرة توت عنخ آمون. وكان في يوما ما جزءًا من مجموعة الراحل هوارد كارتر”.

جرادة خشبية - دار أبولو للمزادات
جرادة خشبية – دار أبولو للمزادات
هل سرقها كارتر؟

يرى بعض الخبراء أن القطعة تعود فعلا للمقبرة، نظرا لتشابه خصائصها مع السمات الفنية المميزة لعصر توت عنخ آمون. وذكرت المجلة أن عالم الآثار هوارد كارتر استولى على عدد من القطع الصغيرة والجميلة من المقبرة. وأكدت أن هذه الآثار ملك للشعب المصري، ولم يكن يحق له اقتناؤها سواء سرا أو علنا.

وهذه ليست القطعة الأولى التي تثار حولها شبهات. فوفقا لموقع “أبولو” للفنون (الذي يختلف عن دار المزادات)، كان كارتر قد روج لبيع العديد من القطع المنسوبة إلى المقابر المصرية حتى وفاته عام 1939. وقد عثر على مجموعة كبيرة منها في شقته في كينسينجتون، يعتقد أنها من المقبرة ذاتها.

وفي المقابل، نفذ “هاري بيرتون” – الذي كان يعمل في متحف المتروبوليتان- وصية كارتر. وأعاد جميع القطع التي تحمل اسم توت عنخ آمون إلى السفارة المصرية في لندن، وباع الباقي. وقد اشترى جامعو تحف ومتاحف- من بينهم متحف المتروبوليتان- بعض القطع التي تشير ملاحظات كارتر الشخصية (المفقودة الآن) إلى أنها من المقبرة.

مراجع تاريخية

يشير موقع “أبولو” إلى أن هذه القطعة لها تاريخ طويل، إذ أنكر عدد من أمناء ومديري المتاحف، أنها تعود لمقبرة توت. فقد صنف أمين المتحف أليستير برادلي مارتن القطعة بأنها ربما جاءت من غرب طيبة. وكانت قطعة “الجندب المصري” من القطع المفضلة لديه. حتى إن رسام الكاريكاتير “تشارلز آدامز” صوره وهو يشتريها من تاجر مريب يؤكد له: “أن هذا الجندب ملعون”.

أما “توماس هوفينج”، مدير متحف المتروبوليتان بين عامي 1967 و1977، فذكر في كتابه «توت عنخ آمون: القصة غير المروية» الصادر عام 1978 هذه القطعة ضمن مقتنيات المقبرة. واستند في ذلك إلى وثائق من أرشيف المتحف ومقابلات مع كبار الأمناء الذين عرفوا كارتر وبيرتون. وفي 2010، أعاد متحف المتروبوليتان بعض القطع المتنازع عليها. ورغم ذلك لا تزال العديد من القطع التي حددها هوفينج على أنها منهوبة من المقبرة، معروضة في المتحف.

من امتلك “الجندب المصري”؟

يطرح ظهور القطعة المفاجئ  في المزاد سؤالا هاما: “أين كانت هذه القطعة طوال هذه السنوات؟” رغم تأكيد دار المزادات على عدم وجود دليل على سرقتها، فإن بعض الخبراء شككوا في مصدرها.

وبحسب شبكة “آرت نت”، مرت القطعة بأيدي علماء آثار وتجار، وجامعين وأفراد من العائلة المالكة المشهورين. يُعتقد أن كارتر باعها أولا إلى التاجر المصري “موريس نحمان”. ثم انتقلت إلى التاجر النيويوركي “جوزيف برومر” عام 1936، وبعد وفاته بيعت ضمن مزاده عام 1948. وانتقلت إلى مجموعة أليستير برادلي مارتن.

ودفع مارتن حينها حوالي 10 آلاف لاقتنائها. ثم أدرجت ضمن “مجموعة جينول” الأسطورية، التي امتلكها مارتن وزوجته إديث، وكان يشغل منصب أمين متحف بروكلين. وبحسب الموقع الرسمي لدار “أبولو”، عُرضت القطعة في متحف بروكلين بين عامي 1948 و2002. وكذلك في متحف المتروبوليتان عام 1969.

أسعار خيالية

تقدر مجموعة “جينول” بمبالغ كبيرة، ففي ديسمبر 2007، بيع تمثال من الحجر الجيري على هيئة أسد، يعود تاريخه إلى الفترة ما بين 3000 و2800 قبل الميلاد، بمبلغ 57.1 مليون دولار أمريكي، بالإضافة إلى رسوم إضافية وصلت إلى 18 مليون دولار، وذلك في مزاد دار “سوثبي” بنيويورك.

وأشارت دار المزادات إلى أن القطعة “تم الاستشهاد بها منذ ذلك الحين في العديد من المراجع الأكاديمية المهمة، مثل كتاب ” فن المملكة الحديثة في مصر القديمة” لسيريل ألدريد (1951)، وكتاب “تاريخ التكنولوجيا” عام (1954) تأليف تشارلز سينجر.

مقتنيات أمير قطري

في عام 2007، استحوذت صالة “ميرين” على القطعة، ثم اشتراها الشيخ سعود آل ثاني، أحد أفراد العائلة المالكة القطرية. الذي توفي عام 2014، مقابل 1.2 مليون دولار، وفقًا لمجلة أبولو.

وكان الشيخ سعود معروفا بحبه لاقتناء القطع الأثرية النادرة والغريبة، وغالبا ما كان يتغاضى عن التحقق من مصدرها. وفي عام 2005، احتُجز رهن الإقامة الجبرية بتهمة اختلاس المال العام بقطر من أجل تكوين مجموعته الخاصة من الآثار.

كما اشترى عددا كبيرا من القطع من التاجر المدان روبن سايمز. ومنذ وفاته، يحاول ورثته بيع مجموعاته الضخمة، إلا أنهم غالبا ما يتلقون جزءا بسيطا فقط من المبالغ التي دفعها خلال حياته.

تجارة القطع الأثرية

سلط بيع القطعة المعرفة باسم “الجندب المصري” الضوء على ثغرات اللوائح المنظمة لتجارة القطع الأثرية. خاصة مع أثير حول سرقة هوارد كارتر لعدد من القطع من مقبرة الملك توت عنخ آمون بعضها لا يزال مجهولا.

وبحسب صحيفة “ذا أوبسيرفير” البريطانية، قال عالم المصريات توم هاردويك: “هناك سوق قانونية للمواد المصرية الموثقة جيدًا، ولكن يجب على المشترين أن يعلموا أن الجندب قطعة مشبوهة”.

وأضاف: “تم التعرف على هذه القطعة وبيعها على أنها من مقبرة توت عنخ آمون، وأعتقد أنها ملك لمصر. والآن، وبعد أن ظهر الجندب في السوق المفتوحة. سيواجه أي مشتري ضغوطا قانونية وأخلاقية متزايدة لإعادته”.

طلب الاسترداد: عقبات قانونية

بحسب قانون المملكة المتحدة، يتطلب تقديم طلب لاسترداد قطعة أثرية توافر ثلاثة شروط: إثبات أنها خرجت بطريقة غير مشروعة،.وتصديرها تم بشكل غير قانوني. وتقديم الطلب في الوقت المناسب. وهو ما لم يحدث خلال أكثر من 80 عامًا منذ الظهور العلني للقطعة، وفقا لتصريحات متحدث باسم دار “أبولو”.

وقال المتحدث: “مع أن القطعة الأثرية تعود إلى عصر توت عنخ آمون، إلا أنه لا يوجد دليل يربطها بكارتر. كما أنها غير موجودة في أي سجلات رسمية للتنقيب”.

وأضاف: “الإشارة إليها في الأعمال الأكاديمية اللاحقة مجرد تكهنات. وقد صدرت من مصر في ثلاثينيات القرن الماضي، أي قبل عقود من اتفاقية اليونسكو لعام 1970، وقانون الآثار المصري لعام 1983”.

البحث في السجلات الدولية

من جهته، قال جيمس راتكليف، المستشار القانوني ومدير عمليات الاسترداد في دار “أبولو” إن الشركة طلبت إجراء بحث شامل عن الجندب. وبحثت في قاعدة بيانات للقطع الفنية والقطع الأثرية المملوكة للأفراد.

وأضاف: “هذا الجندب غير مدرج هناك أو في قاعدة بيانات الإنتربول. وهي قطعة صغيرة لكنها مهمة، راجعنا مصدرها وبحثنا في معلومات حول مبيعاته السابقة”. وأوضح راتكليف أن المسألة الأساسية تكمن في تحديد ما إذا كانت مصر قد طالبت باستعادة الجندب. وقال: “لقد كانت القطعة معروضة بشكل علني لعقود. وكان هناك بعض الجدل، لكن بما أن لم يطلبه أحد، فليس بإمكاننا اتخاذ إجراء بشأنه”.

واختتم حديثه باتفاقه مع نظريات سرقة كارتر العديد من الآثار من مقبرة توت عنخ آمون. لكن لا يعلم ما إذا كانت هذه القطعة من بينهم، خاصة أنه تم بيعها عدة مرات مع الأصل المرفقة به.

اقرأ أيضا:

إحياء تراث «حي الخليفة»: مشروع تخرج يدمج الهوية المصرية بالفن المعاصر

معرض في باريس يعيد رسم صورة «كليوباترا» بعيدا عن روايات الغرب

مزاد فني لدعم «درب 1718» بعد هدم مقره: الفنانون يردّون الجميل

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر
إغلاق

Please disable Ad blocker temporarily

Please disable Ad blocker temporarily. من فضلك اوقف مانع الاعلانات مؤقتا.