«المعماريون الرواد»: كيف غيرت ثورة 1919 هوية مصر المعمارية؟

نظم الجهاز القومي للتنسيق الحضاري مؤخرًا معرض «المعماريون الرواد في عشرينيات القرن الماضي» والذي يأتي ضمن فعاليات الاحتفاء بعشرينيات القرن الماضي ورواده الذي أطلقته وزارة الثقافة، داخل قاعة آدم حنين بمركز الهناجر للفنون. إذ تم عرض التصميمات المعمارية التي نفذها المعماريون خلال القرن الماضي والتي تميزت بتنوع المدارس الفكرية والهندسية. وأضفت تنوعًا داخل المدن خلال القرن الماضي.

وعلى هامش المعرض أقيمت ندوة «المعماريون الرواد.. عشرينات القرن الماضي» والتي أدارتها الدكتورة دليلة الكرداني، أستاذة العمارة والتصميم العمراني بكلية الهندسة جامعة القاهرة.

زخم ثقافي

تحدث المهندس محمد أبوسعدة، رئيس الجهاز القومي للتنسيق الحضاري، عن وجود زخم ثقافي وإبداعي واكب انطلاق ثورة 1919. يقول: “ساهمت الثورة بشكل كبير في تفجير ينابيع الفن التشكيلي وغيره من الفنون. وتأتي العمارة ضمن أبرز تلك الفنون التي تركت بصمتها وواكبت ما يجري من أحداث. إذ عبّر مصمموها عن النهضة التي شهدتها تلك الفترة، والتي لازالت تاركة أثرها حتى اليوم”.

وتابع: شهدت بداية القرن العشرين نهضة في مجال ممارسة المهنة من جانب المصممين المعماريين المصريين. فهذه الفترة تحديدًا شهدت تواجدًا للمعماريين المصريين الذين عملوا داخل الدواوين الحكومية. والتي سيطر عليها الأجانب لسنوات. إذ كان هناك توجه خاص من جانب المعماريين المصرين يهدف في الأساس للبحث عن الهوية المصرية، رغبة منهم في مواكبة الحراك المصري.

واستطرد: ظهرت مباني ذات طابع إسلامي مستحدث، والتي يمكن أن نراها في أعمال محمود باشا فهمي، وكذلك مصطفى باشا فهمي، ومع اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون، بدأ الاهتمام بالعمارة الفرعونية مع إعادة صياغة مفرداتها. وقد ظهر ذلك جليًا على قبر الزعيم الراحل سعد زغلول، وكذلك محطة قطار الجيزة.

اتجاه حداثي

يضيف أبوسعدة، خلال تلك الفترة كان لعودة المعماريين المبعوثين من الخارج مثل محمد رأفت، ولبيب جبر، ومحمود رياض، بالغ الأثر نحو ظهور الاتجاهات المعمارية المعاصرة لتلك الفترة التي عاشتها مصر. ولعل أهمها الاتجاه الحداثي الذي ظهر في عديد من المباني المصممة بواسطة هؤلاء. فقد شهدت تلك الفترة -أيضًا- تواجدا هاما لتكتلات ممارسة المهنة. حيث أسست جمعية المعماريين وكذلك جمعية المهندسين المصرية، فهذا الثراء المعماري كان انعكاسًا لثقافة الصحوة التي عاشتها مصر في تلك الفترة.

أكدت الدكتورة سهير حواس، أستاذ العمارة والتصميم العمراني بكلية الهندسة جامعة القاهرة الهوية المصرية، أن تنوع الشرائح الاجتماعية والثقافية في المجتمع مع مرور الوقت، أدت إلى تراكم هويات البشر وتنوع هويات الأماكن التي يعمرونها، سواء بالنسبة للعمارة أو العمران. فطابع الأماكن متوقف على هوية وثقافة الناس الموجودة داخل المدينة، فالطابع المعماري داخل مصر، هو طابع عربي تقليدي، وكذلك يوجد طابع غربي كلاسيكي الملامح.

تنوع الاتجاهات

وأشارت حواس إلى أنه هناك عناصر حداثية متداخلة. وهذه التصاميم المختلفة ما هي إلا انعكاس للمعماريين الذين عملوا داخل مصر، وتميزوا بتنوع الاتجاهات الفكرية. فنحن لا نملك نمط موحد في مصر. ولا نملك طراز معماري ثابت طوال فترات تاريخنا. بل نملك أنماطا مختلفة من النسيج العمراني داخل القاهرة. ما يعني أيضا أننا نملك أنماطا مختلفة من السكان يعيشون في المدينة. فمنذ بداية نشأة القاهرة الحديثة بدأنا نفكر في استدعاء المعماريين من أوروبا وهناك عوامل سياسية واقتصادية دفعت بمثل هذه الأعمال.

وتابعت: الوجود الاستعماري كان يدعم فكرة تواجد معماريين أجانب داخل مصر. وكذلك فالجاليات الأجنبية كانت تستقبل هذا المنتج الغربي الملامح. ورغم ذلك فالمهندسين الأجانب الذين عملوا في مصر تأثروا بدورهم ببصمة هذا البلد والتي انطبعت على أعمالهم. إذ أضفوا على أعمالهم الطرز المصرية. ومنهم من تمصرت أعمالهم مثل ماكس هرتز باشا، كبير مهندسي الأوقاف، الذي خشيت إنجلترا من فكرة تمصيره وتطبعه بالعادات المصرية. فقررت استدعاءه ليظل فترة داخل إنجلترا، وغيره الكثير من المعماريين مثل أنطونيو لاشياك فعندما قرر تصميم بنك مصر قرر استخدام النمط الإسلامي المحدث. رغم أنه كان يتبع التصميم “الكلاسيكي والباروك” في أعماله.

محطة الإسكندرية مثال

وتقول: الأمر نفسه داخل محطة مصر في الإسكندرية. فقد تم بناء المحطة واستخدمت طرز غربية، لكن بالتدقيق فالزخارف الموجودة بالمحطة اعتمدت الزخارف المستوحاة من الحضارة المصرية القديمة. لذلك رغم أن كثير من المعماريين قد انتموا لمدارس غربية إلا أن أعمالهم تأثرت بالمدارس المصرية، وتشبعوا بالثقافة المصرية.

تنهي حواس حديثها: “التحول الكبير الذي حدث عندما نحت مختار تمثال نهضة مصر. إذ اعتبر بداية انطلاق ودفعة للمعماريين المصريين لاستدعاء الطرز الفنية المصرية وعدم التأثر بالمدارس الغربية. وهذه كانت نقطة التحول الحقيقية، وبداية انطلاق المصريين في هذا المجال”.

نقطة تحول

تحدثت الدكتورة ماجدة مصطفى، أستاذ مساعد قسم العمارة بالجامعة الأمريكية، عن بداية التعليم المعماري في مصر. تقول: “عام 1920 كان نقطة تحول حقيقية بالنسبة للفن والعمارة في مصر. فالبوادر بدأت منذ نهايات القرن الـ19، وأخذ في التبلور حتى ظهرت صورته في بدايات العشرينيات من القرن الـ20. لكن بوجه عام فترة البعثات أضفت الكثير للفن المصري، نتيجة تعرض هؤلاء المهندسين للأفكار الغربية”.

وتابعت: يمكن تقسيم الأمر لثلاث مراحل: فالبعثات الأولى تأثرت بالمفهوم الغربي للعمارة بشكل كامل. إذ تأثروا بالحداثة بصورة كبيرة. وبعد ذلك ظهرت المرحلة الثانية من هذه البعثات والتي أثرت بصورة كبيرة على التعليم المعماري والتي لا يزال أثرها واضح حتى اليوم. وتأثروا بالمدارس الفرنسية في العمارة المبنية على أسس جمالية في العمارة. وهناك مجموعة ثالثة من المعماريين والذين درسوا في بلاد متفرقة، خاصة مع تأثرهم بالمدرسة الألمانية والربط الذي حدث مع مدرسة أمريكا الشمالية، ومنهم الدكتور السيد كريم، فهو معماري لم ينل حظه كثيرًا من قبل الباحثين.

ندرة المصادر

تشير مصطفى إلى وجود ندرة في عدد المصادر المتاحة باللغة العربية، خاصةً تلك المعنية بالعمارة المصرية، وتقول: “أرى أننا لا نملك الكثير من المصادر المكتوبة باللغة العربية، وهذه مشكلة كبيرة، يجب تدعيمها. إذ يجب رصد التحولات التي حدثت في هذا النوع من العمارة”.

وتنوه بأهمية معرفة الخط الزمني من عام  1920 وصولًا إلى عام 2020. وذلك لتحليل التسلسل العمراني المصري، وكذلك أهم العوامل التي أثرت فيه وأهم المعماريين الذين تركوا بصماتهم في هذا القرن وبصماتهم التي خلقت ثراء وتنوع مازال يُدرس حتى الآن.

أرض البستان

فيما تحدث الاستشاري المهندس سيف الله أبوالنجا، رئيس جمعية المعماريين المصريين، عن نشأة الجمعية ونقابة المهندسين وتأثيرهم الواضح على تشكيل الهوية العمرانية المصرية. وشرح فكرة تأسيس جمعية المهندسين. إذ أوضح أنها أسست من خلال إسماعيل بيه عمر، وكذلك محمود بيه سامي. فقد رفعوا المذكرة للملك فؤاد كي يعطيهم أرض البستان الموجودة في رمسيس بالقاهرة، والذي وافق بالفعل على المقترح. وقد استخدموا رمز “إمحوتب” المعماري الشهير، الذي عبر عن هويتهم المصرية. وتم افتتاح المبنى بالفعل في ديسمبر 1922، واحتفلت الجمعية بذكرى مرور 100 عام على تأسيسها.

وأضاف، لم تأتي الحركة الفكرية الليبرالية في الثقافة المصرية خلال بداية العشرينيات من فراغ، بل كانت نتيجة حراك ثقافي وفكري، نتيجة تواجد المجتمع المدني. فهذه كانت جذور الثقافة المصرية، والتي ساهمت في إثراءها بشكل كبير، فنحن امتداد لتلك الحقبة الزمنية.

اقرأ أيضا

«أرشيف شبرا»: مينا إبراهيم والبحث عن المدينة القديمة

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر